سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في خطابه الذي ألقاه في جاكسون هول في أغسطس، أوضح رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي جيروم باول أن كبح جماح التضخم على رأس أولويات الاحتياط الفيدرالي.
وعلى الرغم من تبرؤ الاحتياطي الفيدرالي من تقييمه في العام المنصرم لارتفاع التضخم أنه قصير الأجل، فإن الأسس التي قام عليها ذلك التقييم كانت هشة حتى عند صدوره، نظراً للشكوك العديدة في محركات التضخم في ذلك الوقت.
وكان أحد هذه المحركات على وجه الخصوص، ارتفاع تكاليف الشحن البحري، غير مدروس بالقدر الوافي، على الرغم من كونه مساهماً مهماً في التضخم والتنبؤ بمستواه. وحتى في العام الفائت، كان ارتفاع تكاليف الشحن يؤدي وظيفة طائر الكناري في مناجم الفحم. إذ أشار إلى الحاجة إلى زيادة أسعار الفائدة لمواجهة ضغوط الأسعار المتزايدة.
وتتمثل مهمة البنوك المركزية الرئيسة في العالم في الحفاظ على استقرار الأسعار، وهذا يعني أن صناع السياسات النقدية يجب أن يعكفوا على تحديد مصادر التضخم وتوقع مساره.
ولا شك في أن القائمين على البنوك المركزية لم ينتبهوا إلى العلامة حينما قرروا في مستهل الأمر أن الزيادة الحادة التي طرأت على التضخم في عام 2021 «مؤقتة»، كما فعل باول ذات مرة. ولكن مؤسسات أخرى ارتكبت الخطأ ذاته.
تؤكد أرقام صندوق النقد الدولي أيضاً البُـعد العالمي الذي انطوت عليه مفاجأة التضخم، التي أثرت في البلدان في مختلف أنحاء العالم من أستراليا إلى المملكة المتحدة.
حيث بوغِـت صناع السياسات. ويُـظــهِـر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في ربيع 2022 أن توقعاته للتضخم من عام سابق كانت بعيدة عن الصواب بمعامل أكثر من ثلاثة للاقتصادات المتقدمة ومعامل يزيد على اثنين لاقتصادات الأسواق النامية والناشئة، وكذا للعالم ككل.
ومن الإنصاف أن نعترف بأن جزءاً من التضخم الحالي مدفوع بعوامل لم يكن من الممكن توقعها قبل عام، أو كان من الصعب التنبؤ بتأثيرها بدقة. إننا، وفي حين قد نعذر صناع السياسات حينما لا يضعون في الحسبان عند اتخاذ قراراتهم عوامل لم يكن من الممكن معرفتها قبل عام، لا شك أنه يجب أن يحاسبوا على تجاهلهم عوامل كان من المعروف عنها أنها محركات للتضخم، وخاصة إذا كانت تلك المحركات تشير إلى ضغوط الأسعار المتواصلة.
وفي دراسة حديثة، نركز أنا وزملائي من الباحثين على أحد محركات التضخم: الزيادة السريعة في تكاليف الشحن البحري العالمية. بحلول أكتوبر 2021، ازدادت مؤشرات تكلفة حاويات النقل عن طريق الشحن البحري بنسبة تتجاوز %600 عن المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة، في حين تضاعفت تكلفة شحن السلع السائبة عن طريق البحر إلى أكثر من ثلاثة أمثالها.
تُـرى ما السبب وراء هذه الزيادة الملحوظة؟ مع ارتفاع نشاط التصنيع بعد عمليات الإغلاق الممتدة التي ارتبطت بجائحة كورونا، ازداد بشكل كبير الطلب على شحن المدخلات الوسيطة عن طريق البحر، وفي الوقت ذاته، كانت قدرة الشحن مقيدة بشدة بسبب عراقيل لوجستية واختناقات ونقص معدات الحاويات.
وكانت الموانئ في مختلف أنحاء العالم تفتقر إلى العمال الذين اضطروا إلى العزل الذاتي بعد ثبوت إصابتهم بكوفيد 19، كما منعت قيود الصحة العامة سائقي الشاحنات وأطقم السفن عبور الحدود.
في حين تصدرت أسعار المواد الغذائية والطاقة التي ارتفعت إلى عنان السماء عناوين الأخبار الرئيسة، وبدا الأمر كأن الارتفاع الكبير الذي طرأ على تكاليف الشحن يمر إلى حد كبير تحت الرادار، على الرغم من تأثيره التضخمي المحتمل.
وتُـظـهِـر دراستي أن التأثيرات التي تخلفها صدمة تكاليف النقل على التضخم أطول أمداً من تلك التي تخلفها صدمة السلع الأساسية، وهذا يتعارض مع ادعاءات العام الماضي أن زيادة التضخم ستكون سريعة الزوال.
الواقع أن الدور الذي تضطلع به تكاليف الشحن محركاً للتضخم العالمي غير معترف به بالقدر الوافي. وهذه الحال يجب أن تتغير. إن صدمات تكاليف الشحن من الممكن أن تنبه البنوك المركزية المكلفة بمهمة ضمان استقرار الأسعار إلى أخطار المستقبل وتساعدهم على تقليص أخطار التخلف وراء منحنى التضخم.
المصدر: صحيفة البيان
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر