صحافة الروبوت.. تحديات مهنية وأخلاقية تواجه صحافة المستقبل | مركز سمت للدراسات

صحافة الروبوت.. تحديات مهنية وأخلاقية تواجه صحافة المستقبل

التاريخ والوقت : الأحد, 21 أكتوبر 2018

حقق التطور التكنولوجي في مجال الاتصال ثورة هائلة التأثير انعكست تفاصيلها على الشبكة العنكبوتية والأقمار الاصطناعية والتكنولوجيا الرقمية وأجهزة الحاسوب والأتمتة وكل ما له علاقة بمخرجات الذكاء الصناعي، وأدت تلك التأثيرات إلى تشكيل حالة جديدة، وبلورة مفاهيم وآليات إعلامية جديدة كان لها الفضل في ظهور خريطة اتصال حديثة تجمع بين المرئي والمسموع والمطبوع تستطيع نقل المحتوى بسرعة فائقة للمجموعات والأفراد، وتُحدث أيضًا حالة من التفاعل المتبادل، وفي بعض الأحيان  تُوكل للتكنولوجيا أدوار للقيام بها بدلًا من البشر.

والواضح أن تقنيات الذكاء الصناعي قدمت للعالم مفهومًا متطورًا في مجال الإعلام يعرف بصحافة الروبوت التي من المحتمل أن تقود إلى تحولات كبيرة في بنية المؤسسات الإعلامية وطرق عملها، كما يُتوقع أن تُمثل صحافة الروبوت حالة فريدة في جمع الأخبار وكتابتها عبر تقنيات الذكاء الصناعي بعيدًا عن الجهد البشري مما يُشير إلى تحولات مهمة في مفهوم الإعلام وخصائصه وآلياته وتأثيراته الاجتماعية، خاصة أن الذكاء الصناعي يعمد إلى محاكاة السلوك الإنساني من خلال فهمه وتحويله إلى برامج حاسوبية لديها القدرة على اتخاذ قرارات والبحث عن حلول لمشاكل معينة  عن طريق توصيفها والاستدلال عليها من خلال المعلومات التي  غُذي الحاسوب بها.

 

اختراع الروبوت وتطوره

تاريخيًا يعود اختراع الروبوت الإعلامي إلى المدرس السويدي “سفيركير جوهانسون” فمن خلال البرنامج التقني “Lsjbot” تمكن من إعادة صياغة المحتويات المكتوبة  عبر إدخال بعض البيانات، ونجح في إنتاج أكثر من 2.7 مليون نص مكتوب على موقع ويكيبيديا، وذلك عن  طريق الاعتماد على الحسابات الخوارزمية وبعض التعديلات التي تُحيل البيانات إلى قصص إخبارية في مجالات مختلفة كالرياضة والطقس والاقتصاد وغيرها.

وأثناء  العقدين الأخيرين شهد استخدام الروبوتات اندفاعًا كبيرًا وتطورت بشكل معقد، وبحسب الشركة المصنعة لأول روبوت صحافي “Narrative Science” فإن العمل يجري لتطوير الروبوت لمنافسة العنصر البشري ليس في جمع المعلومات والبيانات فقط وصياغتها بطريقة السرد الإخباري وإنما إنتاج قصصٍ  أكثر تعاطفًا وتقارير اقتصادية تتجاوز العشرين صفحة (1)

وتطورت الروبوتات الحديثة من خلال تعزيز قدراتها البرمجية واستخدام الخوارزميات لإنتاج الأخبار من البيانات المنظمة دونما أي تدخل بشري، وهو ما عمدت إلى استخدامه وكالة الأسوشيتدبرس، وكذلك صحيفة U.S.A Today، وصحيفة “L.A. Times” فيما يُغري المشروع وسائل إعلام أخرى، خاصة في ظل تزايد الاهتمام باستخدام الخوارزميات في مجال الصحافة الذي غير نمط جمع المعلومات وتحليلها وأساليب كتابتها عن النمط الذي كان سائدًا مما يطرح أسئلة  مهمة حول المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامي والصحفي في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها المجال التقني.(2)

وما لبثت أن اتسعت دائرة استخدام صحافة الروبوت، ونجحت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في 12 مارس/ آذار 2014 في بث تحقيق وصف بالسبق الصحفي بعد ثلاث دقائق فقط على ضرب زلزال لولاية كاليفورنيا الأمريكية، إذ قدم الروبوت الذي ابتكره الصحافي والمبرمج “كين شوينكي” قصة خبرية متكاملة عن الزلزال من خلال مصادر معلومات موثوقة، منها الهيئة الأميركية للمسح الجيولوجي والتي تُعد قوالب جاهزة تُساعد الروبوت على إنتاج الأخبار بصورتها النهائية. (3)

وخلال العام 2016 قالت صحيفة “واشنطن بوست”  إنها بدأت الاستعانة بالروبوت “هليوغراف” في كتابة تقارير قصيرة خاصة بمدونة الصحيفة بشكل أوتوماتيكي، وكشفت أن استخدامها له للمرة الأولى كان خلال دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في مدينة ريو دي جانيرو، حيث عمل الروبوت على توفير بعض المعلومات كنتائج الميداليات للمساعدات الرقمية مثل مساعد “أليكسا” التابع لشركة أمازون، وخلال عام من استخدامه استطاع الروبوت نشر 850 صورة، وساعد الصحافيين في تغطية بعض الأخبار المتعلقة بالكونغرس الأميركي وألعاب كرة القدم، عبر توفير النتائج أولًا بأول، وتشير مصادر الصحيفة إلى أنها،  أثناء انتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت عام 2012، قد نشرت فقط 15% مما  نُشر في عام 2016 باستخدام الروبوت.(4)وفي عام 2017، كشف  بحث لمؤسسة “رويترز” في جامعة أوكسفورد  بأميركا أن كثيرًا من الناشرين يعتمدون على القصص المنتجة من “الآلات” بشكل مثير للاهتمام، سواء في قضايا سياسية وحتى القضايا الاجتماعية.

وبحلول العام 2018  بدأت وكالة الأنباء الصينية الرسمية الضخمة (شينخوا) ببناء نوع جديد من غرف التحرير تعتمد على تكنولوجيا المعلومات ويسير العمل بها عبر التعاون المشترك بين الإنسان والآلة، كما ستعمد إلى ضخ ملايين الدولارات على مدار خمس سنوات لمشاريع الذكاء الاصطناعي، وذلك ضمن خطة 2030 لقيادة العالم نحو التقنية وبحسب (مختبر نيمان للصحافة) قدمت الصين للجمهور منصة “العقل الإعلامي”، والتي تدمج الحوسبة السحابية، إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي وتقنيات أخرى في إنتاج الأخبار، على أن تتراوح مهام هذه المنصة الذكية بين إيجاد القصص، وجمع الأخبار، وتحريرها، وتوزيعها، وفي النهاية تحليل التغذية الراجعة حولها من قبل الجمهور.(5)

هل سيحل الروبوت الصحفي مكان  زميله الإنساني؟

بدا واضحًا أن الأتمتة اخترقت بقوة المؤسسات الإخبارية العالمية ونجحت في إنتاج آلاف القصص الإخبارية دون تدخل بشري بدءًا من جمع المعلومات وتصنيفها ومن ثم تحريرها ونشرها، خاصة في المجالات الرياضية والمالية، الأمر الذي يُشكل خطرًا على مستقبل الصحفيين إذا ما اتجهت المؤسسات الإعلامية إلى التخلي عن العنصر البشري لصالح الروبوت.

وتمثل صناعة الروبوت الصحفي تحديًا حقيقيًا لمعظم الوظائف في المؤسسات الإعلامية سواء المتعلقة بجمع البيانات السريعة من المحادثات والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي أو الأدوار المتعلقة بعملية النشر والمتابعة، الأمر الذي يُحتم على الصحفيين العمل على تطوير مهاراتهم للتأقلم مع البيئة الجديدة ليس فقط على مستوى الشكل وإنما المحتوى أيضًا والعمل على الاستفادة من الروبوت في الجوانب التي تتطلب تركيزًا أعلى من حيث دقة المعلومات المقدمة، خاصة في التقارير والقصص الإخبارية التي تتعلق بالمال والاقتصاد والتي يفر منها الصحفي البشري.

أليكسيس أوهانيان، المؤسس المشارك لموقع (Reddit) المتخصص بالأخبار على شبكة الإنترنت يرى بأن الروبوت الصحفي بإمكانه كتابة الخبر العادي ذي  المعلومات المحددة سلفًا كأخبار الرياضة والمال والاقتصاد، بينما الأخبار الإنسانية والقصص تكون نسبة  إتقانه لها أقل كونها تحتاج إلى عمليات استكشاف وتقصي  ملحوظة يختص بها العقل البشري الذي يلتقط التفاصيل التي تهم الناس، لافتًا إلى أن الروبوت الصحفي منح الصحفيين وقتًا أوفر للتوجه نحو مهمات أخرى لا يستطيع هو القيام بها، كما أنه نبّه مؤسسات تعليم الصحافة والإعلام إلى بناء برامج أكاديمية تجمع بين التكنولوجيا والإعلام للخروج بنتائج أشمل وأكثر دقة،  إذ ستُحفز الخوارزميات الصحفيين على تطوير قدراتهم البشرية من الذكاء العاطفي والاجتماعي، والفضول، والأصالة، والتواضع، والتعاطف، والقدرة على الاستماع بشكل أفضل، وتحقيق أعلى قدر من التعاون للخروج بنتيجة أفضل دائمًا.(6)

تحديات تواجه صحافة الروبوت

منذ انتشارها في العقدين الأخيرين من القرن العشرين واجهت صحافة الروبوت بعض  التحديات من النواحي المهنية والأخلاقية، وقد أمكن اكتشاف هذه التحديات على مستويات متباينة من بينها مستوى البحث عن البيانات، فضلًا عن أصالة الخوارزميات المستخدمة وموضوعيتها ومستوى شفافيتها، وطرق استخدام البيانات، ومدى إساءة الاستخدام، إضافة إلى مستوى القيم والمنطق التي تضمنتها تعليمات البرمجية.

وأولى تلك التحديات تمثلت فيما يتعلق بصحة المعلومات المدمجة في برمجيات الذكاء الاصطناعي والتي لا يُمكن التحقق من صدقها أو زيفها إذا كانت المعطيات المزودة بها غير رقمية مما يؤدي إلى مخرجات خاطئة في بعض الأحيان، وبحسب الخبراء فإن صحافة الروبوت من شأنها أن تُخل بمبادئ حقوق النشر والاستخدام العادل، خاصة أن برمجيات الذكاء الاصطناعي بإمكانها جلب بيانات من مساحات شاسعة في اختراق غير مقصود لحقوق النشر والتأليف والتوزيع الخاصة بمصادر هذه البيانات الأصلية غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه الروبوت في العمل الصحفي هو صعوبة برمجة الأسلوب القصصي، ويبدو هذا التحدي في صالح الصحفي الإنسان مما يُحتم عليه مواصلة فهم وكتابة مواد إخبارية بأسلوب إنساني ذي  معنى واضح، بالإضافة إلى متابعة التحقق من صحة المواد التي أعدتها الروبوتات، وتقديم تفسيرات منطقية لها وربطها في سياقها الصحيح، فيما يُشير فريق آخر إلى ضرورة دراسة المعايير الأخلاقية الصحفية التي لم تتغير منذ وقت طويل، ومحاولة ربطها ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، لتكون الأخيرة متوافقة مع المعايير المنصوص عليها، خاصة أن بعض البيانات التي  تُصاغ من قبل البرمجيات يمكن أن تكون موبوءة بأفكار وتحيزات عرقية أو جنسية، بحسب المبرمج البشري الذي أدخل البيانات للعقل الاصطناعي سواء بقصد أو بدون قصد، فالمطلوب من الصحفيين ملاءمة معرفتهم ومهاراتهم مع الأوضاع والمفاهيم الصحفية الجديدة، ومن بينها صحافة الروبوتات، من أجل الاستمرار.(7)

وبناء على ما سبق يمكن الخروج بعدد من الاستنتاجات تتمثل في:-

  1. إن صحافة الروبوت باتت واقعًا لا يمكن تجاهله أو التقليل من أهميتها، غير أنها ما زالت في البدايات  ويصعب إطلاق أحكام مطلقة بشأن الفرص التي ستقدمها والتحديات التي ستفرضها.
  2. إن الاتجاه إلى أتمتة الصحافة سيقود إلى تغييرات جوهرية في العملية الصحفية من جهة بنائها، والمسؤوليات المنوطة بعناصرها، والأدوار التي من الممكن القيام بها، كما أنه يؤثر على اللغة الإعلامية والصحفية، والجوانب المهنية والأخلاقية التي تحكم العمل الصحفي.
  3. إن المجالات التي تغطيها صحافة الروبوت ما زالت تقتصر على النشاطات الإخبارية المتعلقة بالشؤون الرياضية والاقتصادية، بالإضافة إلى أحوال الطقس، ومن المتوقع أن تتوسع لتشمل مجالات التغطية الإخبارية كافة.
  4. إن التوجه نحو استخدام الخوارزميات في العمل الصحفي، لا يستهدف الاستغناء عن الصحفيين، بقدر ما يتيح لهم تقديم نشاط صحفي متميز، من خلال توفير الوقت لهم للتصدي للقضايا المهمة.
  5. إن قدرات صحافة الروبوت محدودة في المجال الإخباري فقط دون مجالات التحليل والتحقيق الاستقصاء.
  6. إن دخول الروبوت للعمل الإعلامي يتطلب وضع مواثيق أخلاقية جديدة تتحمل فيها المؤسسة ما يترتب على أخطاء الدقة والتوازن والشفافية وتضارب المصالح وغيرها.
  7. إن الروبوتات لا يمكن أن تكون بنفس الدرجة التي يكون فيها الإنسان مبدعًا، ولا تمتلك القدرة على الخروج إلى الميدان وإجراء المقابلات مع الناس، فهي قادرة فقط على التمييز بين البيانات ومصادرها.

 

وحدة الدراسات الاجتماعية*

المصادر:-

  1. روبوتات متخصصة في تحرير الأخبار بدلًا من الصحفيين، كايرو دار،
  2. هل كتب روبوت هذا المقال؟ شركات إعلامية تتحضر لحقبة تكنولوجية جديدة، CNNبالعربية،https://cnn.it/2OyvhMx
  3. “الروبوت الصحفي” يحقق السبق في لوس أنجلوس تايمز، BBCعربي، https://bbc.in/2CsRxjU
  4. الروبوت رائد الصحافة المستقبلية، جريدة الدستور،
  5. أحدث الاختراعات الروبوت الصحفي قادم، شبكة الحرية الإعلامية،
  6. الروبوتات تهدد مستقبل الصحفيين، الاتحاد الإماراتي،
  7. “ثورة روبوتات”.. تهدد مستقبل البشر، سكاي نيوز عربية،

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر