سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
قبل أيام، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تشكيل الحكومة الجديدة، بعد ساعات قليلة من حلف اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية.
وكان من أبرز التعديلات الوزارية التي أتت بها الحكومة الجديدة، اختيار بيرات البيرق، صهر أردوغان، لحقيبة الخزانة والمالية؛ ما أثار مخاوف عدة، فخسرت الليرة التركية أكثر من 3% مقابل الدولار يوم تعيين البيرق، وتراجعت السندات التركية، مما دفع السندات ذات العائد 10 سنوات إلى مستوى قياسي، كما تراجعت البورصة التركية.
البيرق عن قرب
ولد البيرق في إسطنبول عام 1978، وبعد تخرجه في قسم إدارة الأعمال باللغة الإنجليزية في جامعة إسطنبول، أكمل شهادة الماجستير في كلية “لوبن” لإدارة الأعمال في جامعة “بيس” نيويورك. حصل الوزير فيما بعد على درجة الدكتوراه في “تمويل مصادر الطاقة المتجددة” من إدارة الأعمال المصرفية والمالية في الجامعة نفسها. وفي عام 2006، تمَّ تعيينه رئيسًا تنفيذيًا لشركة “تشاليك”، في سن الـ29، وهو إنجاز غير مسبوق في الشركات التركية، حيث تظل الأقدمية مهمة. وتحت إشرافه، اشترت “تشاليك” صحيفة الصباح التركية بمبلغ 1.5 مليار دولار، ذات الانتشار الواسع، والقناة التلفزيونية الإخبارية “خبر” بعد حصوله على قرض مساعدة من بنوك حكومية بمبلغ 750 مليون دولار.
وبنهاية عام 2013، أنهى عمله ومسيرته في القطاع الخاص. وبدأ كتابة مقالات في صحيفة “صباح” الموالية لأردوغان، وانتخب البيرق نائبًا للعدالة والتنمية بالبرلمان عن ولاية إسطنبول خلال دورات 25، و26، و27. وهو عضو بالمجلس الأعلى للإدارة واستصدار القرارات بذات الحزب. وشغل منصب وزير الطاقة والموارد الطبيعية في الحكومتين 64، و65.
وعقب تعيينه وزيرًا للمالية، سعت وسائل إعلام تركية واقعة تحت سيطرة الحكومة، إلى التمويه على تعيين الرئيس رجب طيب أردوغان، زوج ابنته، وزيرًا للمالية، وبدلاً من ذلك ركزت على أنه متزوج وله ثلاثة أطفال، وكأنَّ صفة الزواج وعدد الأبناء عنصر رئيسي لـ”سي. في” أي مرشح لحقيبة بمثل أهمية حقيبة المالية لاقتصاد تركي يعيش وضعًا معقدًا.
مقرب من أردوغان
يصنف كثير من المتابعين والمحللين “البيرق” على أنه الرجل الثاني في تركيا، وربَّما يكون خليفة أردوغان مستقبلاً، وأحد الأشخاص الأوسع نفوذًا في البلاد، وهو متزوج من إسراء أردوغان، الابنة البكر للرئيس التركي، ويبلغ من العمر 40 عامًا وتولى في 2015 وزارة الطاقة.
ويعرف عن أردوغان قربه من عائلة البيرق، وبخاصة صادق، والد بيرات، وهو صحافي سابق وسياسي ينتمي إلى التيار الإسلامي، ومن الأصدقاء المقربين للرئيس التركي.
البيرق ليس صهر أردوغان فقط، بل واحد من أقرب الأشخاص إليه، ويحظى بثقة كبيرة جدًا من أردوغان، فهو يرافق الرئيس في تنقلاته المهمة، ويشارك في الاجتماعات الحساسة. وفي مؤشر يدل على مدى التقارب بين الرجلين، كان البيرق يمضي عطلة مع أردوغان في جنوب غربي تركيا عندما حدثت محاولة الانقلاب ليل 15 يوليو، ورافق أردوغان في الطائرة التي نقلت الرئيس إلى إسطنبول في رحلة محفوفة بالمخاطر، بالتزامن مع تحليق طائرات منفذي محاولة الانقلاب في الأجواء التركية. وكان البيرق، وزير الطاقة السابق، إلى جانب أردوغان، بعد أن حطت طائرته في مطار أتاتورك، حيث أعلن الرئيس في مؤتمر صحافي فشل الانقلاب.
وفي هذا السياق، تناولت تقارير غربية، جوانب خفية في علاقة أردوغان بأسرته، وكان أردوغان يود لو أن أحد أبنائه الأربعة يخلفه في الحكم، لكنه لم يهيئ بعد لتوريث أو ترشيح أي منهم، لكنه – بالتأكيد – دعم شخصًا آخر وساعده على الوصول إلى مكانة عليا في السياسة التركية: بيرات البيرق، زوج إسراء.
عمل البيرق على تمرير قانون ضرائب صاغه زملاؤه في شركة “تشاليك” القابضة، وساعد الشركة على إدخال أموال جنتها من أعمالٍ خارج البلاد من دون أن تدفع عليها ضرائب تقريبًا. وبعد تعيينه في الحكومة، أصبح بيرات البيرق، يحظى بنفوذ كبير في السياسية التركية، فأردوغان غالبًا ما يقدمه للزعماء الأجانب الذين يزورون تركيا، ويشركه في معظم الاجتماعات.
ويحرص البيرق على التأكد من أن كل الوزراء وأعضاء الحزب، يعرفون علاقته المميزة بأردوغان، حتى إنه يضع يده على كتف الرئيس أحيانًا خلال الاجتماعات الوزارية، ويتحدث معه في الأمور العائلية أمام الوزراء. ووصل الأمر إلى حد أن البيرق يتصرف أحيانًا كرئيس، وينتقد سياسيين آخرين، ويعطي تعليمات للوزراء، ويخبرهم كيف يديرون أعمالهم، ومن يجب عليهم أن يوظفوا أو يطردوا.
لا يحظى البيرق بثقة قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذين لم يخفِ الكثير منهم قلقه من طريقة تصعيد صهر الرئيس على حساب قيادات وازنة في الحزب. ويشكو هؤلاء من أن الرئيس أردوغان أحاط نفسه بأفراد العائلة والموالين له، وأنه جعل الحزب بوابة للفساد والمحسوبية والصراع على المواقع.
ومع تعاظم نفوذه داخل الحكم، حاول البيرق إقصاء رجال أردوغان عن المشهد السياسي. ففي عام 2016، كشفت وسائل إعلام أجنبية، أن البيرق وأخاه سيرحات، كانا وراء تقديم داود أوغلو، رئيس الحكومة التركية السابق، استقالته وإقصائه من المشهد السياسي التركي، وتنحيه عن رئاسة حزب العدالة والتنمية في 22 مايو من العام نفسه، حيث نظما هجومًا سياسيًا وإعلاميًا ضده، لأنه رأى أن خروجه من المشهد السياسي يفسح المجال أمام أردوغان لتعزيز سلطته، كما أنه سيفسح للأخير المجال للدفع به إلى الأضواء، بحسب تقرير نشرته “فايننشال تايمز” مايو 2016.
صهر أردوغان.. فساد واستبداد
انفتحت فضائح الفساد بشكل قوي نهاية 2013، بعد الكشف عن تورّط عدد من المسؤولين، بينهم أبناء وزراء ورجال أعمال على صلة بأردوغان وعائلته حين كان رئيسًا للوزراء، وذلك في ضوء التسريب الشهير بين أردوغان ونجله بلال، حول إخفاء 30 مليون يورو، خوفًا من الرقابة المالية. ويشير المراقبون إلى أن وضع البيرق يده على وزارة المالية، سيفتح الباب أمام عودة قوية لعائلة أردوغان إلى الاستثمارات العلنية والسرية، والسيطرة على الاقتصاد التركي بشكل واسع، ما يزيد من الأعباء المسلطة عليه.
ويتورط البيرق في قضايا فساد كبرى، ففي العام الماضي كشفت محاكمة تجرى في إيران لرجال أعمال تورطوا في ملف فساد نفطي شارك فيها – أيضًا – رجل أعمال تركي يدعى رضا ضراب، ومسؤولون أتراك، أحداثًا مثيرة، إذ اتهمت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط “استيلاء صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أموال النفط الإيرانية”، وخلال إحدى جلسات المحاكمة في يوليو 2017 اتهم الممثل عن الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، مهدوي، صهر أردوغان بالاستيلاء على أموال النفط الإيرانية، بدلاً من إعادتها إلى خزانة الدولة، قائلاً: إن أموال النفط الإيرانية تمَّ إنفاقها في شراء مصنع للألمونيوم باسم سيدة، وشراء شركة نقل لصهر أردوغان.
وتعمّد النظام التركي اعتقال الصحفيين الذين فضحوا فساد البيرق. ففي يوليو العام الماضي، اعتقلت السلطات التركية الصحفي “تونجا أوكرتان” بعد نشره أخبارًا حول تسريبات المراسلات الإلكترونية للبيرق، قال الصحفي المعتقل – آنذاك – إن المحامي أخبره أن قرار احتجازه جاء بسبب نشره مقتطفات من مراسلات البيرق، ثم كشف أن مذكرة الاعتقال بحقه صدرت بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي.
واعتقال الصحفي التركي بسبب نشره خبرًا عن صهر أردوغان، لم تكن الواقعة الأولى، فقد اعتقل النظام – أيضًا – مراسلاً في تركيا “دنيز يوجل” بسبب مقالات كتبها حول اختراق البريد الإلكتروني الخاص بـبيرات البيرق، صهر أردوغان، بحسب تقرير لصحيفة “دي فيلت” الألمانية في فبراير 2017.
بداية سيئة لـ”الصهر”
بعد ساعات من الاجتماع الأول لحكومة أردوغان الجديدة، بحضور وزير المالية، البيرق، أعلنت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أنها خفّضت تصنيف الديون السيادية لتركيا درجة واحدة، معتبرة أن “المخاطر المحدقة باستقرار الاقتصاد الكلي للبلاد زادت”. وقالت “فيتش” في بيان إن التصنيف الائتماني لتركيا انخفض من “بي بي+” إلى “بي بي”، لتكرس بذلك الديون السيادية التركية موقعها أكثر في فئة استثمارات المضاربة. وأرفقت الوكالة تصنيفها بآفاق مستقبلية “سلبية”، ما يعني أنها قد تعمد إلى خفضه من جديد قريبًا.
ولفتت الوكالة في بيانها – بهذا الخصوص – إلى الصعوبة المتزايدة للمناخ المالي، وتسارع وتيرة التضخم، وتداعيات تدهور قيمة الليرة التركية على القطاع الخاص المرتبطة ديونه بشكل كبير بالعملات الأجنبية. وأشارت “فيتش” في بيانها إلى أن مصداقية السياسة الاقتصادية تدهورت في الأشهر الأخيرة، وأتت أولى الإجراءات التي اتخذت بعد انتخابات يونيو لتزيد من الغموض.
وجاء إعلان “فيتش” عن خفض تصنيف الديون السيادية التركية بعيد ساعات على انعقاد أول اجتماع للحكومة التركية الجديدة برئاسة رجب طيب أردوغان، والذي خُصّص – أساسًا – لبحث التحديات الاقتصادية العاجلة.
وفي سياق متصل، أشارت شبكة “بلومبرغ” الاقتصادية، إلى أن خيبة أمل المستثمرين في البيرق، لا تدور حول مؤهلاته الاقتصادية بقدر ما تتعلق بنسب عائلته. إذ أثار تعيينه تساؤلات حول ما إذا كان بإمكانه الاعتراض على سياسات حميه، الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يستخدم – بالفعل – سلطاته التنفيذية الجديدة لتشديد قبضته على البنك المركزي التركي.
إن صهر الرئيس قد لا يوفر ذلك الحصن للبنك المركزي التركي. نعم، إنه حائز على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة أميركية وكان رئيسًا تنفيذيًا. ولكن: هل سيقف حقًا أمام والد زوجته؟ هل سيكون مستعدًا للاحتجاج بأن أسعار الفائدة يجب أن تكون أعلى بشكل كبير، وأن تكون السياسة الاقتصادية أكثر صرامة؟ إذا نظرنا إلى الوراء وسألنا عمَّن وقف في مواجهة أردوغان واستمر في منصبه، فسنرى أنها قائمة قصيرة، في الواقع، إنها قائمة بلا أسماء.
ومن المتوقع أن يركز الخبراء على قرارات البيرق بشأن سعر الفائدة، في الاجتماع المقبل للبنك المركزي في 24 يوليو، ويعتبر الاجتماع اختبارًا للبيرق، بقدر ما هو اختبار للبنك نفسه، في حالة تعرض الليرة لضغوط متجددة. ويذكر أن البنك كان دائمًا تحت إشراف نائب رئيس الوزراء المسؤول عن وزارة الخزانة في تركيا، التي أصبحت الآن جزءًا من مهمة البيرق.
جسر أردوغان لإسرائيل
في وزارة الطاقة سنحت للبيرق، فرصة التواصل مع الحكومات الأجنبية، ولا سيَّما روسيا وإسرائيل، اللتين تجري معهما تركيا مفاوضات حول مشاريع كبرى في مجال الطاقة. وفتح له ذلك المجال، للاضطلاع بدور كبير الدبلوماسيين في تركيا. وتوجت المصالحة التركية الإسرائيلية في 2016 بلقاء بين البيرق ووزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينتز”.
التقى البيرق، حين كان وزيرًا للطاقة التركي، نظيره الإسرائيلي للحديث عن المشاريع الضخمة لأنابيب الغاز بين تركيا و”إسرائيل”، وبحث الطرفان عن علاقة “ربح – ربح”؛ إسرائيل تجد سوقًا جديدة تصدّر إليها، وتصل أوروبا عبرها، وتركيا تنوّع من وارداتها من الغاز الطبيعي وتقلّل من الاعتماد على الغاز الروسي. كما أنه حتى خلال سنوات أزمة مرمرة، كان التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا ينمو سنويًا، من 2.4 مليار عام 2010م إلى 4.5 مليار عام 2014م، إلى 5.6 مليار عام 2015م، وقد تزايد الاعتماد التركي على إسرائيل خلال الأزمة السورية كترانزيت للبضائع التركية المصدّرة إلى الأردن والخليج. التبادُل التجاري المباشر بين الأتراك والإسرائيليين كثيف هو الآخر، فتركيا تصدّر لإسرائيل: المعادن، والمنسوجات، والسيراميك والمطاط، والبلاستيك، وتستقبل منها صناعات كيماوية، وأجهزة كهربائية وغيرها.
بالعودة قليلاً إلى الوراء، ففي 8 يونيو 2016، صرّح وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينتز، بأن إسرائيل لا يمكنها تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا قبل إعادة تحسين علاقتها مع تركيا.
لم يكن قد مرَّ سوى شهر واحد، أو أكثر قليلاً على تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي، إلا ووقعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا (15 يوليو 2016)، التي اعترف أردوغان في لقاء على قناة الجزيرة، بأن صهره البيرق، هو أول من أخبره بمحاولة الانقلاب، وقبل المخابرات!
بعد تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي بشهرين، وبعد الانقلاب بشهر واحد، تمَّ الصلح بين إسرائيل وتركيا، مما أوجد شكوكًا لدى مراقبين بأن المعلومة التي حصل عليها أردوغان عبر صهره، جاءت من إسرائيل، نظرًا لحماسة إسرائيل لتحسين علاقتها بتركيا من أجل الطاقة، وكان بيرات البيرق – وقتها – وزيرًا للطاقة، إذ تربطه علاقات قوية بمسؤولين إسرائيليين.
استطاعت إسرائيل من خلال تمرير المعلومة عن وجود انقلاب في تركيا لصهر أردوغان، بيرات البيرق، أن تضرب عصفورين بحجر واحد؛ فهي من جهة ضمنت ولاء البيرق لها، ومن جهة ثانية، رفعت من شأنه لدى أردوغان، إذ أصبح بيرات البيرق المقرب الأول من الرئيس التركي، الذي بات يثق به ثقة عمياء، ولم يفارقه فترة الانقلاب لحظة واحدة.
وذلك هو التفسير الوحيد لعدم تخلي أردوغان عنه، فقد سلّمه أخيرًا وزارة المالية والخزينة التركية، برغم أن الاقتصاد التركي المنهار – بسبب العجز التجاري وارتفاع معدل التضخم وفقدان الليرة التركية 20% من قيمتها- يحتاج إلى رجل اقتصادي أكثر حنكة من بيرات؛ إذ انخفض على الفور من إعلان تسلمه للمالية، قيمة الليرة إلى مستوى قياسي جديد، بسبب عدم ثقة المستثمرين بقدراته.
وفي الفترة التي كان فيها بيرات وزيرًا للطاقة، زادت العلاقات التجارية في مجال الطاقة بين إسرائيل وتركيا، سواء بطرق شرعية، أو غير شرعية. ففي إبريل من هذا العام، كشف تحقيق لموقع TankerTracker.com، أن سفن نفط عراقية تنقل النفط من كردستان العراق إلى إسرائيل، عن طريق ميناء جيهان التركي. تمر العملية بسلسلة طويلة من عمليات التمويه، عبر تغيير أسماء السفن أكثر من مرة، إلى أن تصل إلى ميناء يافا “تل أبيب” البحري الإسرائيلي.
ووفق معطيات نشرت في 2017 لشركة “كليبيرداتا” الأميركية المختصة بتعقب شحنات النفط العالمية، فإنّ نحو نصف النفط الخام المستخرج من حقول النفط في إقليم كردستان شمال العراق في عام 2017، وصل إلى دولة الاحتلال من خلال عمليات تهريب تتم عبر ميناء “جيهان” التركي؛ وهو ما يفسر قوة العلاقات في مجال الطاقة بين إسرائيل وتركيا وقت أن كان صهر أردوغان وزيرًا للطاقة.
ما سبق جعل كثيرًا من المحللين والمتابعين يطرح التساؤل: هل قام أردوغان بتعيينه وزيرًا للمالية، للتعويل على إسرائيل من خلاله لإنقاذ الليرة التركية من الانهيار؟
بوابة التعامل مع “داعش”
لم يكن البيرق جسر أردوغان للتواصل مع إسرائيل فقط، ففي الأزمة بين أنقرة وموسكو بعدما أسقطت الطائرات التركية مقاتلة روسية عند الحدود السورية في 2015، اتهمت روسيا الدائرة المقربة من البيرق وأردوغان، بالتورط مع “داعش” في عمليات تجارة النفط. وتمَّ تناسي كل ذلك بعد عودة العلاقات التركية الروسية إلى وضعها السابق، وظهر البيرق وتعلو وجهه ابتسامة كبيرة خلال توقيع اتفاق ثنائي لبناء خط أنابيب نقل الغاز “ترك ستريم” في أكتوبر 2016.
البيرق الذي لا يتخذ خطوة دون الرجوع إلى أردوغان، تكشفت – منذ فترة – علاقته بتنظيم “داعش” الإرهابي؛ وهو ما يعني أن حديث تركيا عن مواجهة هذا التنظيم، ليس إلا كلامًا يتردد في الإعلام، والحقيقة أنها تدعم “داعش” عن طريق شراء النفط.
وكشف موقع “ويكيليكس” عن العلاقة بين بيرات البيرق وتنظيم “داعش”، لا سيَّما في مجال النفط، وكيف أن الحكومة التركية منحت استثناء لشركة “پاورترانس” من قرار حظر استيراد وتصدير ونقل النفط أو مشتقاته من “داعش”، ونشر الموقع 57934 رسالة تابعة لوزير الطاقة التركي وصهر أردوغان، توضح علاقته بالتنظيم الإرهابي.
دور البيرق في صفقات النفط من “داعش” أدى إلى دعوات لملاحقته في الولايات المتحدة. في ديسمبر 2016، نشرت “ويكيليكس” 57.935 من الرسائل الإلكترونية الشخصية للبيرق، من عام 2000 حتى 2016، والتي أكدت أنها حصلت عليها عن طريق “ردهاك” تخص البيرق و”داعش” وتثبت علاقته بعمليات تهريب “داعش” للنفط إلى تركيا.
أفادت “إندپندنت” بأن الرسائل الإلكترونية توضح أن البيرق كان على دراية تامة بقضايا التوظيف والرواتب في “پاورترانس”، الشركة التي أثارت جدلاً لاحتكارها نقل النفط برًا وعن طريق السكك الحديدية إلى البلاد من كردستان العراق. وأضافت أن وسائل الإعلام التركية، قد أفادت في 2014 و2015 بأن “پاورترانس” متهمة بخلط النفط الذي تنتجه “داعش” في سوريا المجاورة وأنها تضيفه للشحنات المحلية التي تصل في النهاية إلى تركيا. كان البيرق قد أنكر أن لديه أي علاقة بـ”پاورترانس”.
الصحافة العالمية وتعيين البيرق
لم يمر خبر تعيين البيرق وزيرًا للمالية، مرور الكرام على الصحافة العالمية، إذ انتقدت وسائل إعلام فرنسية، تعيين البيرق، معتبرة تلك الخطوة محاولة إضفاء الطابع المؤسسي للاستبداد.
ورأت مجلة “لوبوان” الفرنسية، أن الرئيس التركي، بعد إسناد صلاحيات خارقة لنفسه، سلم الوزارات الحساسة إلى مقربيه الذين يعتبرهم من المخلصين. وأن أردوغان، في هذه المرة، لم يسند تلك المهام للوزراء لكفاءتهم أو لولائهم أو حتى مجرد انتمائهم لحزب العدالة والتنمية، وإنما لعلاقات النسب كتعيين صهره في هذا المنصب الحساس وتسليمه مفاتيح الخزينة التركية. كما أن أردوغان، الذي ادعى في خطابه أن تركيا ستحتفظ بمبادئ تركيا العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، أسند لصهره منصب وزير المالية، وهو ما يبدو متناقضًا مع خطابه، حتى مع أبسط مبادئ الديمقراطية التي تتطلب الاعتماد على الكفاءات في تولي الوزارات، وبخاصة الحساسة منها.
إن أردوغان، ذلك السلطان الذي بدأ ولاية جديدة، كتب فصلاً جديدًا من الديكتاتورية في التاريخ التركي الحديث، وذلك بعد تطبيق النظام الرئاسي الوحدوي الذي يسند جميع الصلاحيات إلى رئيس الجمهورية دون أن يحاسبه أحد؛ ما يجعل قبضته محكمة على جميع مؤسسات الدولة، ويتجرأ على تسليم صهره البيرق، مفاتيح الخزانة التركية. ووصفت المجلة الفرنسية تلك الصلاحيات الواسعة للرئيس التركي بالـ”هايبر بريزيدن”، أي الرئيس الفائق، ليس لكفاءته، وإنما بإسناد صلاحيات خارقة. كما فسرت تلك التعيينات بمحاولة “إضفاء الطابع المؤسسي للاستبداد” في النظام الجديد.
صحيفة “لوموند” الفرنسية هاجمت بدورها تولي البيرق زمام وزارة المالية في ذلك التوقيت، ورأت أن الأمر معقد في ظل انهيار سعر الليرة التركية والمرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، وسط ارتفاع معدل التضخم. فالأسواق تخشى ضغط أردوغان على البنك المركزي بعد تعيين البيرق، لا سيَّما أن الليرة التركية انخفضت على الفور من تعيينه نحو 2% من قيمتها. إن السلطات الفعلية لا تزال في يدي أردوغان، فهؤلاء الوزراء جميعهم مجرد شكل أو واجهة منزوعة الصلاحيات أو من الديمقراطية الليبرالية، إننا أمام تركيا التي ستكون مثالاً يحتذى لنظام مؤسسي للاستبداد.
نتائج متوقعة لمستقبل “الصهر”
الاستعراض السابق لتاريخ وحاضر البيرق، يجعل تركيا أمام مستقبل مظلم وكارثي من الناحية الاقتصادية، ومن ثَمَّ الناحية السياسية، ويمكن أن نلخص هذه النتائج في النقاط التالية:
وحدة الدراسات التركية*
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر