سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بالتزامن مع إتمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 20 من يناير (كانون الثاني) الحالي، عامه الأول في البيت الأبيض، صدر كتاب جديد للصحافي الأميركي مايكل وولف يروي فيه ما وصفه بالأسرار التي يكشف عنها لأول مرة فيما يتعلق بالرئيس الأميركي وأسرته، وكذلك علاقاته الخاصة والعامة، وما يجري في أروقة البيت الأبيض خلال عام شهد تغييرات كبيرة في سياسة الولايات المتحدة داخليًا وخارجيًا.
صدر الكتاب بعنوان “النار والغضب: داخل بيت ترمب الأبيض” في اقتباس على ما يبدو من تهديد ترمب لكوريا الشمالية بـ”الغضب والنار”، الذي تعرض لتهديدات قانونية من قبل البيت الأبيض، ويغطي الكتاب مساحاتٍ واسعة، من بينها زعم الدائرة الداخلية لترمب أن الرؤساء الثلاثة للولايات المتحدة قد “أساؤوا فهم الشرق الأوسط بالكامل”.
فمنذ صدوره، ولا حديث في معظم وسائل الإعلام العالمية، إلا عن كتاب “النار والغضب” الذي ألفه الكاتب الصحافي الأميركي المعروف مايكل وولف، ويتضمن الكتاب – بحسب ما يروّج له – أسرارًا جديدة ومعلومات غير مسبوقة عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته في البيت الأبيض، تشمل الفترة الانتقالية قبل دخوله البيت الأبيض والسنة الأولى للحكم له.
لم يصاحب الكتاب تأثير على السياسات الداخلية والخارجية لإدارة ترمب حتى اللحظة، رغم الزوبعة الإعلامية التي أحدثها، ولم تتخطَ المدى الاجتماعي، ولا نظن أن كتابًا أو تسريبًا يمكن أن يكشف أسرارًا شخصية عن رئيس دولة عظمى، ولو تمَّ الترويج له ونشره بالمجان في حملة إعلامية عالمية.
كان كتاب وولف مُتوقَّعًا بشكل كبير؛ لأنَّه استطاع التواصل على نطاقٍ واسع مع الجناح الغربي في البيت الأبيض، وادعى أنه أجرى نحو مئتي حوار صحفي، وتضمن الحديث عن حملته الانتخابية، بداية من عدم توقع أحد من مؤيدي ترمب بقدراته على هزيمة هيلاري كلينتون، بل كان من المُتوقَّع أن يستغل هزيمته لزيادة ثروته، وشهرته، وهنا نقل الكاتب عن مايكل فلين، مستشار الأمن القومي أنَّه قال لأصدقائه، إنَّه تلقي 45 ألف دولار أميركي من الروس مقابل إلقاء خطاب ما “لن يمثل أي مشكلة إلا إذا فزنا”، ومن العجيب مما تناوله الكتاب رواية أن ميلانيا ترمب من بين أولئك الذين اعتقدوا أنَّ زوجها لن يفوز، وفي ليلة الانتخابات كانت “تبكي، لكنَّها لم تكن تزرف دموع الفرح”، متطرقًا إلى الحديث بأن للرئيس وزوجته الثالثة غرفتي نومٍ منفصلتين.
وقال وولف في كتابه، إن يوم التنصيب، شهد مشاجرة بين ترمب وزوجته، التي كانت على وشك البكاء وتنوي العودة إلى نيويورك، وبمبالغة واضحة يصف وولف طريقة ترمب المزعومة في إغواء النساء المتزوجات: كان يستجوب أزواجهن بشأن الخيانة، ويغويهم بـ”فتياتٍ قادمات من لوس أنجلوس في الساعة الثالثة”، بينما يضع زوجاتهم على مكبر الصوت، ويستطرد في وصف غرفة نوم ترمب التي صارت تحتوي على ثلاث شاشات تلفزيون، بإصرار منه.
كما تناول الكتاب وقت تناول ترمب للعشاء ومن كان يرافقه، وأين كان يستلقي للراحة، واعتياده على أكل البرجر بالجبن، ومع من كان يتواصل، ومناقشاته مع الأصدقاء ومشاجراته مع طاقم التدبير المنزلي بسبب فرشاة أسنانه، ورفع قميصه، ومواعيد تغيير ملاءات السرير، وحرب بانون ــ كوشنر حول مفاوضات السلام وقضية القدس، وتركيا، وكراهيته لإيران، وعلاقة البيت الأبيض بمنطقة الشرق الأوسط، وكيف خلص ترمب إلى الهجوم على سوريا، وحظر سفر المسلمين، وغيرها من التفاصيل التي لا طائل من ورائها، سوى رفع مبيعات الكتاب، بجانب تلك التعليقات الصادرة من ترمب وبعض أعضاء إدارته على الكتاب والسخرية منه و”تحقيره” لكل ما ورد فيه، ما جعل منه فورًا الكتاب الأكثر مبيعًا. ومن دون أدنى مبالغة نفدت كل النسخ المخصصة للبيع من الكتاب في جميع منافذ البيع فورًا، ليتصدر قوائم البيع كافة.
كما ذكر وولف في كتابه، تفاصيل دقيقة عن المحاولات الفاشلة لاطلاع ترمب على السياسة المحلية أو الأجنبية، أو حتى أساسيات الدستور الأميركي، وخصص أيضًا جزءًا للسخرية من تصفيفة شعر ترمب الشهيرة، وأن ابنته إيفانكا اعتادت وصف الطريقة التي أصبح بها شعر دونالد ترمب على هذه الشاكلة لأصدقائها، بأن رأسه به رقعة خالية من الشعر تمامًا تحيطها دائرة من الشعر تشبه الفراء من جانبي الرأس ومقدمته، وتجتمع نهاياتها ببعض ناحية المركز، ثم تُصفف إلى الخلف، وتُثبَّت بمثبتات الشعر. أمَّا اللون الذي وصفته إيفانكا بأنَّه مضحك، فهو نتيجة استعمال منتج يُدعى Just for Menيغمق لونه كلما تُرك على الرأس.
وفي إحدى فقرات الكتاب زعم تشكيك معظم مساعدي البيت الأبيض، وحتى أفراد الأسرة الحاكمة، في قدرة ترمب، البالغ من العمر 71 عامًا، على تأدية عمله، فزعم أنَّ ترمب – مثلاً – لم يستطع التعرف على جون بينر، رئيس مجلس النواب الأميركي السابق، عندما رُشِّح لمنصب رئيس الأركان. يكتب وولف أيضًا أنَّ الرئيس يكرر نفسه باستمرار، بالأخص بشأن ما يقوله عنه مذيعو الأخبار في ذلك اليوم.
وأُثير داخل أروقة الكتاب، فصل يخص روسيا، وكان بانون هو المصدر الرئيسي لوولف فيما كتبه بشأن كيفية تجاوب البيت الأبيض مع قرار ترمب بإقالة جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، من منصبه – الذي يقول إنَّه صدر بإيعازٍ من إيفانكا وكوشنر- وتعيين روبرت مولر، المُحقِّق الخاص، بدلاً منه، ويشير أيضًا إلى أنَّ ترمب لم يفهم قط المشكلات التي ورَّطَ نفسه فيها بشأن روسيا، ويدعي أنَّ تهم غسيل الأموال، كالتي نفاها مانافورت، هي ما سيزيد من سوء موقفه في تحقيق مولر، الذي – ربَّما – يمتد ليشمل دويتشه بنك، وإمبراطورية كوشنر من العقارات.
ومن القضايا المطروحة داخل الكتاب، ما يدور خلف الكواليس في البيت الأبيض، ما نقله وولف عن روجر آيلز، الرئيس التنفيذي السابق لقناة فوكس نيوز قوله لترمب: “يجب أن تهتم بقضية روسيا. أنت تحتاج إلى أخذ هذا على محمل الجد يا دونالد”، وردَّ ترمب بأنَّ “جاريد يتولى مسؤولية ذلك. كل شيء على ما يرام”.
وزاد الحديث عن الجمهوريين، ومحاولات السيطرة على ترمب، من قبل شون سبايسر، السكرتير الصحفي السابق للبيت الأبيض، والمساعدين المُقرَّبين في طيارة الرئيس، وحلفاء ترمب، كريس كريستي، حاكم نيوجيرسي، ورودي جولياني، عمدة نيويورك السابق، اللذين رغبا في مناصب كبرى بالإدارة، لكنَّه رفض طلب كلٍّ منهما.
وعن النزاعات الداخلية، كتب وولف عن رد ترمب على ميلر أحد أهم أسباب سخرية الموظفين بشأن صحته العقلية، ونُقل عن الرئيس نفسه سخريته من جميع مَن حوله، بمن فيهم ابناه – اللذان يلقبهما موظفو البيت الأبيض بـ”عدي وقصي” على أسماء ذرية صدام حسين- وابنته، وقد أصبح هناك الآن قدر لا بأس به من الضحك المتواري حول الأسماء التي يدعو بها الموظفون ترمب.
ويبدو أن جزءًا كبيرًا من حقيقة الكتاب ظهر في رد فعل بعض ممن تناول الكتاب أسماءهم، بداية من ترمب، الذي قال إن الكتاب “مليء بالأكاذيب”، ونفى أي تواطؤ بين حملته الانتخابية والروس. وهنا تجدر الإشارة إلى ستيف بانون، المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تراجع عن وصفه لنجل ترمب بأنه “خائن”، في الكتاب. ففي بيان نشره موقع أكسيوس الإخباري، وصف بانون ترمب الابن بأنه “رجل وطني وصالح”، ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قال أيضًا إنه لم يشكك أبدًا في صحة الرئيس دونالد ترمب العقلية، تعقيبًا منه على ما صدر في الكتاب، بل زاد في تعقيبه بوصف ترمب بأنه “نموذج مختلف عن رؤساء الماضي، ولهذا السبب اختاره الشعب الأميركي”.
وأخيرًا، نرى أن الكتاب مليء بخيالات الصحف الصفراء وروايات زائفة ومضللة، وأن مؤلفه لم يتوقف عند حدود نقل معلومات غير صحيحة أو مفبركة، بل استخدم أساليب ومنهجيات وطرقًا للتحايل الذكي أو التحايل الخبيث، تنتهجه المؤسسات الإعلامية والثقافية المتمترسة خلف شعارات الشفافية ونقل الحقيقة، على طريقة المثل الإنجليزي الشهير “الشياطين تكمن في التفاصيل”، ومن أراد أن يفهم العقل الذي ألف الكتاب، فعليه أن يتوقف عند تفاصيل التضليل بالإغراق، والتجاهل، والنقد الذاتي، وفي السياق، وزوايا الرواية، وفي المصطلحات، والاختزال، والافتعال، والمبالغة في القدح، والتفريغ، والتكرار والتعميم، وأخيرًا التضليل في التمثيل، ليتسنى لنا وصفه بالكتابة على صراط الضالين.
وإجمالًا، اعتدنا أن نشاهد في كل حقبة رئاسية في أميركا، “كتابًا” يثير الزوابع للرئيس، ويروج أنه كاشف للأسرار بشدة من الخصوم بأنه نهاية الرئيس السياسية لما يحتويه من فضائح ومخالفات دستورية وتجاوزات غير مسبوقة، لدرجة “تخوينه” صراحة.
وحدة الرصد والمتابعة *
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر