سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جوزيف دانا
من المدهش أن لوائح الولايات المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي لم تصدر إلا مؤخرا رغم وتيرة التطور التي شهدها هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. حيث أصدر الرئيس جو بايدن في نهاية أكتوبر أمرا تنفيذيا لضمان استخدام “الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومأمون وموثوق”. ويحدد التوجيه معايير جديدة لسلامة الذكاء الاصطناعي، ليشمل ضمانات الخصوصية الجديدة المصممة لحماية المستهلكين. ورغم أن الكونغرس لم يسنّ بعد قوانين شاملة تملي استخدام الذكاء الاصطناعي وتطويره، إلا أن الأمر التنفيذي يمثل خطوة أساسية في التنظيم المنطقي لهذه التكنولوجيا سريعة التطور.
وقد يفاجأ المراقبون العاديون حين يدركون أن الولايات المتحدة كانت تفتقر إلى هذه الحماية. وكشفت قمة تناول فيها 28 بلدا سلامة الذكاء الاصطناعي الأسبوع الماضي تخلّف بقية دول العالم عن الركب. واتفق الحاضرون الذين اجتمعوا في بلتشلي بارك في المملكة المتحدة على التعاون في أبحاث السلامة لتجنب “الضرر الكارثي” الذي يهدد به الذكاء الاصطناعي. وكان الإعلان، الذي وقّعت عليه الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بمثابة انقلاب دبلوماسي نادر للمملكة المتحدة ولكنه يفتقر إلى التفاصيل.
واستغلت الولايات المتحدة هذا الحدث للتلويح بأسس الحماية الجديدة التي أصبحت تعتمدها باعتبارها أمرا يجب أن تتّبعه بقية دول العالم. ولا يحتاج المرء إلى شهادة جامعية في الحوسبة لإدراك أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءا أساسيا في أعمق التحولات التكنولوجية التي شهدتها البشرية. ويتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تغيير طريقة تفكيرنا وتثقيفنا لأنفسنا. ويمكن أن يغير طريقة عملنا ويجعل بعض الوظائف في غنى عن العنصر البشري. وتتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات التي يجمعها عامة من الإنترنت المفتوح لتحقيق هذه النتائج. ومن المحتمل أن تُعتمد بعض بياناتك في نماذج لغوية كبيرة تعمل على تشغيل منصات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي.
وليس هذا سوى جزء صغير من صورة أوسع، إذا علمنا أن الذكاء الاصطناعي يُعتمد اليوم في العمليات الإسرائيلية في غزة للمساعدة في اتخاذ قرارات الحياة أو الموت. وقالت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن الجيش يستخدم الذكاء الاصطناعي وأدوات “آلية” أخرى “لإنتاج أهداف موثوقة بسرعة وبدقة”. وقال ضابط كبير لم يذكر اسمه إن الأدوات الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تُستخدم “لأول مرة لتزويد القوات البرية في قطاع غزة على الفور بمعلومات محدثة حول الأهداف التي يجب ضربها”.
ويعدّ هذا تصعيدا خطيرا في استخدام الذكاء الاصطناعي للفلسطينيين وللمجتمع الدولي. ومن شبه المؤكد أن التكنولوجيا التي يجري اختبارها في غزة ستُصدّر ضمن قطاع تكنولوجيا الأسلحة الكبير والقوي في إسرائيل. ويمكن أن تظهر خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة لمهاجمة أهداف فلسطينية قريبا في صراعات أخرى من أفريقيا إلى أميركا الجنوبية.
ويغطي الأمر التنفيذي لبايدن القضايا المتعلقة بسلامة الذكاء الاصطناعي وحماية المستهلك والخصوصية. ويتطلب النهج المأمول إجراء تقييمات جديدة للسلامة تشمل منصات الذكاء الاصطناعي الحالية والجديدة، وإرشادات الإنصاف والحقوق المدنية، وإجراء أبحاث حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل. وسيُطلب من بعض شركات الذكاء الاصطناعي مشاركة نتائج اختبارات السلامة مع حكومة الولايات المتحدة. وطُلب من وزارة التجارة وضع إرشادات للعلامات المائية لتحديد الذكاء الاصطناعي وبرنامج للأمن السيبراني يمكنه إنشاء أدوات تعتمد هذه التكنولوجيا لتحديد العيوب في البرامج المهمة.
وبينما كانت صياغة الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية للوائح تنظيمية شاملة بشأن الذكاء الاصطناعي بطيئة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت بعض التحركات المهمة. وحدد المعهد الوطني للمعايير والتقنية (نيست) خلال السنة الحالية على سبيل المثال إطارا شاملا لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي. وأصبحت الوثيقة أساس الأمر التنفيذي الذي انطلق من إدارة بايدن. والأهم من ذلك أن الإدارة تعمل على تمكين وزارة التجارة (التي تشمل نيست) للمساعدة في تنفيذ التوجيهات.
ويكمن التحدي الآن في تأمين تعاون شركات التكنولوجيا الأميركية الرائدة، حيث لن يكون لأمر بايدن أيّ أهمية دون هذا التكاتف ومع غياب الأطر القانونية لمعاقبة الشركات التي لا تلتزم بالقواعد. ولا يزال الطريق طويلا. وقد تمكنت شركات التكنولوجيا من ضمان قدر كبير من التطور دون إشراف يُذكر على مدى العقدين الماضيين. ويرجع ذلك إلى عالم التكنولوجيا المترابط، حيث ابتكرت الشركات منتجات أو خدمات جديدة خارج الولايات المتحدة. ويُذكر مثال خدمات أمازون ويب الرائدة التي طورتها جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، بعيدا عن مجال نفوذ الهيئات التنظيمية الأميركية.
وسيمكن لإدارة بايدن من خلال مساعدة الشركات الرائدة أن تضع مزيدا من القوانين واللوائح الأكثر شمولا. ودائما ما يُشتَمُّ من المشاركة الحكومية المباشرة في التكنولوجيا خطر خنق الابتكار. لكن الفرصة تسنح للدول الصغيرة ذات اقتصادات المعرفة. ويمكن لأطراف مثل إستونيا والإمارات العربية المتحدة التي استثمرت في اقتصاداتها المعرفية وذات العدد القليل من السكان (والبيئات التنظيمية) أن تتبع بايدن من خلال ضمانات الذكاء الاصطناعي. وسيكون تأثير هذا قويا في مدن مثل دبي، حيث بعثت شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات مكاتبها الإقليمية. وتمكّن الإجراءات الروتينية الأقل في هذه البلدان الصغيرة فرض لوائح الذكاء الاصطناعي بسرعة، وربما (والأهم من ذلك) تعديلها إذا كانت تخنق التطور بشدة.
ونظرا للترابط الشديد في عالم التطور التكنولوجي، لا يستطيع المجتمع الدولي انتظار دول أو كتل أكبر مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدفع التشريعات أولا. ويجب أن تتحرك الأسواق الجديدة التي تشمل اقتصاداتها التكنولوجيا لفرض القواعد التنظيمية التي تلبي احتياجاتها.
ويتواصل تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوتيرة ملحوظة. ولا نمتلك القدرة على تحمل مخاطر انتظار زعماء العالم للتحرك أولا نظرا لأهميتها لقطاع التكنولوجيا. لقد آن أوان اتخاذ الخطوة الأولى بدلا من انتظار طرف آخر يتولى زمام المبادرة، ويُعدّ تنظيم الذكاء الاصطناعي منطلقا مثاليا في هذا المجال.
المصدر: العرب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر