ولي العهد السعودي في فرنسا.. انطلاقة جديدة لشراكة استراتيجية | مركز سمت للدراسات

ولي العهد السعودي في فرنسا.. انطلاقة جديدة لشراكة استراتيجية

التاريخ والوقت : الأحد, 8 أبريل 2018

أعلنت الرئاسة الفرنسية أن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، سيقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا في 9 و10 أبريل، تهدف إلى عقد شراكة استراتيجية فرنسية سعودية جديدة، وسط ترحيب من الإليزيه بإدراج فرنسا ضمن أولى الزيارات الخارجية لولي العهد السعودي[1].

ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية، تتمتع بعلاقات فريدة من نوعها مع الجمهورية الفرنسية. وبنظرة تاريخية سريعة، سنجد أن فرنسا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة السعودية التي أنشأها الملك عبدالعزيز آل سعود، عام 1926م. ولا يجب أن نغفل الزيارة التي قام بها الملك فيصل – رحمه الله – إلى فرنسا عام 1967م والتقى خلالها الرئيس شارل ديجول، ورسخت لعلاقات أشد متانة بين البلدين. كذلك[2]، زيارة الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان للمملكة، عام 1977م، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي للمملكة[3]، لتزداد متانة العلاقات بين البلدين بعد ذلك بفضل جهود قادة البلدين.

الملك سلمان وفرنسا.. علاقات متجددة

وشهدت فترة حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله – حالة من الازدهار في العلاقات بين البلدين، في المجالات كافة، سواء مع الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، أو مع سابقه فرانسوا هولاند، بل إن خادم الحرمين الشريفين، في سبتمبر 2014م، عندما كان وليًا للعهد، أجرى زيارة رسمية لفرنسا، تلبية لدعوة الرئيس هولاند[4]، قبل أن يزور هولاند المملكة في مايو 2015م[5]، في حين حرص الرئيس الحالي ماكرون على زيارة المملكة في نوفمبر 2017، بعد أشهر قليلة من توليه منصبه[6].

التعاون الاقتصادي بين البلدين

وإذا كان “الاقتصاد قاطرة السياسة”، فإن التعاون الاقتصادي بين السعودية وفرنسا في ازدياد مستمر، فالأرقام تكشف أن فرنسا من أهم الشركاء التجاريين مع المملكة خلال 2015م، بنسبة 2.6 في المئة من إجمالي العلاقات التجارية للمملكة حول العالم، لتحل فرنسا كثامن أهم شريك تجاري للسعودية، بقيمة تبادل تجاري بين البلدين بلغت 36.3 مليار ريال (9.7 مليار دولار)، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 373.6 مليار ريال (99.6 مليار دولار) في عشر سنوات، من 2006 حتى 2015[7].

كما يعمل في المملكة نحو 80 شركة فرنسية توظف أكثر من 30 ألف شخص مع نسبة توطين تصل إلى 36%[8]. كذلك يبلغ حجم التبادل التجاري للمنتجات الغذائية بين البلدين حوالي نصف مليار يورو، وحجم التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا يتخطى 8 مليارات يورو وفقًا لتقديرات فرنسية[9]. كما تعد فرنسا ثالث مستثمر في المملكة بمبلغ 15 مليار دولار[10].

تعاون سياسي وعسكري

ولم يقتصر التعاون بين البلدين على الجانب الاقتصادي، إذ تتشارك السعودية وفرنسا في عديد من القضايا التي تحظى باهتمام مشترك بين البلدين، فالمملكة كانت من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية باريس للتغير المناخي[11]. كذلك، وقع البلدان اتفاقية إعفاء متبادل من تأشيرة الإقامة القصيرة للدبلوماسيين بين البلدين[12]. ولا ننسى – أيضًا – التعاون العسكري بين البلدين، حيث أجرت القوات الخاصة السعودية تدريبًا عسكريًا واقعيًا مع نظيرتها الفرنسية في أكتوبر 2016م[13]. كما أجرت القوات البرية السعودية نسخة ثانية من تمرين “الريك2” مع نظيرتها الفرنسية في أكتوبر 2017 للتدريب على العمليات الجبلية[14]. كذلك يتشارك البلدان في مظلة التحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي، وتؤيد فرنسا موقف المملكة في تحالفها العربي ضد ميليشيات الحوثي، وهو ما أكده الرئيس ماكرون في اتصال هاتفي مع خادم الحرمين[15].

محمد بن سلمان.. نهج جديد مع باريس

ولم تكن العلاقات مع فرنسا محط اهتمام خادم الحرمين الشريفين فقط، بل إن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وفي إطار حرصه على توطيد علاقات المملكة بحلفائها، أفرد اهتمامًا خاصًا بالعلاقات السعودية الفرنسية، وهو ما بدأ مبكرًا، منذ كان صاحب السمو وليًا لولي العهد، حيث ترأس في 24 يونيو 2015م، الاجتماع الأول للجنة التنسیقیة الدائمة السعودیة الفرنسیة بالعاصمة الفرنسیة باريس[16]. كما التقى سموه، في ذات اليوم، الرئيس الفرنسي – وقتها – هولاند[17]، ووقعا عددًا من الاتفاقيات المهمة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، مثل توقيع خطاب نوايا بشأن قیام شركة أريفا بدراسة جدوى إطلاق مفاعلین نوويین في المملكة، وتوقیع عقد تزويد حرس الحدود السعودي بـ23 طائرة هليكوبترمن شركة إيرباص، ومذكرة تفاهم بخصوص سرعة تسلیم 50 طائرة إيرباص، منها: 20 طائرة إيرباص 330 الإقلیمیة، و30 طائرة إيرباص 320[18]. كما وقع سموه مع رئیس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس، في الرياض في أكتوبر 2015، عددًا من العقود والاتفاقیات بین المملكة وفرنسا، تجاوزت قيمتها 10 ملیارات يورو[19].

وبعد توليه ولاية العهد، واصل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، المضي قدمًا في توطيد علاقة المملكة بحلفائها، وبالطبع كانت فرنسا محطة مهمة في هذا الطريق، وكانت الطموحات بين البلدين متبادلة. ففي نوفمبر 2017، وخلال زيارة الرئيس ماكرون إلى المملكة، اجتمع ولي العهد السعودي بالرئيس الفرنسي، لاستعراض العلاقات والشراكة الاستراتیجیة القائمة بین البلدين، وبحث الفرص لمواصلة تطوير التعاون الثنائي ضمن رؤية السعودية 2030[20]، وكشفت وسائل إعلام أن الرئیس الفرنسي طلب من ولي العهد الأمیر محمد بن سلمان، خلال الاجتماع، مساعدة مالیة للقوة العسكرية المشتركة بمنطقة الساحل الإفريقي[21]، لمكافحة الجماعات المتطرفة المنتشرة في المثلث الحدودي بین مالي وبوركینا فاسو والنیجر.

الزيارة المرتقبة.. الملفات المطروحة والنتائج المتوقعة

ومن المنتظر أن يتوجه ولي العهد السعودي، إلى فرنسا في 9 و10 أبريل، في زيارة رسمية من أجل عقد شراكة استراتيجية فرنسية سعودية جديدة، وفق ما أعلن قصر الإليزيه، الذي أكد أن فرنسا تأمل في حصول تعاون جديد، يتمحور بشكل أقل حول عقود آنية، وبشكل أكبر حول استثمارات للمستقبل، ولا سيَّما في المجال الرقمي والطاقة المتجددة، مع قيام رؤية مشتركة. وكشفت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي، سيبحثان الأزمات الإقليمية والاستقرار في المنطقة ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى مناقشة بعض شؤون الثقافة والسياحة والاستثمار والتكنولوجيا الحديثة والحرب في اليمن.

ومن المقرر – أيضًا – أن يقوم “الرجل الأساسي بالشرق الأوسط” – حسب وصف صحيفة لوبوان الفرنسية[22]- بزيارة محطة “ستاسيون إف” وهي حاضنة ضخمة لمشاريع الأعمال في جنوب فرنسا، وستحضر وليمة عشاء، مساء الثلاثاء، على شرف ولي العهد السعودي، وفق ما أعلنت – أيضًا – الرئاسة الفرنسية. وستبحث باريس والرياض سبل تسليط الضوء على موقع الحجر (مدائن صالح) المدرج على لائحة اليونسكو للتراث العالمي والواقع في شمال غرب المملكة.

وبنظرة أكثر تفحصًا، يمكن القول أن زيارة ولي العهد السعودي إلى فرنسا، ستكون بداية لعلاقات من نوع خاص بين البلدين، علاقات قوامها تبادل المصالح، والسعي نحو إقرار وجهة نظر مشتركة بين الرياض وباريس في كثير من القضايا الاستراتيجية بالمنطقة. فالنسبة إلى ما يخص مكافحة الإرهاب، يمكن أن نرى تحالفًا ثنائيًا بين البلدين يوجه إلى معقل جديد من معاقل الإرهاب، والحديث هنا عن الجماعات المتطرفة المنتشرة في إفريقيا، سواء بمنطقة الساحل الإفريقي، أو في غرب ووسط إفريقيا، وهو ما لمحت إليه وسائل إعلامية إبان زيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض، بالإضافة – قطعًا – إلى الموقف الجامع بين البلدين فيما يخص الحرب على التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط، إذ إن كلا البلدين يقفان جنبًا إلى جنب في التحالف الدولي المحارب لإرهاب تنظيم الدولة “داعش”.

كذلك، لا يجب – بأي حال – أن نغفل توحيد الجهود السعودية الفرنسية فيما يخص مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة، والترتيب لموقف أكثر توحدًا فيما يخص الحرب في اليمن، التي تقودها السعودية ومن خلفها التحالف العربي ضد إرهاب ميليشيات الحوثي، وهو التحالف الذي حظي بدعم وتأييد فرنسي، يتجدد من حين لآخر، وكان آخر مظاهر هذا التأييد المتجدد، الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفرنسي بخادم الحرمين الشريفين، معلنًا رفضه للممارسات الإرهابية لميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، على خلفية استهداف العاصمة الرياض بصاروخ باليستي.

أيضًا، من المتوقع أن تشمل الزيارة مساعي سعودية للاستفادة من التكنولوجيا والخبرات الفرنسية في مجالات التقنيات والعلوم والثقافة، وهو ما يتوافق مع أعلنت عنه رؤية السعودية 2030، بالإضافة إلى دراسة سبل الاستفادة من خبرات فرنسا في مجالي السياحة والترفيه، اللذين توليهما المملكة اهتمامًا من نوع خاص في الآونة الأخيرة.

إن الجولات الخارجية الأخيرة التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من الملاحظ أنها تختص بعواصم صناعة القرار الغربي، ما يؤكد لدى الجميع أن المملكة ضمن خطتها لسياستها الخارجية، تسعى لتكون طرفًا بارزًا في الموقف الدولي من القضايا العالمية، وتهدف إلى أن تكون الرياض عاصمة نافذة في صياغة القرار الدولي، وليس مجرد عامل مساعد في اتخاذ القرار، وهو التحرك الذي كان ينقص الدول العربية جمعاء في السنوات الأخيرة، بعد أن انكفأت غالبية الدول العربية – ولا سيَّما الكبرى منها – على مشكلاتها الداخلية، وتركت زمام المبادرة لدول إقليمية طامعة في دول المنطقة وترى فيها منطقة نفوذ، أو دويلات تسعى لحجز دور أكبر بكثير من حجمها الحقيقي.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

[1]ولي العهد السعودي يزور فرنسا في 9 و10 أبريل لعقد “شراكة استراتيجية جديدة”. 

[2]العلاقات السعودية مع فرنسا – نبذة تاريخية. 

[3]محادثات خالد وديستان اليوم.. الرئيس الفرنسي يؤكد استعداد بلاده للتعاون مع العرب في كل المجالات.

[4]العلاقات السعودية الفرنسية.. روابط تاريخية وتوافق سياسي وتنمية اقتصادية.

[5]خادم الحرمين الشريفين يعقد جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الفرنسي.

[6]محمد بن سلمان يستقبل ماكرون لدى وصوله الرياض.

[7]التبادل التجاري-  الهيئة العامة للإحصاء.

[8]فرنسا: 15 مليار دولار حجم التبادل التجاري مع السعودية.

[9]8 مليارات يورو حجم التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا. https://bit.ly/2QGDfn3

[10]السفير الفرنسي: فرنسا ثالث مستثمر في المملكة بمبلغ 15 مليار دولار. https://bit.ly/2PpN301

[11]المملكة توقع على اتفاقية باريس للتغير المناخي. https://bit.ly/2G9BriF

[12]بدء تنفيذ اتفاقية الإعفاء المتبادل من “تأشيرة الإقامة القصيرة” للدبلوماسيين بين السعودية وفرنسا. https://bit.ly/2Uv5JPH

[13]تدريب عسكري “واقعي” يجمع القوات الخاصة السعودية ونظيرتها الفرنسية. https://bit.ly/2EmkEXE

[14]القوات السعودية – الفرنسية تختتم النسخة الثانية من تمرين “الريك”. https://bit.ly/2B1OnB5

[15]الرئيس الفرنسي يعرب لخادم الحرمين عن إدانته لاستهداف الحوثيين للرياض. https://bit.ly/2SwYTYe

[16]سمو ولي ولي العهد ووزير الخارجية الفرنسي يرأسان الاجتماع الأول للجنة التنسيقية الدائمة السعودية الفرنسية. https://bit.ly/2rszNhN

[17]الرئيس الفرنسي يلتقي سمو ولي ولي العهد. https://bit.ly/2ElGb2W

[18]محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي يشهدان مراسم توقيع اتفاقيات “مليارية” بين المملكة وفرنسا. https://bit.ly/2G8y2R7

[19]المملكة توقع اتفاقيات بقيمة 10 مليارات يورو مع فرنسا. https://bit.ly/2QJPzmD

[20]ولي العهد يجتمع مع الرئيس الفرنسي ويناقشان مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط. https://bit.ly/2PrTI9X

[21]خلال اجتماعه وولي العهد الخميس الماضي.. الرئيس الفرنسي طلب مساعدة مالية من المملكة. https://bit.ly/2L5GAH5

[22]”ابن سلمان في فرنسا”.. وسط أمنيات بشراكة استراتيجية وتعاون جديد. https://bit.ly/2zOiNHg

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر