الذئاب الرمادية بتركيا.. هل ستكون الوجه الآخر للحرس الثوري الإيراني؟! | مركز سمت للدراسات

الذئاب الرمادية بتركيا.. هل ستكون الوجه الآخر للحرس الثوري الإيراني؟!

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 27 فبراير 2018

يظل الفكر الفاشي، بتنوع مستوياته وتجلياته، مسارًا للظهور، مختلطًا بالصراع السياسي والفكري داخل الدائرة السياسية. ولعل أبرز الأمثلة التاريخية في التاريخ العربي، كانت طائفة الحشاشين، وتلك الأساطير التي حيكت حول هذه الفرقة ودورها في تصفية الخصوم والقضاء عليهم.

طائفة جديدة استطاعت أن تحمل الهوية التركمانية وتنافح بقوة حول النزعة القومية والهوية التركمانية.. فصيل الذئاب الرمادية.

 (أولكورOcakları)

 في عام 1960 تشكلت منظمة قومية تركية بقيادة العقيد ألب أرسلان توركيش، الذي استلهم اسمها من أسطورة قديمة تتحدث عن ذئب، حيث (الذئب يرمز للشرف)، هذه الأسطورة مرتبطة بالأصول العرقية التركية الموجودة في سهول آسيا الوسطى.

توصف الذئاب الرمادية بأنها تمثل القومية المتطرفة والفاشية الجديدة، وأنها “ذراع المتشددين”، باعتبارها الجناح شبه العسكري لحزب الحركة القومية المتطرف.[1]

تنشط الذئاب الرمادية في قطاعات مختلفة كالاقتصاد، والتعليم، والمراكز الثقافية والرياضية، وتمثل الجامعات والكليات بيئة مهمة لنشاط عناصر المنظمة. ولكن سلطتهم الحقيقية وتأثيرهم المباشر، يبدأ من الشوارع، وبين الفقراء الساخطين في مناطق المسلمين السنة. وقد تألفت منظمة الذئاب الرمادية من الشباب التركي حصرًا، وغالبًا من الطلاب، أو المهاجرين الذين تركوا الريف، ونزحوا إلى أكبر مدينتين في تركيا وهما: إسطنبول وأنقرة.

الفكرة العقائدية للذئاب الرمادية

تركز منظمة الذئاب الرمادية في أفكارها على:

* التفوق للعرق والشعب التركي واستعادة أمجاده وتاريخه.

* السعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة تمتد من البلقان إلى آسيا الوسطى، مستلهمين ذلك من تاريخ الدولة العثمانية التي جمعت تحت سلطتها الكثير من الولايات في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

* محاولة دمج الهوية التركية والدين الإسلامي في توليفة واحدة، وهو ما تراه مهيمنًا جدًا في خطاباتهم وأطروحاتهم.

* معاداة القوميات الأخرى كالكردية واليونانية والأرمنية، وباقي المجموعات الدينية كالمسيحيين واليهود.

* معارضة القضية الكردية في تركيا بشتى الوسائل.

النشاط داخل تركيا

كان حتى عام ١٩٨٠، يوجد لدى المنظمة، مئة معسكر للتدريب الفكري والتدريبات شبه العسكرية لعناصرها، وقد بلغ عدد المراكز الفرعية التابعة للمنظمة الأم، ما يقرب من ١٧٠٠ فرع تضم حوالي ٢٠٠ ألف عضو مسجل رسميًا، ومليون من المتعاطفين.

وكانت الذئاب الرمادية، هي القوة الرئيسية المشاركة بأعمال العنف السياسي التي جرت في تركيا، وأصبحت المنظمة بمثابة “فرق الموت” تشارك في عمليات القتل في الشوارع. ووفقًا لتقارير السلطات الأمنية، فإن ٢٢٠ عنصرًا من أعضاء المنظمة اشتركوا في ٦٩٤ جريمة قتل طالت كلاً من: اليساريين، والنشطاء الليبراليين، والمثقفين، والأكراد، والعلويين، وطلاب الجامعات والكليات بشكل خاص. وقد وصف الإعلام التركي، الذئاب الرمادية، بأنها منظمة إرهابية، وأنها قد خرجت من سيطرة الدولة.[2]

الذئاب الرمادية في الشام “سوريا”

نقلت وسائل التواصل الاجتماعي، صورًا لكتائب تحمل أسماء تركية، تعمل بالأخص في أماكن وجود التركمان, وهم يشيرون بإشارة الذئاب الرمادية, وبجانب الأعلام التركية، أو بجانب ضحايا قاموا بقتلهم، بالإضافة إلى تغيير أسماء المدن والقرى التي يسيطرون عليها، مثلاً: جبل تركمان (باير بوجاق)، والراعي (جوبان باي)، وجرابلس (قرقاميش). وبالعودة إلى الأفكار التي يبنون عليها، فهم يعتبرون أن هذه المناطق هي مناطق تركية وليست سورية, ويجب ضمها للدولة القومية التركية.[3]

تورط الذئاب في إسقاط الطائرة الروسية بسيناء  

كذلك ضلعت هذه المنظمة في تنظيم العديد من العمليات, أهمها إسقاط طائرة روسية في سيناء التي تبنتها “داعش”, وظهرت تقارير استخباراتية بأن الذئاب الرمادية – أيضًا – مشتركة في العملية التي راح ضحيتها 245 مدنيًا.

وكما أوضحت الصور والتقارير فيما بعد، أن الشخص الذي قام بقتل الطيار الروسي بعد إسقاط الطائرة، هو ألب أرسلان جيليك، وهو عنصر مخابرات تركي, وسبق أن نقلت مواقع وصور وهو يرمز بيديه لإشارة الذئاب الرمادية، وهو من كان يقود كتيبة في الجيش الحر باسم الفرقة الساحلية الثانية، بالإضافة إلى عمليات واغتيالات سابقة في اليونان وقبرص والصين وفرنسا وألمانيا.[4]

على أثر هذا، طالبت السلطات الروسية نظيرتها التركية تسليم “ألب أرسلان” الذي اعترف بجريمة قتل الطيار الروسي، فيما تتذرع حكومة أردوغان بعدم وجود ارتباط بينها وبين “الذئاب الرمادية”، فيما يقترح عدد من أعضاء مجلس الدوما الروسي، وعدد من أعضاء الحزب الشيوعي، بحل المنظمة في روسيا وتصنيفها إرهابية.[5]

نشاط الذئاب الرمادية خارج الأراضي التركية[6]

  • أذربيجان

في عام ١٩٩٣ أسس وزير الداخلية الأذربيجاني حميدوف، الحزب الوطني الديمقراطي، الذي كان يعرف باسم بوز كورتلار (الذئاب الرمادية)، وتعتبر نفسها فرعًا من الذئاب الرمادية التركية، ولقد نفى حميدوف في مقابلات عديدة أن تكون “الذئاب الرمادية الأذربيجانية تابعة للمجموعة التركية”.

  • الصين (شينجيانغ)

تدعم الذئاب الرمادية التركية، حركة استقلال تركستان الشرقية في جمهورية الصين، ولقد أقامت معسكرات تدريب في آسيا الوسطى للشباب الأويغور (الصينيين ذوي الأصول التركية)، ويتركز معظمهم في إقليم شينجيانغ غرب الصين، ولقد اعتبرتها الصين من المنظمات الإرهابية الرئيسية.

  • قبرص

في أعقاب الغزو التركي لشمال قبرص في عام ١٩٧٤، لعبت الذئاب الرمادية، دورًا مهمًا في جعل النزاع مع القبارصة اليونانيين أكثر تطرفًا من خلال الانخراط في أعمال عنف في الجزيرة، وشاركت بدعم من الدولة في إرهاب المواطنين القبارصة. وفي عام ١٩٩٦ قُتل صحفي من القبارصة الأتراك على يد الذئاب الرمادية بعد انتقاده لـ”دنكتاش” وسياساته.

  • روسيا

وفي نوفمبر عام ٢٠١٥، اقترح عدد من أعضاء مجلس الاتحاد وعدد من أعضاء الحزب الشيوعي في مجلس الدوما، بحظر منظمة الذئاب الرمادية في روسيا.

  • شبه جزيرة القرم

في ديسمبر عام ٢٠١٥ ذكرت تقارير صحفية عن بدء تعاون بين تتار القرم القوميين ومنظمة الذئاب الرمادية. ولقد أسست وجودًا لها في جنوب أوكرانيا.

