سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إلبريدج كولبي
بعد الزيارة المثيرة للجدل التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إلى تايوان، انتقد العديد من المحللين غياب التناسق الواضح بين الموقف الأمريكي من الجزيرة وخطابها القوي بهذا الشأن من جهة، والخطوات العملية التي اتخذتها، بالفعل، للاستعداد لهزيمة هجوم عسكري صيني على تايوان، من جهة أخرى. ومن هؤلاء المحللين مدير مبادرة “ماراثون”، إلبريدج كولبي، الذي كتب مقالاً في موقع “فورين أفيرز”، يرى فيه أن أفضل طريقة لمنع وقوع حرب مع الصين حول تايوان، هو الاستعداد لهذه الحرب.
قبل بضع سنوات، كان كثيرون يرون أن الصين لا تشكِّل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة، وأن تهديدها لتايوان كان متواضعاً، وغير وشيك. ولا يزال البعض، إلى اليوم، يتمسك بهذا الرأي، ولكن إدارة بايدن أوضحت مراراً أنها لا تتفق مع هذا الرأي؛ بل ترى في الصين التحدي الأكبر لمصالح الولايات المتحدة في العالم. وذهب بعض المحللين إلى أن الجيش الصيني قد أصبح منافساً حقيقياً؛ في ظل التوسع الهائل لقوة الصين النووية، والتطور السريع في التقنيات العسكرية، التي تفوق في نواحٍ كثيرة التقنيات الأمريكية، فضلاً عن امتلاك الصين أكبر قوة بحرية في العالم.
عبَّرت إدارة بايدن، بصراحة متزايدة، عن خطورة التهديد الصيني لتايوان، وجاء ذلك على لسان قائد القيادة الأمريكية للمحيطَين الهندي والهادي، ومدير المخابرات الوطنية، ومدير وكالة المخابرات المركزية. كما شدد مسؤولون كبار، في وزارة الدفاع، على أن الصين تشكل خطراً حقيقياً وملحاً على تايوان. وفي الوقت نفسه، تدور تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الانتصار في حرب ضد الصين في تايوان.
وفي ظل هذا الوضع المتدهور، أشارت إدارة بايدن -مراراً- إلى أن الولايات المتحدة سوف تدافع عن تايوان؛ الأمر الذي يربط مصداقية الولايات المتحدة في آسيا بمصير الجزيرة. ولم تقتصر هذه التصريحات على المستوى السياسي؛ فعلى المستوى العسكري حافظت استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 على تصنيف الصين كأولوية قصوى لوزارة الدفاع، وحدد البنتاغون -رسمياً- مسألة تايوان على أنها “ضابط الإيقاع”، وأكد التزامه بالقدرة على ثني الصين عن شن هجوم عليها بنجاح.
وهنا تكمن المشكلة في رأي كولبي؛ إذ توجد فجوة كبيرة بين الكلمات والأفعال، في ما يتعلق بأربعة عوامل يجب على الولايات المتحدة العمل عليها؛ وهي: زيادة الإنفاق على الدفاع، وتأهيل الجيش الأمريكي ليكون أكثر ملاءمة لمواجهة الصين، واستخدام القوة بطريقة أكثر تركيزاً على التهديد الذي تشكله بكين، وحمل حلفاء الولايات المتحدة على المساهمة بشكل أكبر، سواء مباشرة أو بطرق غير مباشرة.
زيادة الإنفاق
على الرغم من التبعات الاقتصادية والسياسية لمثل هذا المسار؛ فإن زيادة الإنفاق العسكري من شأنها أن تمنح الجيش الأمريكي المزيد من الموارد لمواجهة الصين، التي يجادل بعض كبار المحللين بأن إنفاقها العسكري أصبح يضاهي الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الكونغرس عزز ميزانية الدفاع لهذا العام، ويبدو من المرجح أنه سيفعل الشيء نفسه العام المقبل؛ فإن هذه الإجراءات لا تزال أقل بكثير مما تعتبره استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 ضرورياً.
تأهيل الجيش لمواجهة الصين
يتخذ الجيش العديد من المبادرات؛ لتعزيز قدرته على هزيمة هجوم صيني على تايوان، ولكن من غير الواضح ما إذا كان البنتاغون يستثمر بما فيه الكفاية في نشر وتطوير القدرات المطلوبة لهزيمة العدو. فعلى سبيل المثال، أبلغت البحرية الأمريكية الكونغرس أنها اختارت خفض معدل إنتاج صواريخ بحرية مضادة للسفن بعيدة المدى، على الرغم من عدم وجود بديل على المدى القريب. وكذلك اختارت البحرية عدم تمويل الاستحواذ الكامل على صواريخ SM-6 أو الألغام البحرية، ويعد كلاهما مهماً للغاية؛ لهزيمة القوات الصينية في سيناريو غزو تايوان.
لا شك أن وزارة الدفاع تتخذ إجراءات مهمة؛ لمواجهة التهديد الصيني، لكن يبدو أن هذا الأمر هو الاستثناء وليس القاعدة، ومعظم الإشارات الواردة من كبار القادة وخبراء الدفاع، تدل على أن التغييرات المطلوبة لردع الصين لا تتم بالحجم والوتيرة المطلوبَين.
التركيز على آسيا على حساب المناطق الأخرى
العامل الثالث، الذي ينبغي التركيز عليه؛ هو إعادة توجيه القوات العسكرية الأمريكية، وتجهيزها لمواجهة التهديد العسكري الصيني لتايوان. وفي الحقيقة، فإن الولايات المتحدة تراجعت في موقف قوتها في بعض النواحي الحاسمة، فعلى سبيل المثال زادت الإدارة الأمريكية قواتها في أوروبا من 60 ألفاً عام 2021 إلى أكثر من مئة ألف حالياً؛ بسبب الأزمة الأوكرانية. والأسوأ من ذلك؛ هو أن الإدارة أشارت إلى أنها تنوي العودة للانخراط في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي ساعد في تقويض تنفيذ وزارة الدفاع مقتضيات استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، في عهد الرئيس ترامب، وفقاً لقائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا. وهذا الانتشار للقوات الأمريكية يعني أنها تراجع قدرتها على معالجة التوازن العسكري المتدهور في ما يتعلق بتايوان.
حمل الحلفاء على زيادة مشاركتهم
لا شك أن حمل الحلفاء على تقديم مساهمات عسكرية أكبر، سواء في آسيا أو في المسارح الأخرى؛ مثل أوروبا والشرق الأوسط، من شأنه أن يحرر القوات الأمريكية للتركيز على آسيا، ومع ذلك لا يبدو أن الإدارة تركز على هذا الشأن، باستثناء بعض الجهود القيمة في آسيا؛ بل إن الإدارة تُطمئن الحلفاء بأنها ستستمر في وجودها العسكري المهيمن على مسارح متعددة. وهذه السياسة بعيدة عما هو ضروري؛ لتمكين البنتاغون من التركيز أكثر على آسيا.
مما سبق، يتضح وجود عدم توافق جوهري بين أهداف الإدارة المعلنة، وما يبدو أنها تفعله؛ لتحقيق هذه الأهداف. ولكي نكون واضحين، فإن إدارة بايدن، ليست هي الوحيدة التي سمحت بتراجع البلاد في ما يتعلق بمواجهة التهديد الصيني لتايوان؛ بل إن المسؤولية تقع على الإدارات المتعاقبة على مدى العقود الماضية. كما أن إجراء تحول استراتيجي هو أمر صعب، ولا يقع على عاتق الإدارة وحدها؛ بل يجب على الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة القيام بدورهم أيضاً. ولكن عندما يكون الخطر داهماً، كما هو الآن، فإن المسؤولية تقع على عاتق الرئيس بايدن وإدارته في منع وقوع الكارثة.
ومع ذلك، فنحن لا نعرف ما إذا كانت الصين ستهاجم تايوان خلال هذا العقد؛ ولكن من المنطقي الافتراض أنها ستفعل إذا ما رأت أنها سوف تنجح. وهنالك مؤشرات عديدة على أنها قد ترى أن هذا العقد هو الوقت المناسب. وحتى لو قررت الصين الانتظار حتى عام 2030، فإن الاستعجال بالتغيير هو أمر مستحسن؛ لأن الاستراتيجية الدفاعية الجديدة ربما تستغرق عقوداً لتؤتي ثمارها.
في الماضي، قدمت واشنطن -علناً- استراتيجية واضحة ومفصلة للغاية؛ لردع الاتحاد السوفييتي، وإذا لزم الأمر لهزيمته، وبالتأكيد يمكن للإدارة الحالية، على الأقل، الاقتراب من وضوح تلك الاستراتيجية وجديتها. ومن دون هذا الوضوح، أو الشروع بالتغيير الحاد، يجب على الأمريكيين أن يسألوا أنفسهم: هل تقوم الحكومة بما هو ضروري؛ لمواجهة ما قد يكون حرباً كبرى مع قوة عظمى تلوح في الأفق؟
بالتأكيد لا، وهذا أمر يجب أن يثير قلقنا جميعاً.
المصدر: فورين أفيرز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر