قيم وسلوك الشباب فى عصر الشبكات الاجتماعية | مركز سمت للدراسات

قيم وسلوك الشباب فى عصر الشبكات الاجتماعية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 2 يناير 2019

د. عادل عبد الصادق

 

أصبحت الشبكات الاجتماعية تستخدم كـ”أداة لتغيير السلوك” لدى الشباب العربي والذين هم أداة لتحقيق التنمية الاجتماعية التي ترتكز على اعتبار الفرد هو الوسيلة والغاية.وأصبحت العلاقة بين الشباب والشبكات الاجتماعية ذات طبيعة مزدوجة فهي كاشفة من ناحية لحجم التحديات التي يواجهها الشباب -وهم الأكثر تعرضا واستخداما ومعاناة -وتكشف من جهة أخرى عن فرص للاستفادة وإمكانية توظيفها بما يخدم الشباب على مستوى التفكير والإبداع والابتكار والمشروعات الناشئة.

غني عن القول إن ما نجده في أيدينا من تطبيقات تكنولوجية بطبيعتها محايدة ، ولكن ما يعمل على بلورة نمط الاستخدام لها ثقافة المستخدم وبيئته التي يعيش فيها و ربما تبعا كذلك لحالته النفسية، وإلى نمط العلاقات الصراعية أو التعاونية التي يرتبط بها، والتي تلعب دورًا في التأثير على الإدراك ونمط التفكير ثم التأثير في السلوك سواء أكان سلوكا خيريا أو عدوانيا.

باتت تلعب الشبكات الاجتماعية  دوراً في التأثير على القيم والسلوك لدى جميع فئات المستخدمين من المجتمع خاصة فئة الشباب ،وذلك  لما تتميز به تلك الشبكات من عناصر جذب ذاتية ، ومنها ما يرجع الى طبيعة التحولات  التي يمر بها المجتمع ،ومنها ما يمكن أن يعكس العلاقة الجدلية بين الإعلام بشكل عام والقيم وأيهما يؤثر في الآخر.

دوافع التغير في زمن متحول

بعد ظهور المنتديات والمواقع وغرف الدردشة والمدونات ، ظهر جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية والتي تميزت بجاذبية التأثير والانتشار وارتفاع حالة الآنية والتفاعلية وتنوع الوسائط والتحديث المستمر ، وهو ما من شأنه ان يؤثر في زيادة ساعات الاستخدام والتعرض من قبل الشباب

وهو ما يتعلق بخطورة انعكاس ذلك في عنصرين مهمين في البناء الاجتماعي وهما عنصرا الشباب والنسق القيمي للمجتمع، وذلك من خلال ما يتم رصده من علاقة بين الشبكات الاجتماعية ،كمتغير مستقل والنسق القيمي الأخلاقي كمتغير تابع، الى جانب علاقة ذلك بمتغيرات وسيطة تتعلق بدوافع تعرض الشباب والفجوة الديموغرافية ومعدل ثقتهم في المؤسسات الحكومية

وذلك الى جانب عدد من العوامل لعل اهمها ، ما يتعلق أولاً بالبعد الجيلي: ان الشباب هم القاعدة العريضة من المجتمع السكاني وهم الاكثر استخداما للشبكات الاجتماعية . وثانيا ، البعد المؤسسي :ضعف دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمؤسسات السياسية في القيام بدورها كمؤسسات وسيطة ،وثالثا ،البعد التكنولوجي : الانتشار والدخول الكثيف لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات  وبخاصة بين الشباب ،رابعا ،البعد التنموي : ان الشباب الاكثر معاناة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والفجوة وعدم المساواة ،وخامسا ، تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودور العبادة والمدارس والجامعات والأسرة ووسائل الاعلام ،وسادسا ، ضعف سيادة القانون وسوء حالة التشريعات القانونية القادرة على مواكبة تطورات العصر مثل المعاناة من البطالة والفقر وضعف فرص العمل

ويكشف  ذلك  عن أن الانتشار الكثيف والسريع للتطبيقات التكنولوجية كان أسرع من نمو البيئة الثقافية الملائمة لاستيعاب ذلك التطور ، فالمجتمعات التي تشهد حالة من التدرج في نموها التكنولوجي يكون على مستوى الإنتاج والاستهلاك بينما جاءت مجتمعاتنا مستهلكة وفقط ليس فقط للتكنولوجيا بل كذلك للسلع والخدمات.

الشبكات الاجتماعية وقيم وسلوك الشباب

اثرت الثورة التكنولوجية وتطبيقاتها المختلفة على منظومة القيم بجميع أنماطها مثل منظومة القيم الاجتماعية والدينية والذاتية للفرد اي ما يتعلق برؤية الفرد لذاته ومجتمعه ونظرته الى الله والدين ، وتعرف القيم بأنها “ مجموعه المعايير والأحكام التي تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته يراها جديرة بتوظيف إمكانياته وتتجسد خلال الاهتمامات او الاتجاهات او السلوك العلمي او اللفظي بطريقة مباشرة او غير مباشرة. “وتتميز القيم بعدة خصائص لعل أهمها انها”، غير مرتبطة بزمن محدد حيث انها عابرة للماضي والحاضر والمستقبل ، وتختص القيم بالبشر دون غيرهم  ، وان تلك القيم نسبية وليست مطلقة ،معيارية تمثل معيار لإصدار الاحكام وتفسير السلوك ، وتتميز القيم بأنها تحمل صورا متضادة ومتعارضة ، وتتميز القيم بأنها مكتسبة عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية ، وتتميز القيم بأنها ذاتيه ويختلف وزنها من فرد الى اخر ، وهو ما كان له انعكاس أمني واقتصادي وثقافي وسياسي واجتماعي على المجتمع بكل فئاته.

وتلعب القيم عدة وظائف لعل اهمها،أولا ، تشكيل شخصية الفرد وتحديد اهدافها والقدرة على التكيف والتوافق وتحسين القدرة على الادراك ومعتقداته لاتضاح الرؤية  وثانيا ،المحافظة على تماسك المجتمع وتحديد اهدافه ومواجهة المتغيرات التي تحدث وثالثا،القدرة على التعبير عن الهوية والمصلحة الوطنية.

ولعل فهم منظومة التغيير في القيم ثم السلوك وتعلم تكتيكات التجنيد كانت ضمن التطبيقات الابرز من قبل الجماعات الارهابية لجذب الشباب عبر الشبكات الاجتماعية حيث ارتكزت على ثلاث مراحل تعلقت “الأولى  منها بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية بحجة الدفاع عن القيم المقدسة الدينية او البحث عن عالم مثالي لا يمت للواقع بصلة كفكرة “الخلافة”او” المدينة الفاضلة “، ويتم توظيف النصوص الدينية عبر كافة الوسائط الاعلامية.

وفي المرحلة الثانية،ترتبط بالتأثير المعرفي عن طريق دور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة نظر الجماعات الجهادية.وفي تلك المرحلة تتحول الصفحات والحسابات على شبكات التواصل الى بوق للتطرف ونقل وجهات النظر الاحادية  تجاه الاخر.

وتأتي المرحلة الثالثة والتي هي أخطر المراحل،لأنها تعمل على تحويل الفكر الى سلوك عن طريق التغيير السلوكي لدى المنتمي ،وان يتحول من مجرد متعاطف الى فاعل والمشاركة الفعلية في التغيير بالقوة والعنف وهو ما يظهر في التغيير السلوكي ، وهي مرحلة تتم عبر المشاركة في ارض القتال الفعلي او القيام بعمليات انتحارية بعد عملية التعرض لغسيل المخ تحت دعوى رفعة الجماعة والانتقال الى العالم الافضل .

الشبكات الاجتماعية والقيم..  أيهما يؤثر فى الآخر ؟
وعلى الرغم من إن الإعلام بطبعه قد يكون عاكسا للقيم المحلية الأصيلة فانه في حالات اخري يكون هو الذي يملك الريادة في تغيير القيم ، وتبقى مسألة الحكم على القيم التي تتغير والاخري التي لا تتغير أو تقع ضمن النسق العقيدي للجماعة متوقفا في الأخير على درجة تماسك النخبة ومستويات التعليم والثقافة داخل المجتمع ، وحالة رأس المال الثقافي أو الإعلامي وموقفة من قيم المجتمع .

وذلك مع حرية انتقال الأفكار والمعلومات والرموز ما بين الداخل والخارج ، وتبقى في المواجهة المؤسسات الأهلية المحلية ،ودرجة التعاطي الايجابي لها مع تلك الثورة المعرفية وقدرتها على تسويق قيمها وتطوير خطابها في ظل السيل الجارف من المعلومات والرموز من الخارج .وبقيت مناعة المجتمعات من التأثير المتصاعد لذلك التيار متوقفة على إدراك القيادة السياسية والنخبة ومؤسسات المجتمع لمعطيات الثورة المعرفية الجديدة ، فأصبحت كلما امتلكت القدرة على التحديث والسرعة والاستجابة للتحديات كان لها القدرة في حفظ الأمن الثقافي والسيطرة على المحاور الرئيسية للتوافق المجتمعي على الأقل .

وعلى النقيض فانه في حالة العجز وفقدان الصلة بين حجم التغييرات على الأرض وملائمة السياسات المتبعة من الحكومات تحدث القطيعة الثقافية بين المواطن والمؤسسات ذاتها وتعزيز حالة الانعزال والغربة الثقافية وتدهور القيم المحلية وتراجعها في مقابل إدخال أنماط جديدة لا تعمل على استقرار المجتمع بل على تفككه بنيويا وقيميا ، وعجز المجتمع عن التوصل إلى بوصلة توجهه نحو الطريق الصحيح في ظل موجات العولمة الثقافية العاتية،والتي تعمل على الاستفادة الايجابية مع المعطيات الجديدة  والتخلي عن القيم  السلبية وتبني قيما جديدة ترتكز على الانفتاح والتسامح والإبداع والعمل وغيرها .

ومن ثم فانه يبقي الأثر الأكبر للشبكات الاجتماعية والإعلام البديل بشكل عام في المجتمعات التقليدية كبيرا نتيجة للضعف في الثقافة العامة، وحالة العجز في تطوير هيكل المجتمع على نحو يدافع عن القيم الأصيلة.

ولا شك فان الظروف الاقتصادية إلى جانب الظروف الاتصالية تؤثر كذلك على القيم حيث تشهد حالات الانتقال السياسي في المجتمع إلى تغير القيم نتيجة بروز ضحايا لعمليات التحول الاقتصادي والاجتماعي ،والتي تظهر في تدهور حالة القيم داخل معينها وخزينها الأول ألا وهو الريف والذي شكل دوما خط الدفاع الأول للحفاظ على القيم داخل المدن ،ولكن ما اعترى الريف من تشوهات اقتصادية وتدهور حالة الزراعة دفع  إلى الهجرة سواء إلى الخارج أو إلى المدن الحضرية ،وهو ما أسهم بشكل لا يستهان به في هذا التدهور.

وجاء ذلك مع فقدان مؤسسات ثقافية واجتماعية مهمتها نتيجة لبروز جيل جديد تمرد على تلك المؤسسات من منطلق أنها لم تعد هي مصدر الإلهام المعرفي والقيمي بعد الانترنت ، ومن جهة أخرى تراجعت مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن القيام بدورها والطابع التقليدي لخطابها ، وهو ما أدى إلى واقع انفصالها عن طموحات وقضايا الجيل الجديد ، وفي مواجهة تحديات جديدة أمام قدرتها على بسط نفوذها القيمي والولائي على الفرد.

وأثرت التكنولوجيا في قضية تسليع القيم، وخاصة ذات الطبيعة الدينية أى اعتبار القيم سلعا يتم الترويج لها والإنفاق على تبنيها من قبل اباطرة من رجال الأعمال والإعلام ، حيث يتم الترويج للقيم الاستهلاكية للمزيد من تحقيق المكاسب لأصحاب رءوس الأموال ودون النظر إلى السلام الاجتماعي والسياسات الاحتوائية لمعدلات الفقر والبطالة في المجتمع.

مخاطر التواصل الاجتماعي على القيم  المحليه للشباب

ومن شأن  طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي إذا ما جري استخدامها في مجتمع صحي إن تساهم في الحوار البناء والتعاضد الاجتماعي وتعزيز ثقافة التسامح إلى جانب تنمية رأس المال الاجتماعي والذي من شأنه أن يحول تلك العلاقات المتكونة عبر الشبكات الاجتماعية إلى حالة ايجابية يتم توظيفها في المجال الاقتصادي وتنمية الإبداع والابتكار.ولكن في الواقع حالت ثقافة مجتمعنا دون أن تتحول تلك الوسائل إلى ذلك النحو  الايجابي اللهم إلا استثناءات قليلة بل تحول إلى أداة لبث الكراهية ونشر الشائعات وإدارة الخلافات الشخصية .

وبرزت إلى السطح قيم جديدة على المجتمع من أهم مفرداتها الكراهية والعنف المجتمعي واللفظي، وأصبح الصراع الاجتماعي في حقيقته صراعًا قيميًا ما بين ما يفرضه الواقع والمؤسسات التقليدية من قيم وما بين القيم الوافدة من الخارج ،وسواء أكانت من خارج النسق العقيدي للفرد أو من خارج الحدود الجغرافية للدولة، وما نشهده من تجاذبات عبر الشبكات الاجتماعية هو في الحقيقة كذلك انعكاس لحالة التردي الراهن في منظومة القيم ونتيجة لتراكمات عهود سابقة من سياسات تعليمية وثقافية ماضية، خاصة مع افتقاد الشبكات الاجتماعية عنصر المركزية في التوجيه وطغيان الفردية والعشوائية في نقل المعلومات والأفكار والقيم والرموز الثقافية.

كما تستخدم المضامين الثقافية في شحن الكراهية والعنف على النحو الذي يضر في النهاية كل مكونات المجتمع ، أى إن إقدام طرف على استخدام الشبكات الاجتماعية على نحو سلبي يؤثر في نشر القيم السلبية من جهة ويؤثر على خلخلة السلام الاجتماعي من جهة أخري ويزيد من الاحتقان الاجتماعي والثقافي ويزيد من الهوة بين الفرقاء من جهة ثالثة .
وأصبحت تستخدم الشبكات الاجتماعية في التأثير القيمي داخل المجتمع عبر بث حالة من الاغتراب الاجتماعي والتأثير السلبي على القيم الدينية أو قيم اجتماعية كقيم الأسرة والزواج والعائلة والجيرة ، وبرزت خطابات العنف والكراهية ضد الاخر ليس فقط ذا الطبيعة العرقية والمذهبية بل كذلك لاختلافات سياسية وفي حتى وجهات النظر حول بعض القضايا على النحو الذي اثر في تحول تلك الشبكات الاجتماعية الى ادوات للإقصاء والاحتقان وليس للانفتاح والتسامح وبناء الحوار ،كما استخدمت منصات الشبكات الاجتماعية  في بث الكراهية والعنف ضد التنوع العرقي والمذهبي والديني داخل المجتمع على الرغم من وجود تلك المكونات قبل ظهور الانترنت والشبكات الاجتماعية .

وظهرت أنماط جديدة من الجريمة داخل المجتمع تعكس حالة التغير في القيم كجرائم العنف المنظم والعنف المجتمعي والتحرش  الجنسي واستغلال الأطفال والأعمال المنافية للآداب العامة ، وحتى بروز توجهات قيمية جديدة لدى فئة محدودة كالدعوة للإلحاد أو اعتناق مذاهب دينية مختلفة أو جديدة أو التحرر التام من قيود المجتمع وذلك في مقابل استقطاب آخر تقوده قوى التطرف والإرهاب ونشر الكراهية والاقصائية  . وعلى الرغم من أنها قد تكون حالات فردية إلا إن طبيعة التواصل الاجتماعي تجعل منها قضية كبري نتيجة للتغطية الواسعة لها داخل الشبكات الاجتماعية ووجود آليات الإعجاب والمشاركة بما يعمل على زيادة تأثيرها ، وتحولها إلى مادة خبرية للصحف والفضائيات بما يعمل على اتساع نطاق التأثير من الانترنت إلى الشارع .

الشباب وفرص الدمج ومواجهة التهميش

إن تنمية ثقافة الحوار والتسامح وحل الخلافات لمن الأهمية بمكان يجعلها هي أساس معالجة ما يعتري مجتمعنا من مشكلات ووقف تدهور الطاقة البشرية وقيمة الوقت للعمل على استخدام الشبكات الاجتماعية في احداث تغيير قيمي ثم سلوكي على النحو الذي يؤدي الى تعزيز القيم المحفزه على التنمية مثل قيمة  العمل والانجاز والتطوع والتسامح وغيرها، ويجب أن يتم الدفع بالترادف بتيار مدني قوي عبر تنشيط دور المنظمات الأهلية والمؤسسات الثقافية ،ودعم الاهتمام بتنوير الشباب والمواطنين ورفع الوعي والمعرفة  وتحديث الدور والأدوات والآليات من اجل مواكبة التغير في التحديات وتعزيز فرص الاستفادة من الثورة المعلوماتية والاتصالية .

ولا شك أن العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله، وخاصة إن الضغط المادي يؤثر نفسيا على المواطن وعلى الجماعة بشكل عام، ومن ثم فإن العمل على تحسين الدخول والمستوى المعيشي جزء مهم في عملية الحد من تدهور القيم الاجتماعية ولا ينفصل ذلك عن أهمية مكافحة الفقر والبطالة وخاصة بين الشباب وهم الكتلة الحرجة داخل المجتمع وهم الأكثر استخداما لها والأكثر نشاطًا ومعاناة  في نفس الوقت من ظروف الواقع المعيش.

إن عملية إنقاذ الفرد و المجتمع والدولة من تدمير القيم الاصيلة عبر تلك الوسائط الإعلامية الجديدة تتطلب  ان يكون الشاب هو منصة الانطلاق في تلك المواجهة وتعزيز ثقافته العامة والتقنية وتشجيع التوجه لديهم الى الكليات العملية ،ورفع مستويات الخطاب الثقافي للمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية ليكون لها الدور الحاضن للشباب ، وتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والإبداع،وذلك لأن ثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر الاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية .

ويمثل الشباب قوة نسبية للدولة في سبيل البحث عن فرص للاستحواذ على اقتصاد المعرفة، وخاصة اهمية الابداع والابتكار في النمو الاقتصادي ،وبخاصة انه يتم تصنيف الدول وفق مؤشرات الابتكار والإبداع ويتم احتساب مؤشر الابتكار العالمي بتحديد متوسط مؤشرين فرعيين. وأولهما مؤشر المدخلات الذي  يقيس عناصر الاقتصاد التي تجسد الأنشطة المبتكرة والتي تتم رؤيتها وفق خمس ركائز هي قدرة المؤسسات الفاعلة ، وحجم رأس المال البشري والبحوث،ومدى توافر البنية التحتية ، وحجم التطور في السوق، وفي  الأعمال . وثاني تلك المؤشرات ما يتعلق بالمخرجات الخاصة بطبيعة  المعرفة والتكنولوجيا و المخرجات الإبداعية  والتطبيقات المرتبطة بها،
واصبح ذلك توجها من الدول الفقيرة والغنية في الموارد  معا في محاولة للتأقلم مع الثورة العالمية في مجال الاقتصاد الرقمي ،وبخاصة مع  كون المنطقة العربية ومصر تحتويان في هيكلهما السكاني نسبة تقل 60 % من السكان من الشباب وهم ثروة بشرية تشكل ميزه نسبية اذا ما تم توظيفها على نحو جيد بشكل يجعل هؤلاء الشباب مؤهلين للدخول الى سوق الاقتصاد الرقمي والذي يستطيع ان يحقق عددا من المكاسب لعل اهمها ،

أولا ، العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي بالانتقال من الاعتماد على الموارد الطبيعية الى انتاج المعرفة .

ثانيا، زيادة فرص العمل ، على الرغم من ان التقدم في مجال الاقتصاد الرقمي يعمل على اختفاء عدد من الوظائف الا انه يعمل على اتاحة وظائف اخري ومواجهة الطلب على الوظائف بإتاحة الفرصة لخلق وظائف ومهن جديدة حيث ان كل وظيفة رقمية ترتبط بما بين 4-2 وظائف اخري في الاقتصاد الى جانب ان معدلات رفع الاجور تزيد بمعدل 30 % عن الوظائف الاخري ، وتؤدي زيادة الربط الشبكي والتحول الرقمي الي تحويل اوجه العمل الى بيانات رقمية بما يزيد من عولمة المهارات وتقديم خدمات عابرة للحدود.

ثالثا ، يعمل الاقتصاد الرقمي على زيادة معدلات الانتاجية  حيث تتميز الصناعات الرقمية  بأنها عالية الانتاجية وتمنح القدرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لأن تنمو بسرعة .

رابعا ، العمل على مكافحة الفقر ،حيث تؤكد تجارب العديد من الدول ان عملية التحول الرقمي تساعد في دمج المهمشين من خلال زيادة دخولهم وتوفير دور اجتماعي وهو ما ينعكس في التنمية

خامسا، جودة الرعاية الصحية ،تساعد عملية استخدام التطبيقات الرقمية في مجال الصحة الى تحسين جودة الرعاية الصحية وتوفير النفقات على الامراض المزمنة وزيادة صحة وإنتاجية العامل

سادسا ، التعليم ،العمل على تحسين العملية التعليمية عبر انخفاض التكلفة وتحسين الجودة واستخدام تطبيقات التعليم الالكتروني
سابعا : تحسين البيئة ومواجهة التغير المناخي ، تساعد عملية الرقمنة في تحسين البيئة ومواجهة التغير المناخي عبر عدم الاعتماد على الاوراق وخفض الانبعاثات الكربونية بما قارب 15 %  والتوسع في المدن الذكية .

ثامنا ،العمل على دعم الشفافية عن طريق  المساعدة في مكافحة الفساد في الجهاز الحكومي ،والعمل على تقليل تكلفة الخدمات الحكومية ،توفير ادوات جديدة للرقابة على اجهزة السلطة التنفيذية

تاسعا ، الشرعية ، ودعم الاستقرار عن طريق استغلال الطاقة الشبابية المعطله والأكثر فاعلية سياسية ،توفير تطبيقات جديدة للتغير الاجتماعي ،ومواجهة تطلعات الشباب في المستقبل ،تحقيق قدر كبير من الاستقرار السياسي .

وأخيرا، أهمية تعزيز التحول من الطابع الاستهلاكي الى الدور المنتج والفاعل في صناعه التكنولوجيا كجزء من تحرير الارادة الوطنية وتعزيز المكانه الدولية . ولعل توافر الارادة السياسية الى جانب غنى مصر بطاقات بشرية هائلة من اهم عناصر النجاح في طريق المستقبل وتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق الاهداف الانمائية للأمم المتحدة وأجندة 2030 .

كل ذلك وغيره من شأنه أن يوقف الضجيج بدون طحن وان يتم وضع حبات الزيتون والقمح بين فكي الرحى لتخرج دقيقا أو زيتا يستنفع به الفرد والمجتمع والدولة.

المصدر: مجلة لغة العصر

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر