سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ما يغيب عن أذهان قادة ورموز أي نظام دكتاتوري يعتمد في بقائه على نفوذ العسكر في البلاد، هو مدى التأثير السلبي والدمار الناتج عن انخراط الجيوش في النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والذي سينجم عنه بكل تأكيد عبئا على دورها الأساسي ومهامها المطلوبة في حماية البلاد ومواكبة التطورات العسكرية والأمنية، ما يعني أنها ستمارس دورها الرئيسي بشكل أقل فعالية، أضف إلى ذلك المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ستصاحب تدخل المؤسسات العسكرية في شؤون البلاد السياسية والاقتصادية، وخاصة الفساد والاحتكار وتفشي المحسوبية وخلق الأزمات والمشاكل وغياب الحرص على مصالح البلاد الوطنية وغيرها.
لذلك، فإنه يمكن القول، أن السبب الرئيسي في تردي الأوضاع في إيران، ووصولها إلى نقطة خطيرة جدا، يعود في الأساس إلى دكتاتورية النظام الإيراني الذي فسح المجال أمام الحرس الثوري بالسيطرة والهيمنة على شؤون البلاد كافة بما فيها الشؤون الاقتصادية، ما كان له انعكاسات سلبية للغاية على اقتصاد البلاد والحياة المعيشية للمواطن، وأدى إلى تهميش الحكومة الإيرانية وإضعافها وسلب صلاحياتها لصالح هيمنة الحرس الثوري، حتى أصبحت الحكومة الإيرانية مجبرة على منح العقود الحكومية للحرس الثوري ليس لأنه الأكثر كفاءة أو قدرة، بل لأن قراراتها أصبحت مرهونة بيد قادة الحرس الثوري، وعلى هذا تنطبق غالبية القرارات الحكومية وسياساتها الداخلية والخارجية، الأمر الذي جعل موارد البلاد المالية تذهب إلى الأنشطة العسكرية، وبرامج حماية ودعم النظام، ومخططات الحرس الثوري الخارجية، فأصبحت الميزانية المخصصة للتنمية الداخلية ضعيفة جدا. لقد سعى الحرس الثوري إلى تعزيز نفوذه الاقتصادي لخدمة أهدافه السياسية ومشروعات حفظ النظام، فكانت الشركات والمؤسسات التابعة له مستقلة ماليا وسياسيا، ولا تخضع لأي رقابة أو مساءلة، ما منحها سلطات واسعة ومطلقة فاقت سلطات الحكومة، وتحول الحرس الثوري إلى دولة داخل دولة لديه كل الإمكانيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، فكانت النتيجة جلب الكوارث والأزمات وإلقاء حملها وعبئها على المواطن الإيراني، وذلك لأسباب عديدة، أهمها: أن تدخل الحرس الثوري وسيطرته على القطاعات الاقتصادية لم يكن لأجل التنمية كما يدعي الحرس الثوري، بل لأجل تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي وحماية نظام الملالي، كما أن الحرس الثوري كان ولا يزال يفتقد لأي كفاءات في المجال الاقتصادي أو السياسي رغم سيطرته على شؤون البلاد، بمعنى أن إدارة إيران قد خضعت لسيطرة زمرة لا كفاءة فيها، لأن معايير تقليد المناصب في الحرس الثوري تعتمد على أساس واحد وهو الولاء المطلق للنظام الإيراني.
لقد كانت ولا تزال أنشطة الحرس الثوري والباسيج السبب المباشر بإلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني، وكانت تكلفة الممارسات الفاسدة للحرس الثور باهضة للغاية، وأحرفت أهداف الأنشطة الاقتصادية من التنمية إلى جني الأرباح لإبقاء الحرس الثوري مسيطرا على الأوضاع كافة، وشراء ولاء المدنيين في الساحة السياسية وإنفاق الأموال الباهضة على المخططات الإقليمية ودعم الجماعات الإرهابية التي تخدم الأجندات الإيرانية التوسعية في المنطقة. انعكس ذلك سلبيا على الاقتصاد الإيراني من خلال تعميق ممارسات الاحتكار والفساد والرشوة وعسكرة النشاط الاقتصادي، وتهميش القطاع الخاص، وعرقلة أي أنشطة تسعى إلى تنمية البلاد خارج إطار نفوذ الحرس الثوري، وذلك بسبب الأموال الخفية والأنشطة السرية لشركاته، وعدم السماح لأي انجاز قد يحدث قاعدة شعبية لأصحابه تؤثر على مكانة المرشد وسيطرة الحرس الثوري، وفي المقابل فإن تردي الأوضاع وتفاقم المشاكل لا بد له من كبش فداء يحمل تلك الأزمات والمشاكل ويعلق عليه فشل إدارة البلاد، وهي الحكومة الإيرانية، وهذا هو سبب حماية الحرس الثوري للحكومات الإيرانية المتعاقبة ووضعها في دائرة ضيقة تمنع من الخروج منها حتى يحين أجلها، ثم تقدم أكباش فداء لإطفاء لهيب الغضب الإيراني وتحويل مساره إلى الحكومة بدلا عن النظام والحرس الثوري. لذا فإن الأزمات والمشاكل الاقتصادية التي تعصف بحياة المواطن الإيراني مصدرها داخليا، ينبع من فشل الحرس الثوري في إدارة البلاد ورغبته في السيطرة على مواردها وثرواتها لتوظيفها في حماية النظام وتمويل الجماعات الإرهابية والمشروعات التوسعية في الإقليم، وهذا يعني أن العقوبات الأميركية لا تستهدف المواطن الإيراني بالفعل، كما يدعي رموز النظام الإيراني، بل أنها تستهدف مصادر تمويل الحرس الثوري التي تستخدم لقمع الداخل وتمويل الإرهاب في المنطقة، فهي إذن تصب في مصلحة الشعوب الإيرانية قبل شعوب المنطقة، وربما ستكون السبب في تغيير سياسات النظام الإيراني الداخلية والخارجية، أو تغيير النظام نفسه، وهو الطموح والهدف الذي يسعى وراءه المواطن الإيراني.
المصدر: مركز المزماة للدراسات والبحوث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر