سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مثّلت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى أميركا حلقة مهمة في تدشين جديد للسياسة الخارجية للمملكة، بالتزامن مع اهتمام غربي بالتغيرات التي تشهدها المملكة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، في وقت تحاول استثماره السعوديةلتدشين تحالفات وبناء شراكات اقتصادية قوية مع الغرب من خلال طرح تفاصيل الخطة التنموية بعيدة المدى.
زيارة ولي العهد إلى الولايات المتحدة، اتخذت عدة محاور، بعضها سياسي، وبعضها الآخر اقتصادي تنموي، وجزء غير قليل يتعلق بالحرب على الإرهاب، واستعراض التحولات التي تشهدها المملكة حاليًا، والتطرق إلى ملفات إقليمية تتعلق بالصراعات الأمنية في المنقطة.
اتجهت السعودية إلى طريق الانفتاح، مؤخرًا، وأقامت دور عرض فنية، وحصلت المرأة السعودية على رخصة القيادة أسوة بالرجال، وأصبح لها حق حضور مباريات كرة القدم، وهو ما ألقى بظلاله على السياسةالخارجية للمملكة، وذلك تطبيقًا لرؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تعزيز صورة المملكة أمام العالم. فبعد زيارة ولي العهد، إلى القاهرة ولندن، اتجه لواشنطن في 20 مارس الماضي ليلتقي الرئيس ترمب، حيث أظهرت مناقشة العلاقات الثنائية وصفقات السلاح، رغبة سعودية في تدعيم القوة العسكرية، ومناقشة الأزمات الراهنة بالشرق الأوسط كالأزمة اليمنية، التي من المؤكد أنها ألقت بظلالها على المناقشات بين الطرفين، ويؤكد رغبته في إيجاد حلول سلمية وإنهاء القتال الدائر هناك بأقل الخسائر، ويخرس الألسنة التي تتهم المملكة بإثارة القلاقل هناك.
انفتاح ثقافي وقوة ناعمة
ولعل لقاء ولي العهد السعودي، برجال ومنتجي صناعة السينما في هوليود، مثل: مورجان فريمان، ومايكل دوجلاس، هو خير دليل على صدقاتجاه السعودية نحو الانفتاح الثقافي(1). فحصول المرأة السعودية على رخصة القيادة، وحق دخول الملاعب، وافتتاح دور عرض فنية، يعطي مؤشرات على رغبة ابن سلمانفي تعزيز وإثراء هذا الاتجاه وتدعيمه بوجهات نظر غربية ومختلفة. فالقوة الناعمة ليست أقل شأنًا من القوة العسكرية الصلبة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية. ومن الجلي أن ولي العهد السعودي، مدرك جيدًا لهذا الأمر ولأهمية توظيف القوة الناعمة في خلق مكانة جديدة لبلاده. ولعله مدرك – أيضًا – ما قاله “جوزيف ناي” عن كون القوة الناعمة داعمة لقوة الدولة من خلال تجسيد مبادئ وأفكار داعمة لمجالات الثقافة والفن، وهو ما يدفع الآخرين لاحترام هذا الأسلوب ومكانة الدولة التي تستخدمه، فلا شك أنها أداة فعالة لتحقيق مصالح الدولة.(2)
ولعل إيمان الأمير الشاب بأن بلاده لا تستغل إلا 10% من قدراتها، وأمامها 90% متبقية لإنجازها، هو ما دفعه لذلك(3)؛ إذ ترغب المملكة في التعامل مع المواطنين، وخاصة الشباب بطريقة أكثر شمولاً وإدماجًا، من خلال سعودة الوظائف الحكومية، وهو ما يتضح من تصريحات وزارة الخدمة المدنية في السعودية أنها تهدف إلى استبدال 28 ألف عامل أجنبي في القطاع العام بسعوديين بحلول عام 2020، فضلاً عن تفهم ولي العهد، لتطلعات الشباب ومحاولة إشراكهم في خطط التنمية بالبلاد؛ وهو ما بدا واضحًا من تخصيص 12 مليار ريال لتحفيز المنشآت الصغيرة ومشروعات الشباب، الأمر الذي يدعم تحقيق رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى خفض مستويات البطالة بين الشباب إلى 7%، أي بما يقارب النسبة العالمية الأساسية.
وبتحليل المؤشرات التي تتضمن لقاءات غير رسمية أيضًا، مثل لقاء رجل الأعمال مايكل بلومبرج، يتضح أنها تنذر برغبة ابن سلمان الجادة في استغلال كل الفرص لإعادة تشكيل صورة بلاده أمام الرأي العام العالمي والترويج لخطة الإصلاح التي تبناها.
ولم تقتصر زيارة الأمير على لقاء صناع الفن والسينما فقط، بل امتدت لبعض القيادات الدينية بحضور الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، سفير المملكة في واشنطن، وهو ما يبرز حرص الأمير محمد بن سلمان على إعلاء قيم التسامح والتعايش المشترك بين الأديان المختلفة والانفتاح على الثقافات الأخرى.
ملفات إقليمية
وبالانتقال للشق الصلب من القوة، الذي كان ظاهرًا في حديث ولي العهد، وبالنظر لحديثه لمجلة “التايم الأميركية” حين قال إن الولايات المتحدة قد أخطأت بدخولها العراق، وأنه كان من الأجدر بها أن تتوقف بعد إكمال مهمتها في أفغانستان، وأن تركز على تحويلها من دولة ضعيفة إلى قوية، سنجد أن ذلك يصب في صالح ما ذكرناه آنفًا باتجاه ابن سلمان للقوة الناعمة وإيمانه بقدرتها على تحويل مسار الدول وتشكيل صورتها أمام العالم.
وعدم إغفاله للمسألة السورية، بقوله إن الأمر لا يجب تركه للإيرانيين يعبثون بأمن دمشق، يدل على حرصه على استقرار الدول العربية ورغبته في إيجاد حلول سلمية لما يحيط بها من أخطار محدقة.(4)وقوله إن بشار لن يرحل في الوقت الحالي، هو تجسيد للسياسة الواقعية التي تنطلق من مؤشرات موجودة على أرض الواقع؛ إذ أعلن بوتين في 4 أبريل هزيمة داعش في سوريا، وهو ما ينذر بقرب حل الأزمة وبقاء بشار رئيسًا لسوريا حتى إشعار آخر.(5)وهذا ما نستنتج منه تمسك المملكة بالحل السلمي للأزمة الدائرة في سوريا، وتوقعها بقرب انتهاء الحرب هناك؛ وهو ما اتضح من حديث ولي العهد عن بشار الأسد وقوله إنه قد يكون باقيًا في السلطة لفترة أخرى، ومن غير المرجح رحيله عن منصبه في فترة قريبة. وحديثه حول وجود قوات أميركية من شأنه أن يبعد القوات الإيرانية عن حلبة القتال، وهو ما يبرز رؤية ابن سلمان، حول ضرورة إبعاد إيران عن المشهد السوري لكي تبدأ الحلول السلمية التي تدعمها المملكة. ومن هنا نستدل على إمكانية موافقة المملكة على أن يكون بشار الأسد جزءًا من حل الأزمة.
ولم يغفل ولي العهد السعودي، القضية الفلسطينية، إذ كانت حاضرة في زيارته، واتضح ذلك من خلال تأكيده على أنه لن يكون هناك علاقة مع إسرائيل حتى حل قضية السلام مع الفلسطينين؛ وهو ما يعطي مؤشرات دالة على إيمانه بحقوق الفلسطينيين ودعمه لما سيختارونه، وهو ما ظهر في حديثه للرئيس الفلسطيني أبو مازن وإعلائه لقيم السلام والتعايش قبل تحقيق المصالح والمنافع. فاشتراطه لحل القضية وتوفير مناخ سلمي قبل تدشين التعاون مع الجانب الإسرائيلي، هو خير دليل على ذلك.
مكاسب اقتصادية
ومن الواضح أن ولي العهد السعودي، أبى أن تنتهي زيارته لواشنطن بدون أن يزف خبرًا سارًا للسعوديين، إذ أعلنت شركة “أمازون” عن توفيرها لعدد من الوظائف بمدينتي جدة والرياض، ويبدو أن لقاءه بالرئيس التنفيذي لأمازون في سياتل، هو ما أتى بتلك الثمرة، وهو ما يوضح سعي ولي العهد، لخلق مكانة تكنولوجية للمملكة.(6)
ولعل ما وصفته وسائل الإعلام بالنفط السعودي الجديد، وأنه عائد على خطة الأمير لدعم مشروعات الطاقة في المملكة، هو ثمرة أخرى جنتها السعودية من الزيارة؛ بيد أن المملكة قد وقعت مذكرة تفاهم مع صندوق “رؤية سوفت بنك” لتنفيذ خطة كبيرة في مجال الطاقة الشمسية، وهو ما يمكن ربطه بفائدة عظمى ستصب في صالح تحقيق المملكة لرؤية 2030 التي تضمنت التخطيط لتطوير قطاع الطاقة الشمسية.
وما يؤكد ذلك، هو ما قاله ماسايوشي سون، رئيس مجلس إدارة الصندوق: إنه يعطي أملاً للسعوديين في رفعة بلادهم ووضعها على أول خطوة لتصبح المنتج الأكبر للطاقة النظيفة في العالم، إذ إنه من المتوقع زيادة الإنتاج المحلي للسعودية بنحو مليار سنويًا.(7)
بيد أن ولي العهد، قد كشف عن تدشين خطة استثمارات بين الرياض وواشنطن بقيمة 200 مليار دولار، والاتفاق على تنفيذ 50 بالمئة من الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين المملكة والولايات المتحدة؛ وهو ما يعزز حرصه على دفع عجلة التنمية في المملكة. فضلاً عن إبرام الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة، سلسلة مذكرات تفاهم مع كبرى الشركات العالمية الرائدة في أنظمة الأمن المعلوماتي في واشنطن، تزامنًا مع الزيارة، وهو ما يمثل دفعة تكنولوجية كبرى للمملكة.
وكانت النتيجة الأبرز والثمرة الأهم للزيارة، هو ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) عن صفقة سلاح جديدة مع السعودية بقيمة 1.31 مليار دولار لبيع أنظمة دفاعية ذاتية الدفع، وهو ما سيصب في دعم السعودية في الوقوف في وجه الحوثيين في اليمن، ويعزز من القوة العسكرية للمملكة. ويعود ذلك ليؤكد – أيضًا – إيمان الأمير الشاب بضرورة استخدام القوة الذكية التي تجمع بين الشق الصلب والناعم للقوة.
وفي الأخير، فإن نتائج الزيارة تنبئ بنجاحها وتحقيقها لثمارها من مناقشة للأزمة اليمنية والسورية والفلسطينية وصفقات السلاح، وفتح قنوات حوار مع صناع السينما، وهو ما سيعزز من تحقيق رؤية 2030 للمملكة والانفتاح الثقافي الذي بدأت فيه، وتوفير وظائف بجدة والرياض واتفاقيات الطاقة النظيفة التي تعد ثمرة اقتصادية هامة للزيارة. فمن الواضح أن الأمير محمد بن سلمان مدرك جيدًا أهمية استخدام القوة الذكية التي تجمع بين الشق الصلب “العسكري” والناعم “الثقافي” للقوة.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1- Oprah, Rupert Murdoch, Harvard: Saudi Prince’s U.S. Tour، نيويورك تايمز،
2- جوزيف ناي ونظرية القوة الناعمة، الحوار المتمدن.
3- زيارة محمد بن سلمان لأميركا.. مواقف وجدل، روسيا اليوم.
4- ولي عهد السعودية .. أميركا اقترفت خطأين وسوريا جزء من روسيا، سي إن إن عربية.
5- بوتين يعلن هزيمة داعش بسوريا ويحذر من هجمات، العربية.نت.
6- عقب لقاء محمد بن سلمان شركة أميركية كبرى تعلن خبرًا سارًا للسعودية، سبوتنيك.
7- محمد بن سلمان يعود من أميركا بالنفط السعودي الجديد، سبوتنيك.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر