سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيلين أوجيدا، وجيرمان بينادو ديلجادو
اكتسبت اللجنة الدولية لمناهضة الإفلات من العقاب في “غواتيمالا”، أهمية كبرى، وتواجه مستوى عاليًا من المعارضة داخل الحكومة الوطنية على أعلى مستوياتها. ويعدُّ تاريخ “غواتيمالا” واحدة من أكثر المناطق المضطربة في أميركا الوسطى، فخلال النصف الأول من القرن العشرين كانت البلاد تحت رئاسة كل من “خورخي أوبيكو”، و”فيديريكو بونس” عام 1944، و”جاكوبو أوربينز” عام 1954. وحتى وقت لاحق، بين 1960 و1996 عانى البلد من صراع داخلي عنيف، حيث شهد سلسلة من الانقلابات العسكرية، وكان أبرز ديكتاتور خلال هذه الفترة، هو الجنرال “إيفرين ريوس مونت”، الذي شهدت البلاد في فترة حكمه عنفًا ملحوظًا.
وعلى مدى هذه العقود المضطربة، لعبت الشركة متعددة الجنسيات، ولا سيَّما شركة “الفواكه المتحدة”، دورًا حاسمًا في القطاعات الاقتصادية والسياسية والوطنية في “غواتيمالا”. واليوم، فإن “غواتيمالا” هي أكبر بلدان أميركا الوسطى، وهي المنطقة الواقعة في أقصى جنوب المكسيك وأحد الاقتصادات الناشئة في المنطقة، ومع ذلك فإنها لا تزال تكافح في ظل حكومة تعاني من الفساد والإفلات من العقاب.
قامت “غواتيمالا” برئاسة “أوسكار بيرغر” بتوقيع معاهدة مع المحكمة الجنائية الدولية المعنية بالعنف عام 2006. وفي وقت لاحق، وفي شهر أغسطس 2007، صادق برلمان “غواتيمالا” على الاتفاقية مع اللجنة الدولية لمناهضة الإفلات من العقاب في بلاده تحت قيادة المحامي الإسباني الشهير “كارلوس كاستريسانا”. ولهذه الهيئة لجان مستقلة عن الأنظمة الدستورية والقضائية العاملة بإنفاذ القانون في “غواتيمالا”. وأجرت اللجنة الدولية للتحقيقات القضائية، تحقيقات للكشف عن الأنشطة الإجرامية على كافة مستويات الحكومة الوطنية بالبلاد. وتتمثل مهمتها الرئيسة في تفكيك جميع الكيانات الإجرامية التي تتخلل كلاً من الدولة والمجتمع في “غواتيمالا”. ومن المهام الأخرى للمحكمة الجنائية الدولية، مواجهة القضاء السري، وعودة القوات المسلحة السرية، وتشكيلات المقاتلين الباقية منذ حقبة التسعينيات.
ومن حيث المبدأ، فإن المحكمة الجنائية لم تهدف إلى أن تحل محل أي من الولايات القضائية والدستورية لـ”غواتيمالا”، بل إنها تساعدها في عملها وتعزز استقلاليتها. ومع ذلك، فإن هذه المحكمة مخولة لمنع أي شخص يرفض الامتثال للقانون في البلاد. كما أن المحكمة تقدم المشورة للمؤسسات المحلية والمسؤولين في النظام القضائي. ومع ذلك، اكتسبت اللجنة الدولية الدائمة أهمية كبيرة في “غواتيمالا”، وتواجه – حاليًا – مستوى غير مسبوق من المعارضة على أعلى مستويات الحكومة في البلاد.
تصاعد نبرة المعارضة
أدى “جيمي موراليس” اليمين رئيسًا لـ”غواتيمالا” في يناير 2016، و”موراليس” باعتباره رجل أعمال وسياسيًا رائدًا في مجال الترفيهيات، كان عضوًا في جبهة التقارب الوطنية، التي أنشأها عام 2008 وواصل من خلالها العمل السياسي، رغم أنها لم تحصل حتى الآن إلا على 11 مقعدًا من أصل 158 في البرلمان. كما كان “موراليس” يقود حملة ضد فساد المؤسسة السياسية، وحتى قبل انتخابه امتدح “موراليس” عمل الجبهة كثيرًا. والآن، وبعد سلسلة من التحقيقات والمحاكمات التي شملت قادة داخل جبهة الحزب الديمقراطي التقدمي، وحتى بعض أفراد العائلة، أصبح الرئيس الحالي أحد أبرز ناقدي أداء اللجنة. وعلاوة على ذلك، فإنه في إطار التحقيق في الفساد الذي طال تمويل الحملة الانتخابية عام 2015، أعلن “موراليس” في أغسطس الماضي، نيته عدم تجديد ولاية المحكمة الجنائية الدولية في “غواتيمالا”.
ومنذ توليه منصبه اشتبك “موراليس” مع اللجنة الدائمة في عدة مناسبات، وبخاصة بعد حملة قضائية جرت بالمقر الرئاسي في نوفمبر 2016، وهي العملية التي تمت بالاشتراك بين اللجنة الدولية للشرطة الجنائية ووزارة العدل في “غواتيمالا”، والتي شهدت اتهامات ضد كبار أعضاء الحكومة.
لقد كان التحالف الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان، قد حظى بآلية قيادية لإرساء الاستقرار في المثلث الشمالي لأميركا الوسطى، لكنه قوبل بحالة عدائية صاخبة خلال السنوات الأخيرة. وفي عام 2015، أشاد نائب الرئيس الأميركي “جو بايدن” بالعمل القضائي للجنة الدولية، كما مارس “بايدن” ضغوطًا ضد الحكومة في “غواتيمالا” لتمديد ولاية عمل اللجنة لمدة عامين آخرين. وفي وقت سابق من فبراير هذا العام، تشكلت لجنة بقيادة “ألفارو كولوم” الذي تولى منصبه منذ 2012 – 2018 بجانب 9 أعضاء آخرين بسبب تحقيقات مستمرة في قضايا الفساد من قبل اللجنة.
وبالمثل، فقد تمت إدانة “ألفونسو بورتيو” في أثناء وجوده بالسلطة بين عامي 2000 و2004 في الولايات المتحدة بتهمة غسيل الأموال، كما فُرِض على “أوتو بيريرز” الاستقالة من منصبه عام 2015 خلال السنة الثالثة من وجوده في السلطة. وفي ظل وجود “أليخاندرو مالدونادو”، نائب “روكسانا بالديتي”، رئيس مجلس النواب، فقد حصلت اللجنة على حلفاء جدد بما في ذلك المحكمة العليا في البلاد. وبجانب ذلك، تمَّ دعم قطاعات كبيرة في المجتمع المدني. ومع ذلك، فإن لدى اللجنة الدولية العديد من الخصوم الأقوياء، ومنهم السيناتور الأميركي “ماركو ربيو” الذي يبدو أنه يتعامل مع التدخل الروسي.
وقد شهدت الفترة الأخيرة عددًا من الصعوبات التي تتعلق بالمفوض العام للجنة “إيفان فيلاسكويز”، المحامي الكولومبي وعضو المحكمة العليا الكولومبية، الذي عمل مفوضًا ثالثًا. ويرتبط ذلك بقدرة اللجنة على أداء عملها منذ تولى “فيلاسكويز” عمله خلفًا للمحامي “فرانسيسكو دالانيز” من كوستاريكا في أكتوبر 2013. وقد شهدت تلك اللجنة مقاومة قوية من جانب عدد من الشخصيات السياسية في “غواتيمالا” ضد عملها، ومن بينهم الرئيس “موراليس” نفسه الذي اعتبر “فيلاسكويز” شخصًا غير مرغوب في وجوده مرة أخرى ورفض عودته لبلاده. لكن المحكمة الدستورية أصدرت حكمًا بالسماح بعودته، إلا أن الرئيس لم يستجب لذلك القرار.
وكما هو الحال بالنسبة للعديد من بلدان أميركا اللاتينية، يوجد بـ”غواتيمالا” مؤسسات قضائية تعاني من ضعف مزمن. ومع ذلك، وعلى مدى السنوات الـ 12 الماضية، وبمساعدة من اللجنة، كان هناك عدد كبير من التحقيقات والإدانات ضد كل أصحاب المصالح في القطاعين العام والخاص بتهمة الفساد، والكسب غير المشروع والجرائم الجنائية. وعلى الرغم من حقيقة أن أصحاب المصلحة الرئيسيين في “غواتيمالا”، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، لايزالون يدعمون عمل اللجنة، فإنه حتى الآن لا يمكن القول بأنها قد أتمت عملها بنجاح.
وفي حين أنه من الصحيح – ضرورة – تعزيز عمل اللجنة الدولية، فإن عداء الرئيس “موراليس” تجاه الهيئة يثير المخاوف بشأن جدية سيادة القانون. وعلاوة على ذلك، فإن قرار اللجنة الدولية اتسم بقدر من الانتهازية، وبخاصة ما يتعلق بمستقبل المحكمة الجنائية الدولية، وربَّما يكون هذا القرار أفضل دليل على مدى فاعلية وقدرة اللجنة على القيام بعملها.
وفي هذا السياق، من غير المستبعد أن تكون اللجنة أكثر تركيزًا على متابعة المشهد السياسي والقضائي بـ”غواتيمالا”، ويأتي ذلك في المقام الأول بسبب الإطار الدستوري الوطني. وعلى أقل تقدير، ينبغي السماح للجنة الدولية لاستئناف الإجراءات الجنائية باستكمال معالجة التحقيقات الجارية ونقل جميع قواعد البيانات القيمة والقدرات التقنية إلى النظام القضائي بـ”غواتيمالا”.
وأخيرًا، فإذا لم يتمكن الرئيس “موراليس” من إعادة النظر في قراره الخاص بمسألة إعادة تفويض اللجنة لمدة عامين آخرين، فإن النظام السياسي للبلاد سيجد نفسه عند مفترق طرق عام 2019، لكن مغادرة المحكمة سوف يكون أهم نتائج إرث “موراليس”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: فير أوبزرفر
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر