سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
وارن ستانيسلاوس
بعد فترة وجيزة من عودته إلى السلطة عام 2012، أكد رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” بجرأة، أن “اليابان عادت” من “عقودها الضائعة” التي عانت خلالها من الركود الاقتصادي والاضطراب السياسي. وفي ظل إدارة “آبي”، فإن لدى طوكيو طموحات للقيام بدور أكبر في القيادة العالمية، كما يعتقد صانعو السياسة أن القوة الناعمة هي المفتاح لتحقيق ذلك.
ومنذ فترة طويلة تدرك اليابان إمكانات قوتها الناعمة. فبعد مقال نشرته مجلة “دوغلاس ماكغري” في السياسة الخارجية لعام 2002 حول شركة “غروس ناشونال كو” اليابانية، فإن طوكيو تسعى لتحويل الانتشار العالمي لثقافة “البوب” اليابانية إلى تأثير سياسي ومكاسب اقتصادية.
فاليابان، التي تأثرت جزئيًا بحزب العمال البريطاني تحت قيادة “توني بلير في المملكة المتحدة، دخلت أجواء أشبه بالحرب الباردة منذ عام 2010. ولكن خلال العقد الماضي، تعرضت شركة اليابان لانتقادات واسعة في الداخل والخارج بسبب فشلها في الاستفادة من العلامة التجارية اليابانية.
وفي الوقت نفسه، يخشى المسؤولون في طوكيو أن تخسر اليابان جيرانها الإقليميين في حرب المعلومات؛ ذلك أن الارتفاع المفاجئ في “الموجة الكورية” التي تحمل طفرة في الصادرات الثقافية لكوريا، والتي رعتها الحكومة، بدأ يطغى على دور اليابان كقوة عملاقة في شرق آسيا. كما تقوم الصين – أيضًا – بتوسيع شبكتها بسرعة من خلال “معاهد كونفوشيوس”، والمراكز التعليمية الموجودة داخل الجامعات المضيفة لتعزيز الانتشار العالمي للغة والثقافة الصينية.
لقد دقَّ عالم السياسة، “كينت كالدر”، أجراس الخطر مرة أخرى في عام 2014 عندما كشف أن بكين وسيول أكثر فعالية في استكشاف الشبكات غير الرسمية لتعزيز وجودهما في “مراكز تحديد الأجندات”، مثل “واشنطن دي سي”؛ لأن طوكيو تشعر بالقلق من أن ذلك من شأنه أن يمنح الصين وكوريا، الفرصة لإنشاء مناخ غير مواتٍ لليابان، لا سيَّما فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية والتاريخية.
وهكذا، التزمت طوكيو بتعزيز جهود الدبلوماسية العامة. ففي عام 2015، تلقت وزارة الشؤون الخارجية اليابانية (MOFA) تدفقات نقدية كبيرة تقدر بنحو 500 مليون دولار أميركي لزيادة نفوذ الدولة على الساحة العالمية من خلال “توصيل الرؤية اليابانية إلى العالم”.
في قلب استراتيجية اليابان، تقع مبادرة “البيت الياباني الجديد” التي تديرها وزارة الخارجية اليابانية، والتي تتكون من ثلاثة مراكز ثقافية في كل من: “لندن، ولوس أنجلوس، وساو باولو”، وهي المدن الرئيسية المستهدفة للوصول إلى العالم، أو الاتصالات التاريخية العميقة لليابان.
ووفقًا للتقرير الدبلوماسي السنوي عن السياسة الخارجية اليابانية، تأمل طوكيو في “توصيل فهم صحيح لليابان”، وحشد الداعمين من خلال المشاركة في مختلف المجالات فيها. لكن في الوقت الذي يتم فيه طرح مقاربة أكثر حزمًا، تركز الأسر اليابانية بشكل حصري على الثقافة بدلاً من النزاعات الإقليمية لتجنب أي انتقاد لها كونها مخصصة للدعاية.
وهنا يبدو السؤال الأهم وهو: هل سيكون لذلك التأثير المطلوب؟ فاليابان تسعى إلى كسب الجماهير العالمية من خلال الدبلوماسية العامة “الراقية”؛ حيث تنتقل الأسر اليابانية بعيدًا عن الصور المبتذلة للثقافة اليابانية التقليدية ووجهات النظر المحدودة عن اليابان باعتبارها أرضًا خصبة، وتستهدف بدلاً من ذلك جمهورًا كبيرًا من المديرين التنفيذيين الأثرياء والمتخصصين في المدينة وعشاق الطعام الياباني، وعشاق الفنون الراقية. وإذا كان هذا الجزء من الجمهور يمكن أن يتحول إلى دوائر الإعجاب باليابان، فإن الذهن ينصرف إلى المتعاطفين مع اليابان في مختلف المنتديات الخاصة بإعداد جدول الأعمال المتصل بذلك. فطوكيو تعتمد على التأثير الثقافي والسياسي المتواصل لهذه الطبقة الاجتماعية الاقتصادية.
لقد تمَّ تصميم المنازل اليابانية – ومخرجاتها – بعناية لوضع اليابان كحاملٍ للمعايير الثقافية للقرن الحادي والعشرين. ففي لندن، على سبيل المثال، كان الموقع الذي تمَّ اختياره عبارة عن مبنى ذي طراز فني من الدرجة الثانية في شارع “كينسينغتون هاي” المرموق، ويقع بالقرب من متحفي V & Aو Designبالمدينة. كما تركز الفعاليات والمعارض على تسليط الضوء على تاريخ اليابان الطويل من الحرفية المتجذرة إقليميًا ومرونة التصميم المتقنة. وهكذا، يمكن القول إن الأسعار في ذلك المتحف الجميل من الناحية الجمالية والمطعم الخالي من النبيذ، يجعلها غير قابلة للوصول إلى العديد من المتفرجين.
لكن محاولة طوكيو الهادفة إلى بث الرؤية “الصحيحة” لليابان إلى جمهور محدد رفيع المستوى، تتناقض مع الاتجاهات الرئيسة في الدبلوماسية العامة وإدارة المؤسسات الثقافية؛ فمن ناحية تحولت الدبلوماسية العامة القديمة إلى الدبلوماسية الحديثة غير التقليدية؛ إذ اتسم العصر الحالي بالانتقال من أعلى إلى أسفل، ومن أحادية الاتجاه للأفكار من الأبراج العاجية الدبلوماسية، إلى القيم الجديدة التي تتسم بنهج ديناميكي يمكن الوصول إليه بما يتناسب مع العديد من أصحاب المصلحة ويشجعهم على المشاركة في الإبداع المشترك. وقد أدى بروز دور الأطراف الفاعلة غير الحكومية في الشؤون الدولية والثورة الرقمية إلى صعوبة سيطرة الحكومة على رسالتها بدقة في هذا الأمر. فقد أصبح الحوار الشعار الأساس. ومن ثَمَّ، ينبغي أن يتسع الحوار للكثيرين، وليس فئة محدودة فقط.
لقد أصبح التنوع والشمول – أيضًا – عاملين محوريين لمؤسسات الفنون والثقافة في المملكة المتحدة؛ إذ تهدف المؤسسات الثقافية الرائدة، التي تستهدف الوصول إلى جمهور متنوع، إلى إعادة النظر في مواقعها والكوادر العاملة بها وأسعارها وعروضها الأساسية، فقد أصبحت المراكز الثقافية منصات لتمكين وتعزيز التعاون مع شركاء المجتمع المحلي.
وإذا كان القرن العشرون هو ميدان السباق نحو القمة، فإن الفائزين بالدبلوماسية العامة في القرن الواحد والعشرين، سيكونون أولئك الذين يمكنهم إتقان التواصل من المركز بشكل عام وليس مع الأطراف الهامشيين. ومن ثَمَّ، ينبغي أن يتم التركيز على مبادرة البيت الياباني بدرجة أقل لنقل أوراق اعتماد القيادة الثقافية اليابانية إلى جمهور حصري، وأن تبذل المزيد من الجهد لتمكين أصحاب المصالح وجذبهم. فإذا لم يحدث ذلك، فإن المشروع الياباني تحاصره المخاطر، كما أن أية دعاوى في هذا الصدد يكون قد عفا عليها الزمن.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: كونفرسيشن
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر