يفرض قبول الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ المشاركة في قمة العشرين المقرر عقدها في جزيرة بالي الإندونيسية في نوفمبر المقبل، واقعاً جديداً في العلاقات الدولية التي اهتزت على نحو غير مسبوق بين الشرق والغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا والتوترات المتصاعدة حول جزيرة تايوان.
جاكرتا التي رفضت الضغوط الغربية لعدم دعوة الرئيسين الروسي والصيني، وتريد أن تلعب دور الوساطة عارضة نفسها كجسر سلام بين الغرب والشرق، أعطت قيمة مضافة للقمة المرتقبة، التي يفترض أن تجمع كبار الخصوم السياسيين في العالم. فهي ستكون أول مواجهة مباشرة بين بوتين وأبرز معارضيه في الغرب منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، كما أنها ستكون أول زيارة خارجية لشي جين بينغ منذ بداية جائحة كورونا، وربما ستكون القمة أكثر إثارة ورمزية إذا ما وافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الحضور شخصياً وليس المشاركة عبر الإنترنت.
وبعيداً عن الرمزية والإثارة، فإن مجرد مشاركة بوتين وشي في القمة لا يسقط مزاعم الغرب بشأن عزلة روسيا والصين الدولية فحسب، بل يظهر تحدياً حقيقياً للغرب من جانب البلدين. إذ من المؤكد أن مشاركة شي جين بينغ في القمة تهدف إلى إظهار موقع القوة والشفافية من أجل استئناف وتعميق الحوار مع العالم كله على المستوى الذي كان موجوداً قبل الجائحة، وقبل التوترات الخطيرة التي نشأت حول تايوان عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة.
ومن المؤكد أيضاً أن بكين ستستغل الفرصة المتاحة لها عبر المشاركة لشرح موقفها بشكل مباشر من مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في العالم. غير أن مشاركة بوتين قد تحمل مدلولات أكثر عمقاً وأبعد مدى، فمن الناحية الرمزية، ستؤكد هذه المشاركة أن روسيا التي سعى الغرب لحصارها وعزلها، لا تزال تلعب دوراً مركزياً في الساحة الدولية، وأنها جزء لا يتجزأ من النظام العالمي، بغض النظر عن التحولات أو التغييرات التي ستطرأ على هذا النظام في نهاية المطاف.
وقد تكون المشاركة الروسية الصينية بحد ذاتها جزءاً من عملية التحول في النظام العالمي، إذ بات من الواضح أن العلاقة الصينية الروسية تجاوزت الطابع الشكلي لترتقي إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، والذي تجد تعبيراته في كل المجالات بدءاً من الاقتصاد مروراً بالتدريبات والمناورات العسكرية المشتركة، وحتى انسجام المواقف بينهما تجاه مختلف القضايا في الساحة الدولية، وتوافق الجانبين على ضرورة قيام نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الأمريكية في الساحة الدولية.
وبالتالي فإن مشاركة الجانبين معاً في قمة العشرين المنتظرة في بالي تحمل في مضمونها رسالة واضحة إلى الغرب، وهي أن الرهان على منع التقارب الروسي الصيني والحيلولة دون وصوله إلى مرحلة التحالف، هو رهان فاشل، والأسوأ أن الغرب ذاته هو المسؤول عن قيام هذا التحالف، عبر سياسات خاطئة كالعقوبات والحصار.. القائمة على أوهام القوة، بدلاً من الحوار والتصالح ومد جسور السلام في جميع أنحاء العالم.