سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تحليل/ إيدي كروس
فرض البنك المركزي، بداية العام الجاري، قيودًا على سحب النقد الأجنبي بالحسابات المصرفية المحلية، حيث كان الحد الأقصى 10 آلاف دولار أميركي في اليوم الواحد، لكن ذلك ربَّما لا يكون كافيًا بالنسبة لـ”جريس موجابي”، ولكن بالنسبة لمعظمنا، فإن الأمر يبدو ذات سقفٍ مرتفعٍ إلى الحد الذي جعل تأثيره ضئيلاً. ومع ذلك، ففي قاعات التجارة المغلقة، تمَّ النظر للأمر باعتباره يمثل نقطة الانطلاق نحو إدارة الأزمة من قبل السلطات.
لقد تمَّ تخفيض حدود السحب النقدي بشكل مطَّرد حتى قبل نحو شهرين عند مبلغ 500 دولار في اليوم. وفي الواقع كانت الأسواق هي الضامن للسيطرة الفعلية، حيث لم تكن غالبية البنوك قادرة على الحفاظ على هذا الحد الجديد، واليوم يقوم أكبر بنك في زيمبابوي بتقييد عمليات السحب بـ40 دولارًا في اليوم؛ حتى لو نفدت الأموال، فستظل قوائم الانتظار خارج القاعات المصرفية وأجهزة الصرف الآلي من الصباح الباكر.
حينما تمَّ اعتماد الدولار والراند كعملتين تجاريتين في فبراير 2009، مع موجة التضخم التي وصلت إلى مستويات عالمية قياسية، ظهرت الحاجة إلى النقد المطلوب لجعل النظام يعمل ببساطة. وفي السنوات الأربع التالية، وفي ظل حكومة الوحدة الوطنية مع وجود وزير من حزب حركة التغيير الديمقراطي، لم يكن هناك عجز في النقد، حيث تمَّ الحفاظ على الانضباط المالي وتجاوز الاقتصاد الرسمي بمعامل الـ14 عامًا السابقة، وارتفاع عائدات الدولة من 280 مليون دولار عام 2008 إلى 300.4 مليون دولار عام 2013.
ومع استعادة “زانو” Zanu السيطرة على الدولة في يوليو 2013، بدأ الأمر يشهد انهيارًا مفاجئًا مرة أخرى. وفي غضون أسابيع، انتقل الحال من فائض نقدي في الميزانية إلى عجز قدره 500 مليون دولار. وخلال أشهر وصل الإنفاق الحكومي على تكاليف الموظفين من 60% من الإيرادات إلى 85%. وفي العام التالي، اتسع نطاق العجز في الميزانية إلى مليار دولار أميركي، وهو ما تكرّر خلال عامي 2014 و 2015. وعلى غرار أيام الطباعة العشوائية للأموال، قامت الحكومة بإصدار أذونات الخزينة.
لقد استلزم ذلك الأمر مليارات الدولارات من الاقتصاد واستبدالها بالعملة المحلية، فعادة ما يكون لهذه العملة قيمة حقيقية في الاقتصاد، ويتم تداولها واعتبارها من الأصول الرئيسة. وفي زمبابوي، تسارعت وتيرة الخسائر في قيمة العملة؛ حيث تمَّ بيع الشركات بخصومات تصل إلى40%، ثم قامت الدولة ببساطة بسحب العملات الورقية، وأصدرت عملة ورقية جديدة لتحل محل الفاتورة المستحقة، وكانت لا تزال محتجزة في ميزانيات عمومية كأصول في كامل القيمة الاسمية. لكن الحقيقة هي أنه ما لم يحدث شيء واقعي حتى تقف البلاد على أقدامها، وأن الأمر لم يكن ذات قيمة تقريبًا.
وفي النهاية، أعلنت الأسواق أنه قد “طفح الكيل” فتوقفت عن شراء سندات الخزينة، وهو ما يوضح أننا بصدد اقتصاد “موجَّه”، حيث تمكنت من التخلص من تلك الممارسات لفترة طويلة. لذلك، وبدلاً من السيطرة على العجز المالي، لاحقت الدولة الحسابات المصرفية الخاصة من خلال الحسابات عبر نظام نوسترو “Nostro” الذي يدعم نظام التحويل بين البنوك.
وخلال الأشهر العشرة الأخيرة، صادرت الدولة ما يقارب مليار دولار من خلال ذلك النظام، وهي عبارة عن أموال خاصة لم يكن لهم فيها أي حقٍ على الإطلاق. ونتيجة لذلك، فقد انهار نظام السوق المفتوح الذي حقق النجاح في ظل حكومة “الوحدة الوطنية”، وعادت الدولة إلى مراقبة الصرف والقيود المفروضة على الواردات، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
ولدعم الضوابط الجديدة وتمكينهم من إدارة سوق الصرف الأجنبي، تمَّ احتجاز مبلغ 200 مليون دولار شهريًا من حسابات المُصَدِّرين واستبدالها بدولارات مزورة عبر نظام التحويل الصرفي RTGS، وهو ما يعرفه المراقبون بـ “دولارات RTGS”. ولاتخاذ التدابير الطارئة لتمويل العجز في الميزانية، وضعت الحكومة النظام المصرفي والمالي كله تحت الضغط؛ فالميزانيات العمومية مثقلة بأذونات الخزينة التي لا قيمة لها، إذ يقع عبء تمويل عمليات السحب النقدي من نظام RTGS على عاتق البنوك، حيث يقوم البنك المركزي حاليًا بتحويل الأموال إلكترونيًا بأشكال مختلفة إلى البنوك التجارية وتحويلها إلى البنوك، حيث يتم دفع مقابل للعملاء بالدولار أو الراند اعترافًا بالأرصدة في حساباتهم.
تتحول البلاد إلى التوسع في استخدام البطاقات الائتمانية، لكن ذلك يؤدي ببساطة إلى تراكمٍ هائلٍ للأرصدةِ البنكيةِ، التي يعبر عنها بـ”الدولار الأميركي”، لكن في الواقع لا يوجد هناك دعم أو قابلية للتحويل، فكل دولار يتم سحبه من ماكينة الصرف الآلي يجعل الوضع أسوأ، وهو ما يؤدي إلى الانهيار المالي في نهاية المطاف مما يسهم في إفلاس الملايين من المعدمين في زيمبابوي.
وفي4 مايو 2016 صدر بيان يفيد بأن البنك المركزي سيعيد تقديم عملته المحلية إلى جانب العملات المستخدمة في التعاملات السوقية، حيث إنه تمَّ اعتمادها قبل عام من إدخال العملة المحلية بقيمة افتراضية بالدولار، ذلك أنها قدمت إسهامًا كبيرًا في المعاملات النقدية بالأسواق، لكن العملة الورقية تمثل مسألة أخرى.
والمزعج في هذا السياق، أن هذه الأوراق الجديدة ستدعم بطريقة أو بأخرى تسهيلات بقيمة 200 مليون دولار أميركي يقدمها بنك “أفروإكسيم” Afroexim. إذ لم يكن تمَّ إنشاء مثل هذه المرافق على الإطلاق، وهو الأمر الذي يعد حديث العهد في زيمبابوي، حيث تستخدم هذه العملة الجديدة فقط لدفع “حافز” وهمي للمُصَدِّرِين. إلى أن بدأ المصدرون في تلقي التحويلات الإلكترونية من المصرف المركزي، وفتح حساب مُعَلَّق بالدولار الأميركي. وقد أضافت الجهات المحاسبية هذه الأموال إلى الميزانية العمومية؛ فطريقة محاسبة الدولة لهذه الأموال تعد سرًا تامًا، وهو ما يزيد من نطاق العجز المالي الشهري.
لكن الهدف الحقيقي للعملةِ الجديدةِ يتمثل في توفير السيولة في الأسواق المحلية مثل عُملات السندات. وللقيام بذلك بات من المتعين إصدارها، ليس كتحويلات إلكترونية، لكن كمبلغ نقدي حقيقي وفي شكلٍ ورقيٍ. فقد زعموا في البداية أن العملة الجديدة ستتم طباعتها في ألمانيا، كما أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إضافة القيمة الحقيقية للورق والحبر. فقد ألغت ذلك الحكومة الألمانية التي أخبرت الشركة – ببساطة – أنه ليس تحت أي ظرف من الظروف أن تعمل لحساب حكومة زيمبابوي. وهو ما يفسر إقدام الدولة على طباعة العملة الجديدة في زيمبابوي من خلال البنك المركزي الذي يمتلك “طابعة للنقود” على أحدث طراز في هراري، بعد أن طبعت العملة الجديدة حيث كانت المشكلة ترتبط بكيفية إصدارها بدون التسبب في فوضى، ومن خلال هذه النقطة التي يمكن الانطلاق منها، حيث لن تحدث العملة الجديدة أي فرق، لكنها ستزيد الأوضاع سوءًا، فطباعة المزيد من الأوراق التي لا تحتوي على دعم ولا يمكن استخدامها في الأسواق الحقيقية، تصبح عبئًا آخر على نظام بنكي يقترب، حاليًا وبشكل خطير، من الانهيار التام.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: إذاعة نيهاندا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر