سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
روز يوحنا
اتسمت سياسة الرئيس الأميركي بدرجة كبيرة من رد الفعل؛ حيث اعتمدت بشدة على القوة العسكرية، متجاهلة فرص التفاوض من أجل إنهاء الحرب؛ ففي 13 أبريل أصدر ترمب، أمرًا بتنفيذ ما وصفه بـ”ضربة تم تنفيذها بشكل مثالي” ضد مستودعات أسلحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. وقد وقعت تلك الضربات بعد أيام قليلة من قيام حكومة الأسد باستخدام أسلحة كيميائية ضد بلدة دوما التي يسيطر عليها الجماعات المسلحةفي الغوطة الشرقية، وهي منطقة ذات كثافة سكانية كبيرة، وقريبة من العاصمة السورية.
ومنذ بداية مدته الرئاسية، تجاهل ترمب آفاق التوصل إلى حل سياسي للحرب؛ مما سمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالحضور بشكل كثيف في مفاوضات السلام السورية؛ وهو ما يثير قلق المعارضة السورية، التي تشعر أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي يستطيع الضغط من أجل الانتقال السياسي، الذي تعتزم محادثات جنيف المتوقفة – حاليًا – التوصل إليه. والآن، فإن لدى ترمب فرصة للقيام بما لم يفعله الرئيس باراك أوباما، لا سيَّما تجاوز القوة العسكرية وتولي زمام المبادرة للانخراط في عملية سلام هادفة تنهي الحرب وتضمن الانتقال السلمي للسلطة.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقوم فيها ترمب بعمل عسكري ضد الأسد؛ ففي أبريل 2017، أجاز الضربات الجوية ضد قاعدة الشعيراتالجوية، ردًا على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في بلدة خان شيخون في شمال غرب سوريا في نفس الشهر. ورغم وجود ادعاءات روسية وسورية وإيرانية بأن هذه الهجمات جاءت بشكل مُنَظَّم، فإنها لم تقدم أي دليل على أن هناك غير الأسد مسؤول عن تلك العمليات. ومن الواضح أن تلك الضربات لم تفعل شيئًا لردع الأسد عن استخدام غاز الكلور والسارين مرة أخرى. وزُعم أن حكومته استخدمت الأسلحة الكيميائية في ثلاث مناسبات أخرى على الأقل.
وبعيدًا عن العمل العسكري، لم يُبدِ ترمب أي رغبة للانخراط في سوريا، مفضلاً ترك مهمة حل المشاكل الدبلوماسية لموسكو، منذ عام 2017، إذ كانت محادثات أستانا التي تقودها روسيا، هي القناة الرئيسية للاتصال بين نظام الأسد والمعارضة السورية. على أن هذا الترتيب يثير القلق بالنظر إلى الدعم السياسي والعسكري الروسي للأسد، كما أنه لا يترك مجالاً للشك في المواضع التي يكمن فيها تعاطفهم. وبينما انصب التركيز الأساسي للمحادثات على تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254، الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار والتحول السياسي في سوريا، فإن محادثات أستانا لم تسهم كثيرًا في وقف العنف في سوريا من خلال عملية السلام في جنيف. وفي تلك الأثناء، تواصل روسيا ضرب المدن والبلدات التي يسيطر عليها الجماعات المسلحةوعرقلة قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا، إذ استخدمت حق الفيتو 12 مرة منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011.
ورغم ذلك، ففي نوفمبر 2017، أكد كلٌّ من بوتين وترمب، مجددًا، أنه يجب التوصل إلى حل سياسي نهائي للنزاع السوري من خلال عملية جنيف، وذلك وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254؛ وهو ما يشير إلى أن الوقت قد حان للعمل مع بوتين لإحياء محادثات جنيف باعتبارها السبيل الوحيد القابل للتطبيق لوقف سيل الدماء في سوريا. لكن عملية جنيف تواجه نقد بعض الأطراف الذين يعتقدون أنه رغم الخطاب الداعم لإحياء جنيف، فإنه لا توجد إرادة حقيقية لدى واشنطن أو موسكو للتعامل مع تلك المهمة الشاقة المتمثلة في الوساطة في عملية انتقال سياسي، وهي القضية التي تمثل جوهر المشكلة في جنيف.
لكن معضلة الانتقال السياسي ستكون هي الأصعب، وينبغي التغلب عليها في جنيف؛ حيث يُطلب من حكومة الأسد بشكلٍ أساسٍ أن تتفاوض مباشرة على رحيلها؛ فمن وجهة نظرها، ترى أنها تتفاوض مع مجموعة غير منظمة ومختلطة من الجماعات العلمانية والإسلامية والجهادية التي تشكل المعارضة السورية، إلا أن هذا الأخير لن يقبل أي حل يتغاضى – ببساطة – عن زعيم قاتل استخدم الأسلحة العشوائية وكل أساليب الحصار، إلى جانب حجب المساعدات الإنسانية التي تساعده على البقاء في السلطة.
وتواصل المعارضة الدفع باتجاه تنفيذ ما توصلت إليه جنيف، حيث ستقوم هيئة إدارة انتقالية بإدارة انتخابات حرة ونزيهة وترؤس عملية انتقال سياسي بقيادة سورية. وعلى ذلك، فلا يعني أنه لا يوجد أي فائدة لاستمرار المحادثات؛ حيث لا يزال هناك الكثير من التقدم الذي يمكن إحرازه، سواء بين الأطراف السورية المتحاربة والقوى العظمى، للتفاوض على وقف إطلاق النار والحل الدائم. وإذا لم يكن هناك حل آخر، فمن الحكمة إعادة تنشيط عملية جنيف بحيث يبقى خط الاتصالات مفتوحًا، من خلال المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، في حال تغيرت الظروف واختارت جهة أخرى التدخل من أجل إحلال السلام، أو إذا كانت هناك قوة عظمى. وهنا يمكن التوصل إلى اتفاق يجلب حلفاء كل منهما لطاولة المفاوضات. فإذا كان لهجوم أغسطس 2013 الكيميائي في الغوطة الشرقية أي مؤشر، فإن روسيا يمكن أن تقبل المطالب الأميركية في سوريا إذا تمَّ تقديمها بمظهر دبلوماسي بارع. وهو الحل الذي ينبغي على الرئيس الأميركي أن يسعى إليه من أجل سوريا.
ولا يمكن أن تبدأ مصلحة الولايات المتحدة في سوريا وتنتهي في كل مرة يستخدم فيها الأسد الأسلحة الكيميائية، حيث يجب أن يضاعف ترمب من جهده الدبلوماسي مع موسكو من أجل التفاوض لإنهاء هذه الحرب وتركيز القوة العسكرية للولايات المتحدة على هزيمة “داعش” في سوريا. فالوقت لا يزال متاحًا للبحث عن حل سياسي لهذه الحرب، فسوريا تستحق سياسة حقيقية تحقق لها السلام الدائم. وإذا كان ترمب يريد حقًا ما يعلنه، فإنه في حاجة إلى الاستفادة من الاحترام المتبادل الذي يتقاسمه مع الرئيس الروسي للتوصل إلى نتيجة في سوريا يمكن أن يقبلها الطرفان.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات*
المصدر: صحيفة الأوبزرفر
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر