سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
غريغوري فيسكوسي
إن ما بدا في نوفمبر الماضي، كحركة شعبية، على خلفية ارتفاع تكاليف المعيشة، يجعل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، مضطرًا لوضع خطة تحفيزية عاجلة؛ فقد شارك أكثر من 100 ألف شخص في مظاهرات الأسبوع الماضي، وهو ما تبعه رد فعل عنيف، شوَّه سمعة فرنسا بصور السيارات المحترقة والغاز المسيل للدموع. لكن الواضح على الخطاب الذي يتبناه ماكرون – أصغر زعيم فرنسي بعد نابليون – بعيد كل البعد عن المواطنين العاديين. فبعد إلغاء ضريبة الوقود التي فشلت في استرضاء متظاهري “السترات الصفراء”، خرج “ماكرون” على شعبه عبر إحدى القنوات التلفزيونية لإعلان سلسلة من الإجراءات المكلفة التي تهدف إلى تعزيز القوة الشرائية.
دوافع الاحتجاجات
ارتكز الخطاب الأول للاحتجاجات على مسألة فرض الضرائب على الهيدروكربون، وكبح الانبعاثات، والمطالبة بحوافز التمويل للأنظمة النظيفة وأنظمة التدفئة المنزلية. وكان من المقرر أن تدخل تلك الزيادات حيز التنفيذ، بداية من شهر يناير المقبل. وبالنسبة للكثيرين من الولايات والمناطق الريفية بفرنسا، فقد تضاءل الاعتماد على السيارات والخدمات العامة، إلا أن التطورات الأخيرة قد مثلت نقطة الانفجار. فقد انتشرت وثيقة مطالب عبر الإنترنت روَّج لها حركة شعبية انتظمت خلال الفترة الأخيرة عبر وسائل الإعلام المحلية، تحت مسمى “السترات الصفراء” أو “سترات السلامة الصفراء”، وكان في مقدمتهم فئة السائقين الذين رفعوا عددًا من المطالب التي اتسعت مع الوقت لتشمل زيادة المعاشات التقاعدية واستعادة ضريبة الثروة إلى أن وصل الأمر للمطالبة باستقالة “ماكرون” نفسه.
رد فعل ماكرون
في البداية رفضت الحكومة الفرنسية مطالب الحركة؛ فلم يتحرك “ماكرون” حتى أول ديسمبر، وهو اليوم الأكثر عنفًا في المسيرة الاحتجاجية، والذي شهد شغبًا وصل إلى حدِّ تشويه “قوس النصر”. وبعد 3 أيام علقت الحكومة الضريبة لمدة 6 أشهر قبل إلغائها تمامًا. ثم أعقب ذلك سلسلة من التصريحات التي خرج بها “ماكرون” على المتظاهرين؛ حيث قال إنه سيرفع الحد الأدنى للأجور، وقرر إلغاء الضرائب على العمل الإضافي، والتخلص من الضريبة على المعاشات التقاعدية المثيرة للجدل. كما دعا لإزالة الضرائب على المكافآت أيضًا.
الموقف الراهن لـ”السترات الصفراء”
لم يرضَ المتظاهرون برد فعل الرئيس الفرنسي، فواصلوا الاحتجاج على جوانب الطرق في فرنسا، مشيرين إلى عدد من القضايا والمشكلات التي طالبوا الحكومة بمعالجتها، ذلك أن الاقتصاد الفرنسي يشهد سلسلة من الإجراءات الإصلاحية الجريئة التي بدأها “ماكرون” منذ 19 شهرًا، والتي كانت بمثابة الدافع الأهم للاحتجاجات الأخيرة. ومع رد الفعل العنيف للشرطة الفرنسية في مواجهة المتظاهرين، صعَّدوا موقفهم مطالبين الشرطة أن تركز على مكافحة الإرهاب بدلاً من مواجهتهم.
هنا من الصعب القول بأن تكلفة تلك الأحداث ستكون يسيرة لفرنسا، فـ”ماكرون” يزعم أن التنازلات ضرورية للحفاظ على الدعم العام من أجل الإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك إصلاح قوانين العمل لدعم قطاع التوظيف في البلاد. وقد وعد رئيس الوزراء “إدوارد فيليب” بفرض ضرائب إضافية على الشركات وخفض الإنفاق الجديد. ومع ذلك، فإن أي ضرر يصيب فرنسا من شأنه التأثير على بقية دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وبخاصة إيطاليا واليونان.
“ماكرون” على المحك
لقد واجه “ماكرون” صعوبات خلال الفترة الماضية، لكنه بات في حاجة إلى السعي نحو تعزيز موقفه في المستقبل المنظور؛ فالأوضاع الإقليمية خلال عامي 2019 و 2020 يمكن اعتبارها بمنزلة الاستفتاء على سياساته. ذلك أن استطلاعات الرأي تظهر أن حركة “السترات الصفراء”، تبرز العديد من المؤشرات على الأوضاع الاجتماعية، وخاصة تلك المتعلقة بمناهضة المهاجرين التي يتبناها عدد من السياسيين اليساريين، مثل: “لوك ميلينشون جان”، الذي هزمه “ماكرون” في الانتخابات الرئاسية عام 2017، لكن الواضح أن “جان” حاليًا يعمل على إطلاق رصاصته على السلطة. ومن ثَمَّ، فإن أي اختراق يقوم به مثل هؤلاء السياسيين المعارضين من شأنه أن يعقِّد الأوضاع بالنسبة لمخططات “ماكرون” الداخلية والخارجية.
خسائر فرنسا من الاحتجاجات
في مواجهة التطورات الأخيرة، دعا وزير المالية الفرنسي “برونو لو مير”، إلى أن تلك الحركة لها تداعيات كارثية على الاقتصاد الفرنسي. فبداية من 10 ديسمبر، هبط النمو الاقتصادى 10%، مقارنة بالربع الأول من العام الحالي. كما بلغت خسائر تجارة التجزئة نحو تريليون يورو (1.14 تريليون دولار) على الأقل بسبب الاحتجاجات الأخيرة، وذلك وفقًا للتقديرات الرسمية. فتجار التجزئة يلجؤون لإغلاق محالهم تحسبًا للاحتجاجات التي ركزت على الشانزليزية والطرق المحيطة به. كما تمَّ إغلاق عدد من المتاجر الشهيرة، مثل: “جاليريز لافاييت” Galeries Lafayette و”برنتيمبس” Printemps في يوم العطلة الأسبوعية الذي عادة ما يكون وقت الذروة للتسوق في فرنسا. كما تأثر قطاع السياحة الذي هبط بنسبة 40 – 50% مقارنة بالعام السابق.
لماذا يدعم الفرنسيون “السترات الصفراء”؟
اعتادت فرنسا على الاحتجاجات العنيفة تاريخيًا، حيث تشكلت الهوية الوطنية الفرنسية خلال ثورة 1789. أمَّا احتجاجات “السترات الصفراء”، فهي الخامسة في سلسلة الانتفاضات التي شهدتها فرنسا منذ النصف الثاني من القرن الماضي، والتي ساعدت في تشكيل الصورة العامة الحالية لفرنسا. وقد أظهرت استطلاعات الرأي دعم الكثيرين لمطالب “السترات الصفراء”، وإن لم يكن هناك توافق حول العنف المصاحب لتلك الاحتجاجات. إلا أن الاختلاف الواضح هذه المرة، يكمن في عدم وجود تنظيم مركزي، ما يعني صعوبة إمكانية التفاوض لغياب طرف يمكنه القيام بذلك. ففي الماضي كانت النقابات الفرنسية – تاريخيًا – مصدرًا لغالبية الاحتجاجات، لكن حاليًا لم تعد تلك الانتخابات كبيرة كما كانت في السابق.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: واشنطن بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر