سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Daniel Moss
بينما يتسابق صانعو السياسات للسيطرة على التضخم، لنتوقف للتفكير في ماهية التعافي الاقتصادي؛ فمن الصعب التفكير في اقتصاد يسير بشكل سلس، ناهيكم عن اقتصاد يعمل بشكل جيد، وذلك بالنظر إلى أن كل الاهتمام الموجّه إلى قتل التضخم يعمل على كتم بعض الإشارات المقلقة على جانب النمو في المعادلة.
في هذا الصدد، يقول العديد من محافظي البنوك المركزية إن أفضل طريقة لحماية الاقتصاد هي احتواء ارتفاع الأسعار. وهم يشيرون حقاً إلى التوقعات على المدى المتوسط إلى الطويل، إذ إن إصرارهم على رفع أسعار الفائدة بخطوات كبيرة وإلقاء محاضرات حول الأيام الخوالي السيئة للسبعينيات -عندما خُفِّفت تكاليف الاقتراض في وقت مبكر جداً وأصبح التضخم المرتفع راسخاً- يعني أن تعثّر النمو الآن هو مصدر قلق ثانوي، في أحسن الأحوال.
لا تقول السلطات تماماً إن الاتجاه الهبوطي الوشيك هو ثمن عادل يجب دفعه، وربما لا يتعين عليها ذلك. إلا أن بعض المكونات المهمة موجودة مع ذلك. حيث كان الأسبوع الماضي صعباً بالنسبة للمتفائلين: فقد تباطأ نمو الصادرات الصينية بشكل كبير في أغسطس، وبالكاد بقيت الواردات على الجانب الأيمن من الصفر. في حين أن استراتيجية بكين الصارمة بشأن فيروس كوفيد تحمل بعض اللوم عن هذه النتيجة السيئة.
يجدر بنا أن نتذكر أن التجارة كانت نقطة مضيئة للاقتصاد الصيني المضطرب بخلاف ذلك حتى مع إغلاق بعض المراكز الحضرية الرئيسية. كل ذلك التشديد النقدي خارج الصين -حيث تسعى بكين جاهدة لوضع حد أدنى للنمو- ربما بدأ يؤذي؛ وهذا هو بيت القصيد.
في الواقع، فإن الصورة العالمية الضعيفة تلحق الضرر بالمكان الذي غالباً ما يجعل النمو العالمي يبدو جيداً. ففي خارج الصين، تعاني القوى الكبرى في آسيا؛ حيث أظهرت الدراسات الاستقصائية لمديري المشتريات في تايوان وكوريا الجنوبية تقلّص التصنيع، وضغطت المصانع على الفرامل في اليابان أيضاً، إلا أنها ظلت في وضع التوسع.
كان التحوّل إلى محاربة التضخم في منطقة اليورو عميقاً لدرجة أنه كان من السهل تفويت التخفيضات الكبيرة لتوقعات النمو التي كشف عنها البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس، إذ قال إن الناتج المحلي الإجمالي من المرجح أن يرتفع بنسبة 0.9% في عام 2023، وهو توقع ما يزال أكثر تفاؤلاً من معظم التوقعات.
من جانبها، ترى بلومبرغ إيكونوميكس تقدماً بنسبة 0.4% فقط، كما تجعل أزمة الطاقة في المنطقة الانكماش قبل نهاية العام المقبل رهاناً عادلاً. لكن لا شيء من هذا يثني البنك المركزي الأوروبي عن رفع سعر الفائدة مرة أخرى ليتبع حركة يوم الخميس البالغة 75 نقطة أساس. قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي: “ما يزال التضخم مرتفعاً للغاية”.
يُشار إلى أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول تمسّك بخطه المتشدد في نفس اليوم، متحدثاً عن الحاجة إلى التصرف “بشكل صريح وقوي”؛ حيث فتح آفاقاً جديدة نسبياً، إلا أنه عزّز التوقعات برفع مستوى 75 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي الأسبوع المقبل. هل سيدافع أي شخص عن النمو أم يؤيد احتمال المبالغة في التشديد؟ هذا ما يجعل خطاب لايل برينارد في اليوم السابق ممتعاً للغاية؛ إذ لم تبتعد نائبة رئيس الاحتياطي الفيدرالي عن موقف البنك، ولا يمكن أن يُتوقّع منها ذلك، إلا أنها أوضحت موقفه المتشدد.
قالت برينارد إن تكاليف الاقتراض يجب أن تتحول إلى تقييدية، في حين أن الاعتراف بالمخاطر سيصبح ثنائي الجانب بشكل أكبر في المستقبل. وقالت في مؤتمر في نيويورك “إن سرعة دورة التضييق وطبيعتها العالمية، فضلاً عن عدم اليقين بشأن الوتيرة التي تعمل بها آثار الظروف المالية الأكثر تشدداً من خلال الطلب الكلي، تخلق مخاطر مرتبطة بالتشديد المفرط”.
من المحتمل أن تكون برينارد العضو ذو العقلية الأكثر دولية في فريق قيادة الاحتياطي الفيدرالي؛ وقد كانت كبيرة الدبلوماسيين الماليين بوزارة الخزانة وحاولت توجيه البنك المركزي نحو تقدير أكبر لما يحدث خارج حدود الولايات المتحدة.
عندما كانت جانيت يلين رئيسة مجلس الإدارة، استاءت من فكرة أن التوسعات الاقتصادية تموت بسبب الشيخوخة. حيث أعلنت في عام 2015 أن هذه خرافة، وذلك بعد أن رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن؛ في حين سخر سلفها، بن برنانكي، من أن البنوك المركزية تميل إلى قتل هذه التوسعات الاقتصادية.
هل ستنجو النسخة العالمية الحالية من مرحلة الطفولة، ناهيكم عن بلوغ سن المراهقة؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب إضافة مشكلات سلسلة التوريد والتضخم في مرحلة ما بعد كوفيد إلى جوقة المشكلات.
الجدير بالذكر أن الاقتصاد الصيني انسحب من التدهور الذي حدث في عام 2020 أسرع من أقرانه وكان أمامه عام قوي يليه، وقد وصل هذا الانكماش إلى مجراه، وينبغي أن يكون صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم أكثر قلقاً؛ حيث من المرجح أن تؤدي الرغبة الموحدة تقريباً في “التحميل الأمامي” إلى تسريع الانكماش الذي يبدو أنه تم تجاهله باعتباره ثمناً لممارسة الأعمال التجارية. في الواقع، ترسل منظومة العمل في العالم نداء استغاثة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر