سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سمية الطخيس
ما زالت الصور النمطية تحتل جزءًا كبيرًا من الثقافة اليومية. وما زال الكثير من الناس يشاركون هذه الأفكار المسبقة والأحكام بعدة طرق، مثل النكت والصور والتعليقات على الأحداث بصورة بدائية قد تصل إلى الابتذال أو التنمر في الغالب، تجعلك تستغرب إن كان هذا الشخص يؤمن بما ينشر، أو أنه ينشر لأجل النشر لا المحتوى؟!
الصور النمطية الجندرية gender stereotyping تعتبر نوعًا من أنواع التمييز، وهي أحد محتويات الصور النمطية التي تستخدم كمادة دسمة لإثراء النكات والصور التي تعطي حكمًا مسبقًا وتصورًا مغلوطًا عن جندر (جنس) معين وتختصره بعدة صفات، والتي عادة ما تكون سيئة، وليست حقيقية في المجمل.
في علم الاجتماع، آن أوكلي (1972م) في كتابها “الجنس والنوع والمجتمع”، أدخلت مصطلح “gender”، أو النوع الاجتماعي ووضحت الفرق بينه وبين “sex” أو الجنس بإشارتها إلى أن كلمة “جنس” تشير إلى التقسيم البيولوجي والفسيولوجي بين الذكر والأنثى بالصورة التي ولدا بها; بينما يشير النوع الاجتماعي “جندر” إلى التقسيمات المتشكلة اجتماعيًا، مثل الأدوار والسلوكيات التي ترجع إلى الخصائص المتعلقة بالرجال والنساء في الثقافات المختلفة.
لسنا بصدد الحديث عن الأنماط الفسيولوجية بين الجنسين، فذلك موضوع آخر. الحديث هنا يصب بشكل رئيسي على تنميط صفة معينة، وجعلها مختصة بجنس معين وإعادة التركيز عليها – سواء بشكل جدي أو هزلي – بأنها صحيحة دائمًا، وما سواها صفة منفردة وغير واردة.
التنميط يقوم على تصورات لا منطقية لجندر (جنس) معين ويرسخها ويبني عليها أفكارًا لا تختلف عن الأحافير التي يصعب تفكيكها. إلا أن الأولى يُبنى عليها مجموعة نظم من التعاملات الإنسانية القائمة على اللامنطقية، التي تكون في الغالب غير منصفة.
تنميط بعض الصفات السيئة بأنها تخص جندرًا معينًا، يجعل من ذلك تسطيحًا لماهية الإنسان كونه كائنًا مليئًا بالصفات والتعقيدات التي لا يمكن تلخيصها أو حصرها بعدة صفات سيئة تشمل جنسه أجمع.
قد نتفق على مضض أن هذه الصور النمطية المنتشرة بكثرة – ربَّما – كانت تصوّر شيئًا من الحقيقة في وقتٍ سابق، حيث كانت التعاملات مع الجنس الآخر أو معرفة شخصيته بشكل طبيعي، شبه معدومة، فيلجأ الشخص لتخمينات صفات الجنس الآخر من تعاملات مسبقة من نفس الجنس ويعممها عليه. وتصبح هذه الصور النمطية هي السائدة في المجتمع.
الغريب في الأمر، أن هذه الصور ليست مادة تستحق الحديث عنها بكثرة، أو إعادة تغريدها، أو نشرها على منصات التواصل الاجتماعي وتداولها بين الناس. هذه التنميطات قد أكل الدهر عليها وشرب؛ مما يجعلني أستعجب مع كل هذه التقنية وسهولة التواصل بين أشخاص مختلفين وأنماط سلوكية مختلفة، أنه لا تزال توجد مثل هذه الصور؟!
أتفهم قليلًا لو أن ما يحدث – حاليًا – كان في بداية التسعينيات لندرة وجود التكنولوجيا بشكل واسع، ولصعوبة التواصل والتفاهم ومعرفة أشخاص من الجنس الآخر، وتغيير الصور الراسخة في أذهاننا عنهم. التقنية الآن موجودة في كل مكان ومع كل شخص، وواسعة الانتشار، وسهولة استخدامها تتيح لأي شخص التعرف على أشخاص مختلفين لا بدَّ أن يغيروا ما تمَّ ترسيخنا إياه في السابق.
هل فكر هؤلاء الأشخاص لثوانٍ قليلة قبل نشر أي محتوى يتركز على هذه التصورات السلبية؟ هل يُعتقد أن المُستقبل لهذا المحتوى – لنقل شاب صغير ما زال في طور تشكيل صورته عن العالم – سينظر لهذا المحتوى أنه ترفيهي فقط؟ سيكبر هذا الشاب ويصبح رجلاً يرى العالم من منظور الصور التي تمَّ ترسيخها في ذهنه بعدة أشكال وطرق، وبشكل يومي، في الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي البيت، أنه ما يتم نشره هو واقع وحقيقي ولا يوجد مجال للتشكيك فيه.
تشير كثير من الدراسات النفسية إلى أن إعادة ترسيخ أي صورة، أو نمط حياة، أو نوع سلوك معين لمده طويلة، يجعلك تؤمن بهذه الصورة وتتبناها ويصل بك إلى أن تدافع عنها. لنتخيل أن الصورة المُرسخة صورة سيئة، فسيكون من المتوقع أنها ستشكل انطباعًا ذهنيًا عن ذلك الشيء المُرسّخ، ويتم التعامل مع الأشياء المؤثرة عليه بهذا الأساس. أي أن الموضوع ليس كما يعتقد ناشرو هذه الصور بأنها تستخدم بشكل ترفيهي وغير جدي وليست لها جوانب سلبية.
إضافة إلى ذلك، تؤثر الصور النمطية على العلاقة بين الجنسين بشكل رئيسي. لن ينشأ مجتمع صحي بوجود تسطيح لجنس كامل واختصاره في عدة صور نمطية ليست صحيحة. جميع سمات البشر الشخصية مكتسبة، سواءً كانوا ذكورًا أم إناثًا. العاطفة ستكون صفة موجودة في الذكر إن تمَّ تعزيزها من الأهل والمجتمع. والقوة أيضًا، ستكون صفة ستكتسبها الأنثى إن تم تعزيزها من الأهل والمجتمع.
من خلال ملاحظاتي التي شاهدتها، قبل مدة، على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي لأحلل محتوى الصور النمطية الجندرية التي يتم تداولها بشكل يومي، استنتجت التالي:
– الصور النمطية السيئة هي التي يتم تداولها بشكل أسرع من أي صورة أو فعل إيجابي يقابله.
– مشاركة الصور النمطية السيئة عن النساء، مثل: “الغبية”، “النكدية”، “المتطلبة”، “الغيورة”، “التافهة”، “المسرفة”، “الساذجة” و”العاطفية”؛ تتم مشاركة تلك الصور بصفة أكثر من حسابات تنتمي للذكور، ويتم التركيز على أنها صفات طبيعية في بنت حواء، وأنه قليل من لا توجد بها أغلب هذه الصفات.
– مشاركة الصور النمطية السيئة عن الذكور لا تخلو من كونه: “لعاب”، “مريض نفسي”، “غيور”، “أناني”، “نسونجي”، “غير مسؤول”، “جاف/ منجرف بمشاعره”، تتم مشاركة تلك الصور بصفة أكثر من حسابات تنتمي للإناث، ويتم التركيز على أنها صفات طبيعية، وأنه قليل من لا توجد به أغلب هذه الصفات.
– يشارك الغالبية في عملية التنميط الذاتي، لكن عددًا لا بأس به من الصور النمطية السلبية عن المرأة التي يتم نشرها، تكون من قبل الإناث أنفسهن؛ مما يجعلنا نستعجب قليلًا، إمَّا أن تكون هذه الناشرة مؤمنة بما نشرت وترى أنها تحمل هذه الصفة، وإمَّا أنها توافق ما نُشر.
المحزن في الموضوع أن غالبية تلك الصور النمطية السلبية يشاركها المتضررون منها بشكل رئيسي ويعتقدون فيها ويرون أنها حقيقية. ليست لأنها حقيقية في الواقع، بل لأنه تمَّ ترسيخها في أذهانهم أكثر من مرة ولمدة طويلة وبتبريرات واهية، مثل أن “المرأة قائدة سيئة بالفطرة”، وأن “الرجل عقلاني بالفطرة”.
كسلنا يجعلنا نعتمد بتعاملنا مع البشر، وخصوصًا الجنس الآخر هنا، على استخدام قوالب معلبة جاهزة تمت إعادة ترسيخها في أذهاننا بأشكال مختلفة. نستخدمها كونها أسهل للتعامل مع الشخص، وعدم بذل الجهد لفهمه، أو فهم نمط شخصيته، فيسهل علينا حصره في قالب معين. فتأتي الأنثى لتعامل الذكر أنه بشكل طبيعي سيكون “نسونجي، مريض نفسي، جاف…”، ولا تجرده من أي من هذا الصفات النمطية. كما يرى الذكر أن هذه المرأة “ضعيفة، مسرفة، ساذجة…”، ولم يكلف نفسه عناء تجريد عقله من هذه الصور السلبية والتعامل مع الشخص المقابل كإنسان أولاً وآخرًا، وتقييم التعامل معه في النهاية على حسب سلوكياته التي يراها منه فقط.
ليس الهدف من هذا، العيش في عالم مثالي حيث جميع الأشخاص ملائكة، أو البحث عن صفات ملائكية في الإنسان وإغفال النظر عن الصفات السيئة، بل الهدف هو تغيير الصورة النمطية التي ترسخت في أذهاننا عن أي جندر معين، أو إصدار أحكام مسبقة من دون معرفة.
الصور النمطية السلبية اندثارها أو ندرة انتشارها يعتمد علينا. السخرية من جنس آخر فقط لأجل السخرية، لن يجعل منها نكتة تستحق الضحك. دعها تقف عندك ولا تشاركها. عوّد نفسك على التعامل مع أي شخص بدون صور نمطية وبدون أحكام مسبقة. زاحم أي صورة مغلوطة تمَّ ترسيخها لديك بصوره حسنة، وتذكر أن أصابع اليد ليست سواء، فكيف بالجنس البشري كافة؟
كاتبة سعودية
@stokhais
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر