د. سماء سليمان
استضافت مدينة باليرمو الإيطالية، في 12و13 نوفمبر، مؤتمرا دوليا حول الأوضاع في ليبيا، حضره أطراف ليبية وإقليمية ودولية، في محاولة للوصول إلى خريطة طريق لإخراج ليبيا من الأزمة التي تعيشها الآن للدخول في التسوية السياسية، ووضع جدول زمني للانتخابات، وخطة للاصلاح الاقتصادي، وإعادة اطلاق العملية السياسية، والمشاركة في إنشاء مؤسسات الدولة، وهو ما يدعو للتساؤل حول دلالات المؤتمر وتداعياته.
بداية، يمكن القول إن هذا المؤتمر يعد الثاني، حيث عقد الأول في مايو 2018 مؤتمر باريس، إلا أن المؤتمر فشل في إقناع الأطراف الليبية بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية كبداية للشروع في استكمال الاستحقاقات، وبدء الحل السياسي كمقدمة للاستقرار والأمن في ليبيا. ولكن يمكن القول إن عدم نجاح مؤتمر باريس في الوصول لنتائج يعكس عدم قدرة فرنسا على إدارة الملف الليبي، وأن خيوطه ليست بأيديها، كما يعكس عدم التوافق بين إيطاليا وفرنسا، وغياب التنسيق بينهما، وتباين رؤيتهما للحل، وأولويات القضايا.
مستوى التمثيل ودور الدول في الملف الليبي:
عكس مستوى التمثيل في المؤتمر أهمية الملف الليبي لكل دولة ومدى فاعلية دور كل دولة في هذا الملف، حيث حضره ثلاثة رؤساء دول هم: الرئيس جوزيبي كونتي، رئيس إيطاليا، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الباجي قايد السبسي، رئيس تونس، ورئيسا وزراء هما: أحمد أويحيو، رئيس وزراء الجزائر، وديمتري مدفيديف، رئيس وزراء روسيا، وفؤاد أوقطاي، نائب الرئيس التركي، وجان إيف لودريان، وزير خارجية فرنسا، ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير خارجية قطر، وديفيد ساترفيلد، نائب وزير الخارجية الأمريكية ودونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، وغسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة، فضلا عن ممثلين عن تشاد، والنيجر، واليونان، ومالطا.
في حين حضر ممثلا لليبيا كل من: رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، والقائد العام خليفة حفتر، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
يعني ذلك أن كلا من إيطاليا، ومصر، وتونس، والجزائر، وروسيا من الدول الفاعلة في الملف الليبي، في حين يتراجع دور تركيا، وقطر، وفرنسا، وأمريكا، فضلا عن الدور الذي قامت به كل من قطر وتركيا في إدخال ليبيا في فوضى، في محاولة منهما للسيطرة على قرارها السياسي، وبسط نفوذهما فيها.
تركيا ومحاولة إفشالها للمؤتمر:
أعلن نائب الرئيس التركي انسحابه من المؤتمر، حيث تم اقصاء كل من قطر وتركيا من حضور الاجتماع الأمني الرئاسي، حيث اشترط القائد العام للجيش الوطني خليفة حفتر منعهما من المشاركة فيه. كما قال مصدر في مكتب القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية إن القائد العام للجيش، المشير خليفة حفتر، كاد يقاطع مؤتمر باليرمو، بسبب مشاركة دول داعمة للإرهاب، على رأسها قطر وتركيا. وقد انتقد الرئيس الايطالي انسحاب تركيا من الاجتماعات ووصفه بالخطوة السيئة، بينما ذكرت صحيفة لاكروا الفرنسية أن تركيا تسعى لإفشال المؤتمر.
الدوران القطري والتركي في تحويل ليبيا إلى نقطة تمركز للإرهابيين:
يرجع موقف المشير خليفة حفتر تجاه قطر وتركيا إلى دورهما في نشر الفوضى في ليبيا وجعلها نقطة تمركز للجماعات الإرهابية وسوقا للإتجار بالبشر، ومعبرا للهجرة غير المشروعة، وهو ما يمكن توضيحه كالتالي:
1- شاركت قطر عسكرياً فى قصف قوات القذافى مع الغرب, وقدمت الدعم المالى والعسكرى للميليشيات الإسلامية المتشددة، حيث مولت قطر بنحو 1.7 مليون قطعة سلاح ثقيل ما بين 2011 و2016 لكل من الجماعة الليبية المقاتلة، ومجلس شورى بنغازي وميلشيات مصراتة التي تتبع تنظيم الإخوان، ومجلس شورى ثوار بنغازي، ومجلس شورى ثوار أجدابيا، ومجلس شورى ثوار سرت، وقوات درع ليبيا، وشركة الأجنحة للطيران المملوكة للإرهابي عبد الحكيم بلحاج، وشركة الثقة للتأمين المملوكة للإرهابي على الصلابي، والمجلس العسكري في مصراتة، ولواء الصمود، وغرفة عمليات ثوار ليبيا، ومؤسسة قمم الأندلس للأعمال الخيرية، ومؤسسة قدوتي للأعمال الخيرية.
2- دبرت محاولة اغتيال رئيس الأركان الأسبق عبد الفتاح يونس في بنغازي 26 يوليو 2011، وساعدت الإخوان في القضاء على القبائل التي أيدت القذافي فى أثناء الحرب حتى تكون الساحة خالية أمامهم.
3- أشرفت على نقل 1800 إرهابي إلى العراق على 3 دفعات عبر الموانئ الليبية إلى تركيا، وساعدت عبد الحكيم بلحاج في الاستيلاء على أموال البنك المركزي بعد مقتل معمر القذافي.
4- ازداد حضور تركيا بعد انهيار نظام القذافي، ودعمت حزب العدالة والبناء الليبى، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى ليبيا، حيث اعترفت تركيا بحكومة طرابلس، وعينت فى سبتمبر 2014 مبعوثاً خاصاً فى ليبيا، وأصبح أول مبعوث يلتقى علناً بالسلطات غير المعترف بها دوليًا فى طرابلس، وبرر المسئولون الأتراك ذلك بأن أنقرة تحاول تعزيز مفاوضات السلام بين الأطراف المتنازعة.
5- بعد هذا القرار، تم تداول شائعات فى ليبيا بدعم تركيا للإسلاميين، وهو ما أكده أحد المسئولين الأتراك الكبار فى تصريحات لوكالة “رويترز” نوفمبر 2015 بقوله “هؤلاء الناس ليسوا إرهابيين، إنهم حقيقة سياسية، ونكرانهم يعنى أنه ليس من الممكن إقناعهم بالتفاوض”، فى إشارة إلى الإسلاميين.
6- يمثل استئناف رحلات شركة الخطوط الجوية التركية إلى مصراتة، سبتمبر 2014م، “شريان حياة” للجماعات الموجودة فى طرابلس، وبينهم كثيرون ينحدرون من المدينة الساحلية الواقعة شرقى العاصمة.
7- يؤكد دعم تركيا للإسلاميين المتشددين، والمدرج أغلبهم على قوائم الإرهاب، قول “أردوغان” فى لقاء على قناة “الجزيرة” القطرية “لا يمكن القبول باجتماع البرلمان الليبى فى طبرق.. هذا خطأ”، متسائلاً: “لماذا يجتمع البرلمان فى طبرق، وليس فى العاصمة الليبية طرابلس؟.. نحن لا نقبل بهذا أصلاً، هذا أمر غير مقبول، هنا نحن فى مواجهة وضع غير صحيح، ولهذا فإن ما حصل فى طبرق هو عملية نزوح وتشريد للبرلمان”.
8- لم يقتصر الدعم التركى لحزب العدالة والبناء على الجانب السياسى فحسب، بل شمل الجانب العسكرى أيضاً، حيث اتهم عبدالله الثني، رئيس الوزراء الليبى المعترف به دولياً، مراراً و تكراراً، تركيا بإرسال أسلحة لمنافسيه من الإسلاميين الذين استولوا على العاصمة الليبية، طرابلس، العام الماضي, “إن تركيا بلدٌ لا يتعامل بصدقٍ معنا،”, هكذا قال للتليفزيون المصري، “إنها تصدر أسلحة لنا يقتل بها الليبيون بعضهم بعضا”.
9- رغم غياب الأدلة الدامغة، بدأت التقارير المتعلقة بالدور التركى المتنامى فى الصراع بالظهور منذ يناير 2013م، عندما أوردت صحيفة “حرية” التركية أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ متجهة إلى ليبيا بعد توقفها فى اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفى ديسمبر 2013م، ذكرت الصحافة المصرية أيضاً أن إدارة الجمارك المصرية عثرت على أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا، ويُعتقد أنها كانت موجهة للميليشيات الليبية .
نتائج المؤتمر:
خرج المؤتمر بعدد من النتائج، من أهمها:
1-تأكيد سيادة ليبيا ووحدة واستقلال أراضيها، مع رفض الحل العسكري وتدعيم الحل السلمي للأزمة.
2-دعم خطة المبعوث الأممي غسان سلامة، ومن ثم دعم عقد مؤتمر وطني شامل بقيادة ليبية في بداية 2019، ودعم التمثيل النسائي وإجراء الانتخابات في ربيع العام نفسه.
3-الخروج من المؤتمر الوطني بجدول زمني لتحقيق تقدم في توحيد المؤسسات الليبية، على ألا يكون المؤتمر مؤسسة جديدة ولا بديلة للمؤسسات التشريعية الحالية.
4-تشجيع مجلس النواب على إصدار قانون استفتاء لإتمام العملية الدستورية.
5-احترام نتائج الانتخابات، وخضوع الأطراف التي تعرقلها للمساءلة.
6-دعم الحوار بقيادة مصر في بناء مؤسسات عسكرية موحدة تتمتع بالمهنية والمساءلة تحت الإشراف المدني.
7-التطبيق الكامل والسريع للاتفاقات الأمنية الجديدة في طرابلس، والقائمة على إعادة نشر القوات المسلحة والأمنية النظامية، كي تحل محل الجماعات المسلحة، مع اتخاذ المجتمع الدولي عقوبات موجهة لمن ينتهك وقف إطلاق النار في طرابلس.
8-تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر وتسهيل عودة النازحين.
9-متابعة الإصلاحات الاقتصادية، بالتعاون مع البعثة الأممية، والالتزام بمزيد من الإصلاحات الشاملة في مجالي النقد وإجراءات الدعم على أساس خريطة الطريق المقدمة في باليرمو.
10-توحيد المؤسسات الاقتصادية، والمراجعة المالية للمصرف المركزي في طرابلس والبيضاء، من خلال الحوار مع الأمم المتحدة.
ختاما، يمكن القول إن تسوية الملف الليبي ليست بالمسألة السهلة نظرا لتعدد أطراف الأزمة داخليا وإقليميا ودوليا، ولتباين المصالح بينهم. فغياب التنسيق بين الدول الكبرى حول شكل التسوية السياسية، وعدم توحيد موقفها تجاه التيار الإسلامي بليبيا، واختلافها في تصنيفه ما بين إرهابيين ومعارضة، كل ذلك من شأنه تأجيل تنفيذ البيان الصادر عن المؤتمر، وهو ما عكسه تصريح نائب الرئيس التركي، عقب انسحابه من المؤتمر، عن صعوبة حل القضية الليبية بدون تركيا، كما اعلن استعداد أنقرة للحوار حول التسوية الليبية، مما يمكننا توقع وجود عراقيل في سبيل الحل، بالإضافة إلى الرغبة في السيطرة الاقتصادية على مقدرات الدولة، حيث تصدر ليبيا يوميا مليونا و300 ألف برميل يوميا إلى السوق الأوروبية، فضلا عن وجود احتياطيات الغاز والتي تقدر بـ 177 تريليون قدم مكعبة. وقد ذكرت وكالة الطاقة الأمريكية أن احتياطى النفط الليبى ارتفع من (48) مليار برميل إلى (74) مليار برميل، وبذلك تحتل ليبيا المركز الخامس عالمياً فى احتياطيات النفط الصخرى، بعد روسيا، وأمريكا، والصين، والأرجنتين، لترفع العمر الافتراضى لإنتاج النفط الليبى من (70) عامًا إلى (112) عاماً، بعد الإعلان عن أن الاحتياطى الليبى من النفط المخزون بالصخور والقابل للاستخراج بالتقنيات الحالية يبلغ (26) مليار برميل، فضلا عن التكالب على السعي إلى بناء قواعد عسكرية، والحصول على صفقات سلاح مع ليبيا، وهو ما سيؤخر تنفيذ قرارات قمة باليرمو.