سريلانكا في أزمة واللوم لا يقع على قادة البلاد وحدهم | مركز سمت للدراسات

سريلانكا في أزمة واللوم لا يقع على قادة البلاد وحدهم

التاريخ والوقت : الأحد, 24 يوليو 2022

بورزو درغاهي

منذ سنوات قليلة فقط كانت سريلانكا نقطة مشرقة واعدة في جنوب آسيا. كان اقتصادها مزدهراً، وبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي فيها تسعة في المئة. واستقطبت شواطئها وجبالها السياح فيما جذبت مراكزها المخصصة للتصنيع المستثمرين. وبدأت في ذلك الوقت بوضع تركة سنوات الحرب الأهلية الطويلة وراءها.

لكن هذا الشهر، شهد العالم على الانهيار الاقتصادي والسياسي للدولة الجزرية كما يبدو، مع فرار طبقة النخبة في البلاد إلى الخارج وانتشار الفوضى في البلاد.

لا شك في أن الطبقة السياسية المتجذرة في سريلانكا، ولا سيما رئيسها غوتابايا راجاباكسا وعائلته، تستحق الجزء الأكبر من اللوم على هذه الكارثة التي تعتمل منذ سنوات، ولكن يجب تحميل المجتمع الدولي المسؤولية كذلك.

تفيد صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن سريلانكا علمت أنها تواجه مأزقاً في بداية جائحة “كوفيد-19” ولكنها وافقت على المشاركة في برنامج صيني أخذت بموجبه على عاتقها مزيداً من القروض، بدلاً من أن تعيد هيكلة وضعها المالي. في مايو (أيار)، تخلف البلد عن سداد دينه البالغ 50 مليار دولار للصين، والمصارف الدولية والدائنين، ومنهم الممولون الغربيون، ومصرف التنمية الآسيوي، والبنك الدولي.

خلال الأشهر الأخيرة، انهار الاقتصاد وتخطى التضخم معدل الـ50 في المئة. ويصف السريلانكيون حياتهم اليومية على أنها صراع في سبيل تأمين ما يكفي من الطعام والوقود للبقاء، وطال التقنين الحليب والأرز والسكر. وقد تسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الأدوية والمواد الغذائية الأساسية في سخط الشعب وأجج احتجاجات استمرت أشهراً. وفي هذه الأثناء، قلل راجاباكسا بنبرة من اللا مبالاة من أهمية ما سماه “مصادر انزعاج”.

بلغت الأمور ذروتها في الأيام الأخيرة. أظهرت فيديوهات صادمة أشخاصاً عاديين وهم يقتحمون المجمع الرئاسي. وهرب الرئيس، وهو شوفيني مستبد، من البلاد متوجهاً إلى سنغافورة وقدم استقالته عبر البريد الإلكتروني.

عندما تهوي بلاد بالطريقة التي انهارت بها سريلانكا، يسارع النقاد للتهجم على زعماء البلاد ورعاتهم السياسيين في الخارج، ولكن يجب تطبيق المقياس نفسه على المؤسسات العالمية ومنها المصارف ومقرضو الحكومات، الذين كانت لهم يد في إحداث هذه الفوضى.

في أغلب الأحيان، تمنح المؤسسات الدولية قروضاً للدول من دون أن تعير انتباهاً للانتهاكات التي ترتكبها الطبقة الحاكمة أو لغياب المحاسبة الديمقراطية. في سريلانكا، ظهرت إشارات واضحة منذ سنوات على الفساد وعلى إساءة استخدام السلطة في أوساط الزمرة الحاكمة المحيطة براجاباكسا. وعبرت منظمة هيومن رايتس ووتش عن الموضوع بلا تنميق فقالت “إن احترام حقوق الإنسان الأساسية في سريلانكا معرض لخطر حقيقي في ظل رئاسة غوتابايا راجاباكسا”.

وشملت الاعتداءات السياسية انتهاكات لحقوق الإنسان وتقييداً لحريات الصحافة، ولكن المشكلات امتدت إلى الاقتصاد، فيما ساد في سريلانكا نوع من الرأسمالية القائمة على الفساد والمحسوبية، كتلك التي يفضلها القوميون اليمينيون حول العالم.

على الرغم من سنوات النمو التي سجلتها الحكومة في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية، فقد أخفت في الوقت نفسه الفساد وتخصيص الموارد العامة لمشاريع مميزة وباهظة الثمن كانت قليلة النفع بالنسبة إلى الشعب. ومع ذلك، فتح المقرضون خزائنهم، ومولوا فعلياً انتهاكات نخبة حاكمة وانهيار بلد.

وكتبت المحللة السريلانكية أميتا أرودبراغاسام في أبريل (نيسان) “مشاريع بنى تحتية ضخمة مثل بناء طرق سريعة ومطار وبرج اللوتس، شوهها الفساد ووفرت عوائد ضئيلة وملأت جيوب طبقة من أصحاب الأعمال الحمائيين والطفيليين الذين لديهم صلات سياسية. وفي هذه الأثناء، تعرض منتقدو الرئيس للمضايقات، وقتل الصحافيون أو أخفوا قسراً، فسادَ الخوف ومناخ من الرقابة الذاتية”.

ويجب أن تتحمل الصين كذلك جزءاً من المسؤولية عن إخفاقات سريلانكا. فهي تسعى لتصوير نفسها على أنها قوة عالمية حميدة توزع كرمها وتنشر خبراتها من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، وتساعد الدول النامية على تشييد البنى التحتية من خلال قروض التنمية.

 ولكن مناورات الصين الإمبريالية ليست بجديدة. في القرن التاسع عشر أيضاً، كانت القوى الإمبريالية الأوروبية تمنح القروض للزعماء في كل أرجاء العالم، وثم، حين يعجزون عن سداد ديونهم، تأتي على متن سفن حربية مطالبةً بالحصول على تنازلات على شكل عقارات أو قواعد عسكرية أو مدخل إلى الصناعات الرئيسة.

ومقاربة الصين للعالم كذلك كمن يدس السم في العسل. توقع تقرير صادر عن البنتاغون عزم الصين على بناء مجموعة من القواعد العسكرية في كل مناطق العالم، ومن ضمنها الدائرة القطبية الشمالية، والدول التي منحتها القروض ومنها باكستان وميانمار وكينيا وأنغولا وسريلانكا بالطبع.

وبرأي وايلي ماك غرو، وهو معلق في الشؤون الدولية مقره في الولايات المتحدة “تحاول الصين أن تقدم عن نفسها صورة الشريك العالمي الإيجابي، مركز النفوذ الذي لا يهمه سوى الخير. ونرى تحت هذه الطبقة أشخاصاً يتحرقون لامتلاك السلطة والنفوذ. تبرع الصين في التصرف كقوة إمبريالية صامتة، فيما تقصد أغلب الدول الغربية دول الخارج للمحاربة من أجل السلام والديمقراطية، لم تفعل الصين ذلك بعد. فهي تسلك طريقاً مختلفاً”.

لا يقل بناء الإمبراطوريات بشاعة إن جاء عن طريق إرسال السفن الحربية أو عن طريق إقراض المال. تجتاح دولة أخرى، وتستغل مواردها وتثبت نفسها في موقع تفوق أخلاقي وسياسي.

وغالباً ما تقضي الدول التي تتعرض للغزو الإمبريالي سنوات طويلة ودموية في محاربة الدخلاء، وعقوداً أخرى بعدها في التخلص من الآثار الاجتماعية أو الاقتصادية للغزو، ما عليكم سوى النظر إلى الجزائر، التي لا تزال تعاني صدمة إخضاع فرنسا لها، حتى بعد مرور 60 عاماً على انتزاعها الاستقلال.

ويبني الغزاة أنفسهم عقائد شوفينية، وشبه فاشية لتبرير قمعهم العنيف للآخرين، مما يضر بنموهم الخاص كشعب.

كما أن الغزاة الإمبرياليين غالباً ما ينسبون لأنفسهم فضلاً مبالغاً، به بسبب منحهم السكك الحديدية وغيرها من مظاهر الحضارة لتوابعهم، ولا يحملون أنفسهم مسؤولية الأضرار التي تسببوا بها، عن طريق إفراغ خزائن المال وإضعاف المؤسسات وتمكين النخب الحاكمة الفاسدة مثيلة زمرة راجاباكسا.

إنما سواء في القرن التاسع عشر أو الحادي والعشرين تبقى المعاناة من نصيب الأشخاص العاديين الذين يحرمون من الكهرباء والطعام، فيما يعيش المذنبون في نعيم في القصور أو الفيلات الفارهة، ويبدون غافلين عن الأذى الشديد الذي تسببوا به.

المصدر: independentarabia

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر