صك تجديد البيعة #وثيقة_حماس | مركز سمت للدراسات

صك تجديد البيعة #وثيقة_حماس

التاريخ والوقت : الخميس, 4 مايو 2017

بيسان عناب

 

على طول درب القضية الفلسطينية ومع استمرار الصراع العربي الإسرائيلي بكل مراحله ابتداءً بوعد بلفور الذي سيكمل مئويته في تشرين الثاني هذا العام وحتى اليوم، ظهرت على الساحة الكثير من الفصائل والأحزاب السياسية التي كان هدفها المقاومة وردع الاحتلال وتحرير كامل التراب الفلسطيني، وقد امتد أحد جسور النضال الكثيرة هذه للعبور نحو وطن حر بغرس الوتد الأول من منزل صغير في حي الصبرة بمدينة غزة، حيث من هناك وفي ذلك المنزل بالتحديد كانت الانطلاقة الأولى والإعلان عن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بقيادة الشيخ أحمد ياسين وعدد من القيادات، حدث ذلك عام 1988 إبان الانتفاضة الأولى أو ماعرفت بانتفاضة الحجارة.

وما بين مد وجزر وأخذ ورد استمرت حركة المقاومة الإسلامية وتقدمت وحافظت على وحدة جسدها النضالي وتمسكت بأهدافها وثوابتها رغم رياح التغيير والمهادنات التي عصفت بها. كان المشوار الطويل حافلاً ومتعباً مروراً باتفاقية أوسلو عام 1993 والتي أنجبت السلطة الوطنية الفلسطينية في ظل عدم موافقة الحركة، وصولاً الى انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000 وتأسيس الجناح العسكري للحركة “كتائب القسام” وماحققته من إنجازات عسكرية كان أولها بعد عام واحد من التأسيس بتدشين صاروخ “قسام1″، لنصل الى عام 2006 والانتخابات الفلسطينية التي أسفرت عن ما عرف بالانقسام الفلسطيني وسيطرة الحركة على قطاع غزة إلى الآن.

ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم برهنت الحركة ولا زالت تؤكد على الخيار العسكري للمقاومة وشرعية هذا القرار وجدواه، ولعل الحروب الإسرائيلية الثلاثة على القطاع في الأعوام الستة الماضية والتي كان آخرها عام 2014 تثبت حقيقة كون الحركة شوكة في حلق الاحتلال لم ينفك عن محاولات اقتلاعها وردمها وتدمير ترسانتها واغتيال قادتها.. لكنها رغم ذلك باقية تتمدد!

****

في الآونة الأخيرة أعلنت مصادر إخبارية متعددة عن قرب إعلان ميثاق جديد للحركة الإسلامية، وانتظر الجميع تمخض عملاق المقاومة الفلسطينية وولادة وثيقة سياسية فكرية نضالية تعيد تعريف رؤية الحركة وفلسفتها وتتمكن من رسم هيكلية بعض الأمور العالقة وترتيبها وتوضيح السياسات العامة للحركة بصيغة متجددة عصرية تتناغم مع المجريات الحاصلة على الساحة الدولية وتتوافق مع سنة التطور والتغيير والتجدد، فالحركة السياسية –حد تعبير مشعل- كما الكائن الحي الذي ميزه الله وكرمه بالعقل والقدرة على التطور، فهو ينمو ويكبر ويتجدد ويتغير ولا يكون عاجزاً تقليدياً متقوقعاً حول نفسه متجاهلاً كل ماحوله، وإلا فسيكون مصيره الجمود والاندثار!

وبالفعل فقد بات الجميع مترقباً متربصاً ينتظر إعلان الوثيقة الموعودة؛ فالكل يريد أن يرى ما الجديد خاصة بعدما انسلت بعض التسريبات التي تفيد بأن الحركة عازمة على القبول بدولة فلسطينية على حدود 67.

لقد بدا ذلك صعباً على الفلسطينيين بعض الشيء، فالقبول يحمل في طياته اعترافاً ضمنياً بهيمنة الاحتلال ووجوده.. ذلك أمر واقع لا خلاف عليه، لكن التصريح بالأمر بصوت مرتفع، وأن تحذو حركة حماس حذوَ السلطة الفلسطينية بالاعتراف والتنسيق الأمني كان أصعب مافي الأمر وأبعد لمحاولة التصور حتى..

لقد بدا كل شيء معقداً مشوشاً حتى مساء الأول من أيار/مايو، وقت إعلان الوثيقة. ولعلنا نشير هنا الى كون هذا الشهر يحمل في طياته ذكرى إعلان دولة الكيان الصهيوني الزائل على أرض فلسطين وذكرى النكبة، تحديداً في الخامس عشر من أيار.

فهل هناك رسالة ومقصد ما من اختيار هذا الشهر دون غيره؟!

****

مساء الأول من أيار 2017 أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الوثيقة الموعودة في “42” بنداً أحيت بها مجدداً مبادىء المقاومة التي لطالما تمسكت بها، وأكدت على قانونية النضال الوطني الفلسطيني وشرعيته في القوانين الدولية، كما تبنت مواقف حاسمة واضحة بلهجة شديدة ونبرة واثقة.

وقد أعلن مشعل أنه بعد اجماع ورضى وتشاور من كل أطراف الحركة في الداخل والخارج فقد تم التوافق وتبني رؤية وفلسفة متوازنة تؤمن بكونها حركة حيوية متجددة تتطور في وعيها وفكرها وأدائها السياسي، كما تتطور في أدائها النضالي المقاوم ومسارات عملها. إضافة الى عزمها بهذه الوثيقة أن تبني نموذجاً للتطور والانفتاح والتعامل الواعي مع الواقع دون الإخلال بأصل المشروع واستراتيجيته، أي دون الإخلال بالثوابت الوطنية، جرياً على مبادئ إدارة الصراع وليس على حساب المقاومة.

كما أكد مشعل أن الأمور الآن باتت متأرجحة، فقد غلب على البعض الميوعة والتفريط بالثوابت والحقوق المشروعة وذلك بذريعة اختلال موازين القوى وبروز العديد من المستجدات على الساحة العربية والدولية، مشيراً في كلامه الى ظهور العديد من الحركات الجهادية ومبيّناً في معرض حديثه بأن الواجب على الحركات الجهادية أن تحدد عدوها وتقاتله وحده، لا أن تضرب في كل الساحات وتعتبر العالم بأسره مسرحاً لبطولاتها، وفي ذلك إشارة واضحة لرفض الحركة التطرف والتشدد وعمليات الإرهاب العشوائية التي تحارب المدنيين الأبرياء وتستبيح دمائهم وتبث الرعب في غير مكانه ولا زمانه.

فقد عاود رئيس المكتب السياسي للحركة ليؤكد أكثر من مرة على ضرورة الجمع بين كون المقاومة صلبة متماسكة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فقط، وضرورة انفتاح العقل السياسي، إضافة الى تبني الفكر الوسطي المعتدل ورفض التطرف بجميع أشكاله.

****

أما في الميثاق، فقد عرَّفت الحركة في المادة الأولى بنفسها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني ومرجعيتها الإسلام. وأعلنت ألا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والضغوط ومهما طال الاحتلال، فلا بديل عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من نهرها الى بحرها، مشيرة إلى أنها تعتبر “إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967 وحق العودة اللاجئين والنازحين” صيغة توافقية وطنية مشتركة. وهذه النقطة بالذات كانت مبعث بلبلة وحيرة للمترقبين لهذا الإعلان، حسمتها قيادة الحركة بهذه الصيغة الشاملة التي توازن بين متطلبات المرحلة وثوابت النضال الوطني الفلسطيني الممتد منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا.

وقد عادت الوثيقة في مادتها الثانية عشر لتشدد مرة أخرى على كون جوهرية الصراع هي قضية أرض محتلة وشعب مهجر، وحق العودة هو حق طبيعي فردي وجماعي غير قابل للتصرف تنص عليه الشرائع السماوية والأرضية متمثلة بالقوانين والأعراف الدولية.

وقد جددت الحركة رفضها الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني وكل ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد فهو باطل. وقد أكدت في المادة السادسة عشر من الوثيقة بأن صراعها هو مع المشروع الصهيوني وليس مع اليهود كيهود بسبب دياناتهم. فخوضها للصراع مبعثه كونهم محتلين معتدين، وقادة الاحتلال هم من يقومون باستخدام شعارات اليهودية في الصراع ووصف كيانهم الغاصب بها.

أيضاً رفضت الحركة رفضاً قاطعاً المساس بالمقاومة وسلاحها وأكدت أن لها كل الحق في تطوير وسائلها؛ وفي ذلك نقطة على السطر وقلب لصفحة إمكانية التفاوض أو التنازل عن المقاومة كخيار مشروع لاستعادة الأرض والسير في درب التحرير.

ثم عادت في المادة العاشرة من الوثيقة لتجدد البيعة للقدس عاصمة لفلسطين وحقا للأمتين العربية والاسلامية. لاتنازل عنها ولاتفريط بأي جزء من أجزائها، وكل إجراءات الاحتلال في القدس من تهويد واستيطان وتزوير للحقائق وطمس للمعالم هي إجراءات منعدمة.

إضافة إلى ما سبق فقد تبنت الحركة سياسة الانفتاح على مختلف دول العالم خاصة العربية والاسلامية منها، رافضة التدخل في شؤونها الداخلية والنزاعات والصراعات فيما بينها. معززة ذلك بسعيها الى بناء علاقات صحية متوازنة يكون معيارها الأساسي الجمع بين متطلبات القضية الفلسطينية ومصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة الأمة ونهضتها وأمنها.

صحيح أن الوثيقة ربما بنظر الكثيرين لاتخلو من التناقض وتبدو بعض بنودها مثيرة للجدل، لكن لطالما كانت القضية الفلسطينية وومواقف جميع الأطراف فيها مدعاة للحيرة والعجب!

ولابد لنا أن نعترف بأنها وثيقة حكيمة واقعية، فقد رتبت الحركة أوراقها وحددت أهدافها ورؤيتها وتطلعاتها بصيغة تتناغم وهذه المرحلة. وقد تبنت خطاباً واعياً معتدلاً واقعياً، يدرج إدارة المقاومة تحت بنود إدارة الصراع ولايمس الثوابت الوطنية ولايسجل أي تنازل في الحقوق المشروعة، بل يؤكد على شرعيتها واستمرار المطالبة بها حتى التمكن من نيلها واستعادتها.

يتضح أيضاً أن الحركة رفضت إسقاط أي من وسائل النضال ضد الاحتلال، فالمقاتل يشهر سلاحه على أرض المعركة ورجل الدولة يشهر سلاح المفاوضات على طاولة الحوار، لذا فهي بادرة حسن نية وتجدد ونهضة وتبني للوسطية المحمودة، وفي هذا مد يد للصفح والمصافحة وتطلع نحو غد أفضل، فكيف ياترى ستقابل الكف الممتدة؟!

****

أما إسرائيلياً، فقد أعلن الناطق باسم الاحتلال أوفير جندلمان بأن وثيقة حماس الجديدة هي محاولة لتلميع صورتها بهدف صد الضغوطات الخارجية التي تمارس عليها وبهدف تحسين علافاتها مع الدول العربية وبخاصة مصر.

أما وزير الأمن في حكومة الاحتلال جلعاد أردن فقد صرح بأن “وثيقة حماس الجديدة مجرد عرض علاقات عامة للحصول على شرعية دولية بينما تستمر الحركة في عمليات التحريض وقتل الإسرائليين”.

وقد جاء تصريح آخر من أحد الصحفيين الاسرائيليين مثلجاً لصدور الفلسطينيين ومطمئناً، فقد صرح جال بيرغر بأن ” الفرق المركزي بين وثيقة حماس الجديدة والقديمة، أنه بدلاً من تحرير فلسطين من النهر الى البحر أصبح تحريرها من البحر إلى النهر”

أعتقد أن هذا التصريح بالذات هو ما أذهب وجلَ القلوب وكسى النفوس سكينة وطمأنينة، فلطالما كان التحرير وعدم التنازل عن شبر من أرض فلسطين التاريخية جوهر النضال وسيبقى..

ولا ضير لو تغيرت الصيغ وتبدلت المصطلحات وتجددت، المهم بقاء رسالة النضال الأصيلة ورؤية التحرير خالدة

كاتبة فلسطينية*

@bisanlnab

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر