سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تزامنًا مع اندلاع أزمات اقتصادية عالمية، وتوقعات باندلاع حرب العملات، وتوتر اقتصادي بين قطبين اقتصاديين أحدهما “واشنطن” والآخر “بكين”، تلقى الاقتصاد التركي ضربة قاصمة بانهيار الليرة التركية وتراجعها أمام الدولار الأميركيبنسبة 13.85%، فضلاً عن إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مضاعفة التعريفة المفروضة على الحديد والألمونيوم الواردين من تركيا، وقوله إن علاقات بلده مع أنقرة باتت سيئة؛ وهو ما يهدد فائض رؤوس الأموال، ويمثل معاناة للحكومة التركية من أزمة كبيرة في ميزان المدفوعات نتيجة تسرب رؤوس الأموال الأجنبية من البلاد.
ولعل السبب الرئيسي في تهاوي الليرة، يرجع إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قالت – منذ فترة قصيرة – إنها تراجع الإعفاءات المقدمة لتركيا من الرسوم الجمركية، وهي خطوة قد تضر بواردات من تركيا تصل قيمتها إلى 1.66 مليار دولار، وذلك بعد أن فرضت أنقرة رسومًا على سلع أميركية ردًا على الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على الصلب والألومنيوم، فضلاً عن مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإحكام قبضته أكثر على السياسة النقدية، وهو ما أدى إلى فقدان العملة التركية لـ27 في المئة من قيمتها هذا العام. ويمكننا إرجاع ذلك، إلى سوء العلاقات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي – وهو ما أشار إليه ترمب – نتيجة خلافات تتعلق بالسياسات المتبعة تجاه سوريا وتصاعد الخلاف؛ وهو ما أدى إلى تفاقم الاتجاه النزولي لليرة.(1)
وضع اقتصادي غير مستقر
الاقتصاد التركي بات يعاني – حاليًا – تراجعًا كبيرًا وانخفاضًا في قيمة الليرة التركية بدرجة كبيرة، وكان من المتوقع استمراره في هذا التراجع بعد فوز “أردوغان” بولاية رئاسية ثانية.
الليرة التركية أصبحت من بين أسوأ عملات الاقتصادات الصاعدة أداء هذا العام، وظل سعر صرفها متراجعًا بأكثر من 15 في المئة منذ بداية العام، حيث كان سعر الدولار 1.50 ليرة تركية في عام 2010. أمَّا الآن، فبات سعر الدولار أمام الليرة 5.22 ليرة، وبلغ – منذ أيام قليلة – 5.42 ليرة؛ ما يعني فقدان الليرة لنحو 248% من قيمتها خلال السنوات الثماني الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية؛ وهو ما نستدل عليه من أحدث أرقام بنك التسويات الدولية، الذي يؤكد أن ديون المصارف الأوروبية المستحقة على تركيا تصل إلى 224 مليار دولار (نحو 200 مليار يورو).
وتخشى تلك البنوك من انكشافها على أزمة في تركيا، وبدأت أسهم بعض تلك البنوك الأوروبية في الانخفاض مع انهيار الليرة بنسب تتراوح بين 10 و20 في المئة بسبب ديونها في تركيا.
ومن الواضح أن السياسة النقدية المخففة في السنوات الأخيرة، دفعت بمعدل التضخم للارتفاع، وهو ما يثير المخاوف بشأن مدى فعالية خطوات التشديد النقدي الآن، وتظل نسبة البطالة – أيضًا – فوق 10 في المئة، مما يعني عدم قدرة الحكومة على زيادة عائدات الضرائب لتغطية العجز في الميزانية، البالغ 50 مليار دولار.(2)
أسباب رئيسية
هناك عدة أسباب قد أثرت – بشكل واضح – في وضع الاقتصاد التركي لتضعه في مأزق وتدفع بعملته للتهاوي أمام الدولار، ويمكننا أن نجمل ذلك في مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإحكام قبضته أكثر على السياسة النقدية، ومضاعفة واشنطن للتعريفة الجمركية للبضائع التركية:
–مساعي الرئيس التركي لإحكام قبضته أكثر على السياسة النقدية
منذ سنوات طويلة، بنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”، أسطورة نهضتهم على أساس النجاحات الاقتصادية، لكن يبدو – اليوم – أن هذا أصبح من الماضي؛ إذ شهد الاقتصاد التركي موجة من الاضطرابات وهبوط العملة وهروب المستثمرين، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى الفساد والاستحواذ على السلطة بطريقة غاشمة.
وبات واضحًا أن أردوغان يتدخل في استقلالية البنك المركزي، بل يرى – على خلاف القواعد الاقتصادية المعهودة – أن السيطرة على هذا التضخم، تكون بـ”خفض الفائدة” وليس رفعها، وهو ما أثار استغراب العديد من المحللين الاقتصاديين والمستثمرين؛ ونستدل على ذلك من تقارير عدة أشارت إلى أن الاقتصاد التركي ينزلق إلى الدول “النامية”، مثل: نيجيريا وباكستان، متوقعة أن يستقيل محافظ البنك المركزي ولجنة السياسات النقدية بسبب إصرار أردوغان على آرائه الغريبة.
ولعل فقدان تركيا لجزء كبير من أسواق حيوية في منطقة الخليج، وذلك بعد انحيازها إلى قطر في أزمتها مع دول المقاطعة، يمثل أيضًا سببًا رئيسًا في الإضرار بالاقتصاد التركي وانهيار عملته بناء على سياسات أردوغان غير المدروسة.
ويمكننا القول إن الضربة القاصمة التي أصابت الليرة، ترجع إلى تدخل أردوغان في السياسات النقدية، فضلاً عن إصراره على التلاعب بأسعار الفائدة، على عكس قواعد الاقتصاد، وانفراده بالقرار والتدخل في الاقتصاد؛ وهو ما كان سببًا مباشرًا لتحذيرات من وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل: “مودز”، و”ستاندرز” من تباطؤ الاقتصاد.(3)
واللافت في الأمر، أنه في أعقاب تنصيب أردوغان مباشرة، عمدت وكالة “فيتش” العالمية للتصنيف الائتماني إلى إصدار تقرير “بالأحمر” يصف الاقتصاد التركي بأنه يوغل سريعًا في هوامش “الخطر” الاستثماري تحت ضغط تآكل الثقة الدولية.(4)
– مضاعفة واشنطن للتعريفة الجمركية للبضائع التركية
ويظهر واضحًا أن العلاقة بين عضوي تحالف الأطلسي (الولايات المتحدة وتركيا)، قد باتت متوترة بشكل كبير، وعلى إثر ذلك ستوفد أنقرة وفدًا إلى واشنطن لمناقشة الخلاف الدائر بين البلدين، بعد أن أعلنت واشنطن أنها ضاعفت التعريفة الجمركية للبضائع التركية، وهي خطوة قد تضر بواردات من تركيا تصل قيمتها إلى 1.7 مليار دولار، وذلك بعد أن فرضت أنقرة رسومًا على سلع أميركية ردًا على الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على الصلب والألومنيوم. ليس هذا فحسب،فقد فرضت واشنطن عقوبات على وزيرين تركيين على خلفية قضية “برونسون”، وهو ما دفع “رجب طيب” للقول إن تركيا سترد بتجميد الأصول المملوكة لوزيري الداخلية والعدل الأميركيين في تركيا إن وجدت.(5)
ويبدو أن إجراء المضاعفة سببه قلق الولايات المتحدة بشأن التزام تركيا بـ”نظام الأفضليات المعمم” وهو يشمل ملفات أنقرة المعفاة من الضرائب في أسواق الولايات المتحدة، بعد أن استهدفت سلعًا أميركية فحسب، وليس من دول أخرى، وهو ما نستدل عليه مما أشار إليه مكتب الممثل التجاري الأميركي.
وبتحليل المؤشرات السابقة، يتضح لنا أن هناك عدة موضوعات قد أذكت الخلاف بين واشنطن وأنقرة، ويمكننا إجمالها في:
1- خلافات بشأن السياسة الخاصة بسوريا: إذ يبدو أن اختلاف وجهات النظر بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن المسألة السورية، قد أدى إلى اندلاع مشاكل بين البلدين أدت بدورها إلى انهيار الليرة التركية.
2-محاكمة القس الأميركي “أندرو برونسون” بتهمة الإرهاب: أشعلت قضية القس الأميركي “أندرو برونسون” المحتجز في تركيا بتهمة الإرهاب، الذي وضعته أنقرة تحت الإقامة الجبرية،بعد أن ظل محتجزًا 21 شهرًا في سجن تركي، توترًا حادًا بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث أكدت تركيا أنها لن “تقبل أي تهديد” بعدما توعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بفرض عقوبات على أنقرة إذا لم يتم الإفراج عن القس الذي تتهمه السلطات التركية بالتحرك في تركيا لحساب شبكة الداعية التركي “فتح الله غولن” الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في صيف2016.(6)
توقعات مستقبلية
– يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أدرك المشكلة وطالب المواطنين ببيع الذهب والعملات الأجنبية وتحويلها إلى ليرة، ليرد عليه مواطنون في تقرير تليفزيوني أنه لم يعد هناك شيء تحت الوسائد.
– لعل تعنت الإدارة التركية في مسألة محاكمة القس الأميركي” أندرو برونسون”، سيجلب لها المزيد من المشاكل، فإدارة “ترمب” تعهدت بفرض عقوبات على تركيا بشأن تلك المسألة، وهو ما نفذته – بالفعل – وأدى إلى هبوط الليرة لمستوى منخفض أودى بتركيا إلى شفا حفرة الإفلاس.
– إصرار أردوغان على إحكام قبضته الأمنية واتباع سياسات نقدية غير سليمة، وتدخلاته في سياسة البنك المركزي التركي، سيجلب المزيد من السوء للاقتصاد التركي، ويدفع بالليرة للهبوط واتخاذ وضع أسوأ من وضعها الحالي.
– إذا استمرت السياسات الخاطئة لأردوغان والانهيارات الاقتصادية وتهاوي الليرة التركية لمستويات متدنية، فلن يكون إفلاس تركيا بالشيء البعيد (خاصة بعد أن أعلنت عدة فنادق تركية إفلاسها).
وحدة الدراسات التركية*
المراجع
1-الليرة التركية تهوي لمستوى قياسي بسبب أميركا، سكاي نيوز عربية.
2- الاقتصاد التركي.. أرقام “ضخمة” تثير مخاوف المستثمرين، المرجع السابق.
3-انهيار تاريخي لـ”الاقتصاد التركي”.. الليرة تسجل هبوطًا تاريخيًا أمام الدولار، اليوم السابع.
4 – “أردوغان” يواجه انهيار الاقتصاد التركي بـ”القبضة” الأمنية، روز اليوسف.
5-اجتماع تركي أميركي في واشنطن لبحث الخلافات، تركيا الآن.
6- قضية القس الأميركي تشعل التوتر بين أنقرة وواشنطن، ميدل إيست أونلاين.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر