محمد العقربي

تشكل مفهوم الجغرافية السياسية كموضوع بحثي في بدايات القرن العشرين مع مهندسه الأول فريديريك راتزل وهو يقدم كتابه “الجغرافيا السياسية” مرتبطاً بميادين علمية أخرى ومنها الانثروبولوجيا وعلم الاقتصاد وعلم النبات والجيولوجيا (طبقات الأرض) والقانون الدولي.. متفاعلا مع تطور مفهوم الدولة، لكونه يشتغل على ربط وتحليل تفاعلات إجتماعية والسياسية مع العوامل الجغرافية الارضية شبه الثابتة.. فالدولة على إعتبارها السلطة الناجزة والمؤمِّنة للنظام والقادرة على حمايته وحفظ الوئام الإجتماعي وهي الجهة الوحيدة التي تملك شرعية إستعمال القوة المسلحة للإرغام والردع، فإن مدار الجغرافية السياسية هي الدولة كوحدة السياسية بماهيتها كأرض موحدة ومنظمة سياسيا ومسكونة من قبل سكان أصليين لها حكومة وطنية ذات سيادة على جميع أطراف الدولة، ولديها القوة الكافية لحماية سيادتها ورعاية إلتزاماتها الخارجبة

فالجغرافية السياسية حينما تركز على دراسة الدولة فإنها تهتم أساسا بالطبيعة الجغرافية وسيادتها واستراتيجيتها القومية , و تهتم بالتباينات المساحية للظاهرات السياسية وتعطي اهتماما خاصا للمساحات التي تنتظم سياسيا في وحدات ذات حدود وتبحث في مقوماتها والعوامل التي ساعدت على قيامها ، والهدف من وجودها .

و تعتبر الجغرافيا السياسية المحضنة التي نشأ فيها علم الجيوبوليتكس و كثيرا ما يقع الخلط بينهما فالجغرافيا السياسية هي دراسة الظاهرات السياسية في إطارها المكاني سواءا كان متضمنا تحليلا للحدود السياسية والانماط الجغرافية الناجمة عن تطبيق سلطة الحكومة او مدى استقرار الوحدات السياسية الجديدة .. أما الجيوبوليتكس فهي المحرك لما يتناوله هذا العلم من حقائق فتجعل منها مادة يستعين بها صانع القرار السياسي

و يوجد خلاف كبير في تحديد منهج بحث لعلم الجغرافيا السياسية مما أوجد له مناهج عديدة اتبعها كثير من الدارسين و الباحثين في معالجة المواضيع التي يشتغلون عليها .. و منها :

المنهج التحليلي : حيث تتم دراسة الدول باعتبارها وحدات وتحليل معطى الأرض و السكان و النظام الإقتصادي و السياسي و العلاقات الداخلية و الخارجية و إرتباط العناصر الجغرافية بظواهر إجتماعية و ثقافية

المنهج الإقليمي : فعلى أساس ظاهرة أو مجموعة من الظاهرات السياسية يقوم دارس الجغرافية السياسية بتحديد أقاليم التباينات أو الأقاليم على أساس درجة التشابه وبدراسة مقارنة الأقاليم المتشابهة أو التباين المختلفة ببعضها البعض . ويمكن للدارس أن يكتشف الغموض الذي يحيط بظاهرة معينة

المنهج التاريخي : ويبدأ هذا المنهج بدراسة الدولة في التاريخ ثم ينتقل إلى تحليل كيفية نموها حتى استطاعت أن تكون نفسها وتسيطر على إقليمها . ويركز هذا المنهج على عنصر الزمن باعتباره بعدا أساسيا في دراسته ويتتبع أثره في تغير العلاقة بين البيئة ومجتمع الدولة ، أي أنه يدور حول الماضي من أجل تفسيره بصورة أوضح بدلا من مجرد سرد الأحداث حتى يتسنى فهم المشكلات والأوضاع السياسية الحاضرة

المنهج المورفولوجي : يهتم المنهج المورفولوجي بدراسة الوحدات السياسية من حيث نظمها السياسية والعناصر التي تدخل في تكوينها . كما يدرس مشكلات الدولة السياسية من حيث الشكل بحيث تنطوي الدراسة على مجموعة من العناصر الجغرافية التي تنتظم تحت عنوانين رئيسين هما : النمط ( دراسة الترتيبات والتنظيمات التي يكونها الارتباط السياسي للوحدات والأقاليم التي تكون الدولة ، و الارتباطات السياسية للدول ككل في التكتلات السياسية الاقليمية ) والتركيب ( دراسة المظاهر المكانية التي تشترك فيها الوحدات السياسية مثل مراكز الثقل السكانية والاقتصادية داخل الدولة والعاصمة . ومكونات الدولة والحدود السياسية ومشكلات خاصة بالدولة كخطط التنمية ومشكلات السكان والاقتصاد والأقليات ، وتدرس هذه العناصر على مستوى الدراسة المقارنة بين الدول المختلفة )

المنهج الوظيفي : يهدف هذا المنهج إلى تحليل الدولة من الناحية السياسية من خلال الوظائف التي تؤديها ، وتنقسم كل دولة إلى مجموعة من الوحدات الإدارية لكل منها حكومة محلية تقوم بوظائف معينة طبقا للنظام الذي تسير عليه ، وترتبط هذه الوحدات الإدارية ارتباطات وثيقا بالدولة مباشرة

هذه المناهج في البحث و الدراسة جعلت علم الجغرافيا السياسية شديد الإرتباط بعلوم أخرى و يحدث معها علاقات جدلية كعلم التاريخ وعلم الإنتروبولوجيا و علوم البيئة و ينخرط معها في ورشات عمل لفهم آليات عمل الدولة و النظم الإجتماعية و التغييرات الديمغرافية و صياغات العلاقات بين مكونات التركيبة الواحدة ( الدولة ) و بين الدول ..

إعلامي وكاتب وباحث في منتدى الفكرالسياسي والإقتصادي بتونس*

المراجع :

الأصول العامة في الجغرافيا السياسيةوالجيوبوليتيكا : محمد رياض

جبهة و حدود : ميشال فوشيه