الباشبوغ ألب أرسلان توركيش بابا.. قائد قطيع الذئاب

كان لزامًا لحيادية البحث الفكري والمعرفي، إلقاء الضوء على مؤسس المدرسة الفكرية والمجمع للذئاب الرمادية، صاحب شعار اليد المضمومة مع فرد السبابة مع الإبهام في حركة تعبيرية تشي وتوحي برأس الذئب، ألب أرسلان، والمشهور في الأدبيات التركية بلفظ “الباشبوغ بابا”.

الشباب التركي يحتفظ بعبارات للرجل، الذي له في تاريخ حياته، العديد من الأفكار والرؤى التي جعلته رمزًا يلتف حوله المئات من الشباب حاملي شعار القومية التركية، يقول الرجل في كتاب له بعنوان (الأنوار التسعة): “أجل، فالهدف هو الوصول إلى وحدة الأتراك في العالم، وأن السعادة لن تكون كاملة إذا لم يتم منح الحرية لكل تركي يعيش على وجه الأرض”.

بصُر ألب أرسلان توركيش، النور في عام 1917 في قبرص، وأنهى المدرسة العسكرية في 1936 وتدرج في الدراسات العسكرية حتى تخرج عام 1948 في الأكاديمية الحربية. شارك في دورات عديدة عسكرية وغيرها في الولايات المتحدة الأميركية وبلدان أخرى، ونال الاختصاص في الذرة النووية من ألمانيا الاتحادية في سنة 1959.[7]

قطيع الذئاب الرمادية يغزو الألفية الجديدة.. ومراقبون يصفونه بالذراع العسكري لأردوغان

لقد رصدت وزارة الداخلية المحلية، في ولاية شمال الراين – ويستفاليا الألمانية في منتصف عام 2017م، صلات بين جماعة تتبنى مواقف قومية تركية متطرفة، وحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، والقضاء التركي والدائرة المحيطة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأفاد متحدث باسم الوزارة، في بيان أن الجماعة التي تدعى “أوسمانن جيرمانيا” تنظيم شبيه بعصابات الدراجات البخارية، ويتبنى مواقف قومية تركية ويمينية متطرفة، مضيفًا أن هذه الجماعة على صلة بنظام أردوغان. وأوضح المتحدث، أن هناك صورًا على الإنترنت تثبت وجود اتصالات شخصية لأعضاء قياديين في الجماعة، التي نمت على نحو سريع في ولاية شمال الراين – ويستفاليا غربي ألمانيا، مع ممثلين من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والقضاء التركي. وهو ما يؤيد فكرة تبني أردوغان لتنظيم الذئاب الرمادية واحتسابه الذراع العسكري والميليشيات لحزب العدالة التركي.[8]

ميرال أكشينار .. “سيدة تركيا الحديدية” تحالفت مع “الذئاب الرمادية”  

وذكرت العديد من الصحف العالمية عن تنسيق تمَّ بين النائبة السابقة عن حزب الحركة القومية اليميني ميرال أكشينار، التي تقود هذا الحزب، وبين فصيل الذئاب الرمادية، وقد لجأت إلى هذه الخطوة بعد أن باء بالفشل كل مساعيها، في عقد مؤتمر لحزب الحركة القومية وانتخاب زعيم جديد له، بدلاً من الزعيم الحالي الطاعن في السن، دولت بهتشلي.

التحالف تزامن مع نهاية عام 2017م، وتمَّ نتيجة التوافق الإيديولوجي بين الحزب الذي يتبنى الفكر التركماني القومي، وبين الفصيل الذي ينتهج نفس العقيدة الفكرية. تولت أكشينار منصب وزيرة الداخلية عام 1996، وشاركت في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا أنها تركت الحزب قائلة إنه مجرد امتداد لحزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان، حسب ما قالت وقتها، وانضمت إلى حزب الحركة القومية لاحقًا. وبسبب معارضتها لنهج زعيم الحزب في تأييد أردوغان، تمَّ طردها من الحزب عام 2016. وهو ما يوحي بوجود قوي للفصيل الرمادي داخل الساحة السياسية بالأراضي التركية.[9]

الذئاب الرمادية والدارونية الاجتماعية

هل تمثل حركة أو فصيل الذئاب الرمادية، ذراعًا عمليًا لفلسفة الاجتماع التطورية التي استمدت جذورها من عالم التطور دارون؟

تأثرت المدرسة التطورية، بشكل مباشر، بالنظرية العلمية للعالم البريطاني الطبيعي (تشارلز دارون/ 1809م/ 1882)، التي اعتمد عليها “كونت” في رؤيته التاريخية والاجتماعية في مراحل تطور المجتمع الثلاث المعروفة عنده، والتي هي – أيضًا – المدرسة التي انطلق من خلالها “كارل ماركس” في رؤيته التاريخية والاجتماعية القائمة على مبدأ أو قانون الصراع الداخلي الذي ينتج وضعًا أكثر تطورًا في عملية حركته الاجتماعية.[10]

أهم الإشكاليات التي واجهت هذه المدرسة، هي أنها مدرسة تحاول نقل مفاهيم “الصراع والبقاء للأقوى و….إلخ”، من حيزها الطبيعي إلى الحيز الاجتماعي، لتطرح فكرًا اجتماعيًا فيه من الخطورة بحيث إنه قادر على صناعة “الحروب والإبادات الاجتماعية” تحت مسمى “حتمية الصراع والبقاء للأصلح” من الطبقات الاجتماعية التي تحمل جينات ومواصفات القدرة على الاستمرار والتطور. والواقع أن هناك – بالفعل – من علماء الاجتماع الغربيين، من تحدث بلغة “صراع الطبقات العليا والطبقات الدنيا”، من مثل “وليام جراهام سومنر” الذي ينتمي – أيضًا – إلى المدرسة “الداروينية” الاجتماعية التي أسس لها أولاً (سبنسر/ 1820م/ 1903م) صاحب النظرية التطورية. لكن الداروينية الطبيعية أغرت “سومنر” كثيرًا، حتى دفعته للحديث عن”امتياز الطبقات العليا على الطبقات الدنيا الاجتماعية على أساس التباين للقانون الطبيعي الذي يحفظ البقاء للأصلح”. وهي مدرسة فلسفية تقوم على الصراع والتنافس بين الأجناس البشرية بهدف فكرة البقاء للأصلح.[11]

المجتمع الغربي وتجريم الذئاب الرمادية  

ينظر المجتمع الغربي إلى تكوين أو تنظيم الذئاب الرمادية، نظرة إعادة إنتاج للنازية الجديدة التي تنتصر للعنصر التركي وتتحيز له. وعلى الرغم من تبني بعض الشباب الأتراك لفكرة الدمج بين الهوية الإسلامية والجنس التركي، على اعتبار أن الباب العالي والخلافة العثمانية هي إعادة إنتاج للمجد الإسلامي، لكن الطرح يبدو من أكثر من زاوية، طرحًا غير موضوعي؛ كون فصيل الذئاب الرمادية، قد يناقض الأكراد وبعض السلالات البشرية الأخرى، وهو ما يقوم عليه جوهر الصراع.

كانت الأحداث التي شاركت فيها الذئاب الرمادية، وبدت فيها بصورة جلية في نطاق دولتي قبرص واليونان في أوروبا، والصين، وبعض دول آسيا  الوسطى، على أساس الرابط العرقي بين الذئاب وقضاياها في تلك المنطقة. وحتى وجودهم في الشمال السوري، كان يعود إلى فكرة الجنس البشري التركماني، وهو ما يطرح تساؤلاً غاية في الأهمية وهو: “هل تشكل الذئاب الرمادية تهديدًا للأمن القومي العربي؟

إن نظرة الذئاب الرمادية، كتكوين فكري، تجرم الهوية العربية والذات العربية، فهي تراها ذاتًا مهزومة تخلت عن خلافة الدولة العثمانية، وتنمرت عليها. لذا، فإن فصيل الذئاب الرمادية، ينظر بخصومة إلى مواطني الدول العربية، لكنها خصومة غير مفعلة. ولكن، هل سيطول هذا الخمول، أم أن هذه الخصومة ربَّما تتفاعل يومًا وتنشط الذئاب الرمادية في بلدان العرب، ويكون لها نشاط مثلما حدث في شمال الصين وقبرص واليونان والشيشان؟

ربَّما، وهو احتمال قائم وسيناريو تنبئ أن تعيد القادة توجهات الأفراد. فإذا نظرنا في الجانب السيكولوجي لسلوك الذئب، فهو لا يهاجم منفردًا، بل يهاجم في جماعات. ومن ثم، فإن قادة القطعان هم المتحكمين في السلوك العدواني للذئاب الشابة والصغيرة، وهو أمر ستكشف عنه الأيام القادمة شريطة أن نضع أمام أعيننا تورط أحد الذئاب في تصفية الطيار الروسي على أرض سيناء بمصر، وهو ما ينذر بأن قطيع الذئاب قد تسلل إلى بلدان العرب .. لكن الأيام القادمة وحدها هي التي ستكشف عن سيكولوجية الذئاب ومكان فريستهم الجديدة.

هل تعتبر الذئاب الرمادية التركية وجهًا آخر للحرس الثوري الإيراني؟  

مما لا شك فيه، أن الانقلاب العسكري الأخير، الذي قامت به بعض القيادات العسكرية، ضد رجب طيب أردوغان، والذي باء بالفشل وتعرية الجنود في شوارع إسطنبول وجلدهم وتجريمهم، يعطي للمراقبين ضوءًا شديد الوضوح على أن هناك مركز قوة تعتمد عليه حكومة رجب طيب أردوغان في تعاملها مع بعض الأزمات التي تتطلب بعض التدخل العنيف من أجل حماية سلطة الحكم.

ربَّما تكون ورقة اللعب، غير معلنة أمام الحشود من الجماهير، لكنها ورقة شديدة الفاعلية والأثر، وربَّما تكون هذه الورقة، التي لم تعلن في تصفية خصوم أردوغان، هي ورقة ذئاب تركية الرمادية.

إن محاولة تحليل الموقف السياسي لأحد كوادر العمل العام في أي دولة وداخل أي نطاق، تتطلب – بالضرورة – العودة إلى المرجعية الفكرية للشخص، وهو ما يعطي مؤشرًا للتعامل مع سلوكه الانفعالي تجاه بعض المواقف والأزمات.

بيد أن السؤال المنطقي الآن هو: “ما توجه أو إيديولوجيا رجب طيب أردوغان، التي من خلالها يمكن فهم وقراءة سلوكه السياسي داخل حقل السلطة؟”

لقد أعلنها بشكل مباشر أو غير مباشر، رئيس الوزراء التركي، أنه ينتمي إلى فصيل الإخوان المسلمين، وربَّما توجد العديد من التحفظات حول تصريح أردوغان المعلن وغير المعلن، وربَّما لا يمكن البتُّ حتى عقب رفع أردوغان لشعار الإخوان بعلامة “رابعة”، أنه ينتمي – بشكل كلي – إلى الفصيل السياسي للإخوان المسلمين.

المراقب للوضع، يرصد أن أردوغان استطاع أن يطبق بحرفية ماهرة، ما ورد في كتاب (الأمير) لميكافيللي، عبر استخدامه لكافة الأشكال والأنماط من أجل النفعية فقط. فمن المبهر في الأمر، أن يكون صاحب التوجه الإسلامي، كما يدعي هو، من أفضل أصدقاء الكيان الإسرائيلي، وأكبر حلفائها عسكريًا.

ربَّما يتفق أردوغان مع تيار الإخوان المسلمين في فكرة الجناح العسكري للجماعة. وهو ما يعيد للذاكرة، التزامن التاريخي لحركة الاغتيالات السياسية التي قام بها فصيل الإخوان، وتأسيس فرقة الموت التركية، أو الذئاب الرمادية.

فبعد إقدامه على حل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948، اغتيل رئيس الوزراء المصري، محمود فهمي النقراشي، في 28 ديسمبر 1948 في القاهرة، حيث قام القاتل المنتمي إلى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين. وكان القاتل متخفيًا في زي أحد ضباط الشرطة، بتحية النقراشي حينما همَّ بركوب المصعد، ثم أفرغ ثلاث رصاصات في ظهره. لاحظ أن تأسيس فصيل الذئاب الرمادية، جاء في المراجع التاريخية في عام 1960، أي بفاصل زمني 12 عامًا فقط، وهو ما يرجح فكرة التأثير والتأثر. كما أنه يمكن من خلال الاستشهاد التاريخي، معرفة أسلوب التصفية الجسدية القائم على فكرة الحيلة والقتل من الخلف، وهي صفة غير مستحبة في الشخصية الإنسانية حيث توحي بالخسة.

رغم الوداعة التي يظهر بها الرئيس التركي، إلا أن خطوط الوجه، أثناء أي انفعال، يداهم شخص أردوغان، ويبرز ملمحًا فيه شراسة من النوع المكظوم والخفي، وهو ما تبين خلال معركته الأخيرة مع خصومه، عقب انقلابهم الذي باء بالفشل، لأسباب لا تزال خفية، وتفتقد تحليلاً منطقيًا وعقليًا.

 

هل تلعب الذئاب الرمادية دورًا في تحقيق مطامع أردوغان؟

إذا اتفقنا أن اللاعب على منضدة العمل السياسي، يستخدم كل الأوراق، ولا يجد غضاضة في إخراج كارت من جعبته، فمن المعلوم أن معركة أردوغان الحالية والقادمة من أجل دستور الدولة التركية، وتحويلها لدولة تقوم على النمط الرئاسي، ويصبح لرئيس الدولة صلاحيات السلطة، فمن الوارد أن تكون للذئاب الرمادية دور داخل التخوم التركية.

لا يمكن للعاقل أن يفتح على عرينه جبهتين، إحداهما في الداخل، والأخرى في الخارج. فعلى الرغم من وجود الفصيل الفاشي – الذئاب الرمادية – داخل الأراضي السورية لتحقيق بعض مطامع السلطة التي يطمح إليها أردوغان، فإن كل الطاقات ستوجه لتحقيق نصر على معركة أردوغان داخل الأراضي التركية، وبخاصة أن المنافسة والمعركة هذه المرة، ستكون قوية على غير العادة.

لكن يبقى كارت الذئاب الرمادية، هو الكارت الذي تحركه أصابع أردوغان من خلف الكواليس. وإذا كان المشهد التاريخي المصري، عقب اغتيال النقراشي رئيس الوزراء، على يد أحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين، دفع بمؤسس الجماعة، حسن البنا، لأن يخرج بتصريح لا تزال تحفظه الذاكرة الإنسانية، وهو “ليسوا إخوانًا وليسوا بمسلمين”، فمن المتوقع أن نجد رجب طيب أردوغان، بعد إحدى عمليات الذئاب الرمادية، أن يخرج ويعلن تبرؤه من الفعل والفاعل .. لكننا أمام شخص أجاد فهم وقراءة وتحليل وتطبيق الفلسفة الميكافيلية، بعيدًا عن منطق الأخلاق والمبدأ الواحد.

وعودة مرة أخرى للسؤال المطروح سلفًا: هل تعتبر الذئاب الرمادية وجهًا آخر للحرس الثوري داخل الأراضي التركية؟ لا يمكن البتُّ في أنها تحمل نفس التوجهات من أجل فكرة أو عقيدة؛ كون حركة الذئاب فصيلاً فاشيًا يحمل هوية ونزعة قومية تتحيز للعرق دون تحيز للحفاظ على السلطة، وفق الدستور، كما هو معروف داخل عقيدة الحرس الثوري الإيراني.

من الممكن أن تكون فاشية الذئاب الرمادية، ورقة رابحة فقط في يد من يديرها لأجل منفعته الشخصية، والأرجح من أجل الحفاظ على سلطة الفرد، لا سلطة الدستور، وهو ما تجيب عنه الأيام القادمة.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

[1] منظمة الذئاب الرمادية ـ التعريف والأفكار، أحمد حبيب السماوي، المركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

[1] Atkins, Stephen E. (2004). “Grey Wolves (Turkey)”. Encyclopedia of Modern Worldwide Extremists and Extremist Groups. Westport, Connecticut: Greenwood Press. pp. 110–111.

[1] الذئاب الرمادية التركية وصلت جرابلس فمن هم؟، محمد مير سعادة، سبتمبر 2016م.

[1] المصدر السابق.

[1] اليوم السابع، الذئاب الرمادية ذراع أردوغان العسكري، أحمد جمعة، مايو 2017م.

[1] ransnational Politics: The Case of Turks and Kurds in Germany. London: Routledge. pp. 51–52. ،Humer, Stephan (5 June 2015). “Turkish elections: Turkey’s Kurd-hating Grey Wolves spreading neo-nazi poison across Europe”.

[1] نبذة تاريخية عن حزب الحركة القومية،

[1] اليوم السابع: بشهادة الألمان.. أردوغان الأب الروحي للإرهاب في الشرق الأوسط.

[1] الأهرام المصرية: ميرال أكشينار .. “سيدة تركيا الحديدية” تحالفت مع “الذئاب الرمادية” وتتحدى أردوغان بحزب “الخير”.

[1] الداروينية الاجتماعية.. نشأتها، إشكالياتها، أهميتها، حميد الشاكر، مركز النور للدراسات الأنثربيولوجية.

[1]  المصدر السابق.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر