سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
غيلهيرم فاسولين
قالت مجلة “فورين أفيرز” إن فوز لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية البرازيلية يمثل لحظة فاصلة في السياسة العالمية لتغير المناخ؛ حيث يحل لولا محل الرئيس المنتهية ولايته ومُنكر تغير المناخ جايير بولسونارو، الذي خلَّف إرثاً من الدمار البيئي، وفي عهده ارتفعت معدلات إزالة الغابات في منطقة الأمازون بأكثر من 50%.
وتعمل غابات الأمازون، وهي أكبر الغابات المطيرة في العالم، على تخفيف الاحتباس الحراري العالمي عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ويحذر العلماء من أن إزالة الغابات الناتجة عن الأنشطة البشرية بالمعدل الحالي من شأنها أن تدفع المنطقة بأكملها نحو نقطة خطيرة يليها تحول أراضي الغابات إلى سافانا. وسيكون لفقد مثل هذا الحوض الكبير لتصريف الكربون عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي ورفاهية الإنسان.
وأشارت المقالة إلى أن ما يدفع التدهور البيئي في منطقة الأمازون هو تحالف سياسي فضفاض؛ لكنه فعال يضم مربي الماشية، ومصدري السلع الأساسية، وشركات التعدين. ومعاً، تضغط هذه الجهات الفاعلة على أعضاء مجلس النواب البرازيلي من أجل تخفيف القوانين واللوائح الحالية لحماية الغابات المطيرة.
كما يعرقلون السياسات المؤيدة للمناخ ويمارسون الضغط على سلطات الدولة للامتناع عن فرض غرامات وعقوبات على الجرائم البيئية؛ حيث يمارس التحالف نفوذه من خلال تمويل حملات السياسيين الطموحين ومساعدتهم في الحصول على أصوات الناخبين؛ وهذا يمنحهم نفوذاً على جميع فروع الحكومة.
ونتيجة لذلك، أصبحت الدولة البرازيلية أقل قدرةً على سن تدابير لحماية البيئة؛ إذ يعمل تحالف إزالة الغابات في ظل الإفلات من العقاب، لأن السياسيين الذين يساعد في انتخابهم يقومون بحمايته.
وأضافت المجلة أن التحالف أيضاً يقدم الدعم غير المباشر للجهات الفاعلة المشبوهة؛ ففي منطقة الأمازون الشاسعة، تقوم العصابات الإجرامية بتهريب البضائع مثل المخدرات والأخشاب والحيوانات البرية وحتى البشر. وهم يرشون ويتملقون مسؤولي الدولة؛ لضمان مراقبة الغابات المطيرة بشكل متساهل.
ولأن أنشطتهم الاقتصادية غير القانونية تعتمد على بناء والوصول إلى مهابط الطائرات والممرات المائية والمعابر الحدودية السرية، فإنهم يعملون على إبقاء قوات الأمن خارج المناطق التي يعملون بها.
ولم يكن من المستغرب أن يشهد عهد بولسونارو حالة من انعدام القانون في منطقة الأمازون؛ حيث شهدت المنطقة جرائم عنف متنوعة وترهيباً، ولم يقتصر هذا العنف على اغتيالات نشطاء المناخ الصاخبين؛ بل امتد إلى صحفيين وغيرهم. فبين عامَي 2018 و2020، ارتفعت معدلات القتل بنسبة 9% في المناطق الريفية و13.8% في المدن الصغيرة عبر الأمازون، في حين انخفضت الوفيات العنيفة في بقية البرازيل.
وتفيد المجلة أن لولا سيواجه معارضة شديدة في جهوده الرامية إلى إنهاء إزالة الغابات؛ حيث يُقدَّر أن نحو 40% من المقاعد في مجلس النواب المنتخب حديثاً يشغلها سياسيون يمثلون جماعات المصالح التي قد تعاني إذا تم وضع تدابير حماية فعَّالة حقاً.
وسوف يعملون بكل قوة لعرقلة مشروعات قوانين المناخ وتخصيص الأموال لحماية الأمازون. وعلاوة على ذلك، فإن الوضع المالي للإدارة سيئ. وفي الوقت الذي تحتاج فيه إلى الاستثمار لإعادة بناء قدرة الدولة على حماية الغابات، فإن الخزينة العامة في البرازيل بدأت تنفد من السيولة النقدية.
من جانب آخر، سوف يدفع لولا بسياساته المتعلقة بالمناخ في وقت يتطلب فيه الاقتصاد الاستهلاكي العالمي المزيد من إزالة الغابات وليس تقليلها؛ فالأسواق في أوروبا والولايات المتحدة، والصين في المقام الأول، تكتسح المنتجات البرازيلية، مثل فول الصويا ولحم البقر من المناطق التي أُزيلت منها الغابات؛ وهو الأمر الذي يخلق حوافز قوية لقطع الأشجار وتطهير الأرض عن طريق إشعال النار فيها.
وقد عملت سياسات لولا على توسيع المناطق المحمية قانوناً داخل منطقة الأمازون وجعلت انتهاك القانون أكثر تكلفة من خلال تعزيز قدرة الشرطة. كما منح لولا المزارعين ائتماناً رخيصاً في مقابل حماية الغابات. بينما تلقت البرازيل أكثر من مليار دولار من ألمانيا والنرويج في إطار صندوق الأمازون لحماية الغابات. ونتيجة لذلك، انخفضت إزالة الغابات 76% بين عامَي 2005 و2012.
إلا أن هذه الإصلاحات لم تدم طويلاً، وفقاً للمقالة؛ وذلك لأن سياسة المناخ تبين أنها مثيرة للانقسام العميق داخل معسكر لولا. وعلى وجه الخصوص، فقد أثار قرار لولا بإعطاء الضوء الأخضر لبناء سد بيلو مونتي عام 2010 على نهر الأمازون، سخط دعاة حماية البيئة وجماعات حقوق السكان الأصليين.
وبالتالي هناك العديد من الجبهات التي سوف يتعين على لولا القتال فيها. وستتمثل نقطة التوتر داخل الإدارة في الاستراتيجية الدبلوماسية؛ حيث يجادل بعض مستشاري لولا بأنه لا بد أن يلتزم على المستوى الدولي بأهداف أكثر طموحاً في ما يتصل بالانبعاثات الكربونية، وأن يتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل ترسيخ عملية إصلاح المناخ على المستوى المحلي.
وقد يعني هذا العمل جنباً إلى جنب مع واشنطن وبروكسل من أجل خلق سوق كربون عالمية منظمة، وهو ما من شأنه أن يجعل من التجارة في خدمات الحفاظ على الغابات أمراً مربحاً بالنسبة إلى مالكي الأراضي في مختلف أنحاء العالم. كما أن 95% من البرازيليين يعتقدون أن الدول الأجنبية التي تنتقد البرازيل بسبب منطقة الأمازون تفعل ذلك بدوافع خفية؛ مثل استغلال ثروات الغابة لتحقيق مكاسب اقتصادية خاصة بها.
وهذا الاعتقاد يتقاطع مع الخطوط الحزبية والأيديولوجية؛ لذلك يتعين على البيت الأبيض أن يكون حساساً في التعامل مع هذه الديناميكية إذا كان راغباً في تعظيم فرص انتصار لولا على جماعات المصالح المحلية التي تربح من الدمار البيئي الذي يهدد كوكب الأرض.
ماتياس سبكتور: باحث زائر في معهد برينستون للدراسات الدولية والإقليمية، وأستاذ في جامعة غيتوليو فارغاس في البرازيل.
المصدر: ترجمة كيو بوست لمقال فورين أفيرز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر