المجيء الثاني لتكتل البريكس | مركز سمت للدراسات

المجيء الثاني لتكتل البريكس

التاريخ والوقت : الأربعاء, 13 يوليو 2022

زونجيوان زوي

عندما انعقدت قمة بريكس الأولى في عام 2009، كانت كلحظة انتصار نسبي لأعضائها. فبينما تعامل الغرب مع أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير، تمتعت دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين) بمأمن مؤقت من الاضطرابات. وعندما انضمت جنوب إفريقيا إلى الكتلة في عام 2010، توسعت أجندة بريكس إلى ما بعد التعاون الاقتصادي، حيث باتت تشمل الآن مجموعة واسعة من قضايا الحوكمة العالمية، بما في ذلك الأمن.

وعقدت دول البريكس قمتها الرابعة عشرة في يونيو 2022 تحت رئاسة الصين، في وقت تتمسك الصين بسياسة عدم انتشار فيروس كورونا المستجد.

إن العالم حاليًا يختلف اختلافًا كبيرًا عن سياق العالم الذي التقى خلاله قادة البريكس آخر مرة في برازيليا في عام 2019. إذ لا تنمو الصين أو روسيا، وهما الركيزتان الأساسيتان للتكتل، بالسرعة التي كانت عليها عند البداية. ومقارنةً بما كان عليه الحال قبل 13 عامًا، فإن النزاعات الإقليمية بين الصين والهند تتصاعد، لا سيما مع المناوشات التي شهدتها قمة لاداخ عام 2020. وقد دفع خطاب الرئيس البرازيلي، اليميني المتطرف جاير بولسونارو، المناهض للصين الحكومة الصينية إلى شن هجوم دبلوماسي عليه. وقد أدت جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى الصدمة الاقتصادية اللاحقة وإعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، إلى تفاقم المصالح المتباينة للتكتل.

لكن تكتل البريكس لا يفتقد بالضرورة الزخم ككتلة سياسية؛ لأن القمة المقبلة ستكون بمثابة شهادة على تضامن أعضائه. فإذا انعقدت هذه القمة، فإنها سوف تجرى في وقت يشن فيه عضو رئيسي، وهو الصين، حربًا ضد دولة أخرى ذات سيادة، كما أنه يخضع لعقوبات عقابية شديدة يفرضها الغرب. وفي أوائل مارس 2022، امتنعت الهند والصين وجنوب إفريقيا عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد صوتت البرازيل بالإيجاب على إدانة روسيا، لكنها انتقدت العقوبات “العشوائية” التي فرضها الغرب.

وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن دول البريكس، باعتبارها تمثل بنية للحوكمة العالمية لدى الجنوب العالمي، موجودة لتبقى مع أجندة سياسية موسعة. قد تحاول دول البريكس ترسيخ دورها الفريد من خلال تطوير نظام مالي عالمي بديل لا يعتمد على الدولار الأميركي.

وتستعد روسيا للتعامل مع تداعيات العقوبات الغربية منذ أن قامت بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. وقد أطلقت مبادرتين أساسيتين على مستوى البنية التحتية المالية لزيادة استقلاليتها المالية والحفاظ على قدر من الوصول إلى السيولة العالمية في ظل العقوبات. تمثلت الأولى في نظام الدفع الوطني المستقل الذي يتميز ببطاقات “إم آي آر”  MIR كبديل عن أنظمة “فيزا”  Visa و”ماستركارد”  Mastercard ، بينما يتمثل الآخر في نظام خاص للمراسلة المالية يسمى “نظام تحويل الرسائل المالية” وهو النظير الروسي لنظام سويفت SWIFT. 

وبداخل كتلة البريكس، قامت روسيا بتطوير بنية مالية أخرى بغرض القضاء على عملية “الدولرة” وذلك بالتعاون مع الصين والهند. وبعد أن انقطعت روسيا عن النظام المالي العالمي القائم على الدولار، وقام الغرب بتجميد نصف الاحتياطيات الروسية من العملات الأجنبية، قامت موسكو بدعوة شركائها في البريكس إلى تمديد استخدام العملات الوطنية ودمج أنظمة الدفع عبر تكتل البريكس في أبريل 2022.

إن النظام المالي المتكامل والبديل لمجموعة بريكس ليس بعيد المنال؛ إذ يمكن تحقيقه من خلال ربط وتوسيع أنظمة الدفع الوطنية المسجلة للملكية التي طورتها كلٌّ من الصين وروسيا. وبدلاً من ذلك، يمكن لدول البريكس، أن تقدم نظام الدفع المقترح الخاص بها، كجزء من محاولتها إنشاء نظام دفع مشترك بين الأعضاء.

وفي عام 2020، اقترحت روسيا خلال رئاستها لقمة بريكس فكرة نظام تجاري موسع يعرف بـ”دفع بريكس”، أو “بريكس +”، وهو مجموعة أوسع من البلدان النامية اقترحتها الصين على هامش قمة بريكس في مدينة “شيامن” عام 2017. إذ يمكن أن يشمل ذلك الإطار منظمات إقليمية أخرى مثل منظمة شنغهاي للتعاون  والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والاتحاد الجمركي لجنوب إفريقيا، ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، وميركوسور وذلك في إطار حوار أوسع لدول البريكس.

إن أوجه التآزر بين دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون تبرز، بشكل خاص، من خلال ثلاثة من الأعضاء بمنظمة شنغهاي للتعاون، حيث كانت الأخيرة تبحث في إمكانات التعاون الاقتصادي والمالي منذ عام 2006. وقد نظر أعضاء منظمة شنغهاي في إنشاء بنك تنمية لمنظمة شنغهاي وصندوق تنمية منظمة شنغهاي وذلك على غرار بنك التنمية الجديد لبريكس (NDB).

لقد تأسس بنك التنمية الوطني في عام 2014، حيث يعمل بنشاط على تعزيز استخدام العملة المحلية في تمويل التنمية. وفي عام 2021، رحب بنك التنمية الوطني بأول أربعة أعضاء من خارج البريكس، وهي بنغلاديش ومصر والإمارات العربية المتحدة وأوروجواي. ومن خلال توسيع العضوية وتوفير الإقراض بالعملة المحلية للأعضاء، فإن بنك التنمية الوطني في طريقه حاليًا لأن يصبح مؤسسة التمويل متعددة الأطراف الرئيسية للتنمية التي يقودها الجنوب العالمي. لقد عُقدت اجتماعات بريكس في البداية بالتوازي مع اجتماعات مجموعة العشرين، لكنها حددت مسارها الخاص، حيث اتبعت أجندة متنامية على مدى السنوات الـ13 الماضية. ومع إعلان الرئيس الأميركي “جو بايدن” أنه يجب إخراج روسيا من مجموعة العشرين، قد لا تستعيد مجموعة العشرين مكانتها أبدًا كمنتدى حكومي دولي بارز في العالم. وربما يكرر أعضاء بريكس دعمهم للقيادة الاقتصادية العالمية لمجموعة العشرين في بيانهم المشترك الأخير، لكن مجموعة البريكس قد نمت بالفعل في ظل مجموعة العشرين.

غير أنه لا تزال هناك مخاوف بشأن مصداقية الهند كعضو ملتزم في البريكس، وذلك نظرًا لعضويتها في الرباعية ومشاركتها في الإطار الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ. لكن تمحور سياسة الهند الخارجية من عدم الانحياز إلى التعددية يشير إلى أن الهند لن تتخلى عن دول البريكس.

إن الشيء الجيد في كون مجموعة البريكس مجموعة غير متجانسة هو أن أعضاءها تعلموا كيفية البحث عن أرضية مشتركة رغم وجود مصالح متباينة فيما بينهم، غير أنه لم يكن لدى دول البريكس أي تماسك داخلي على الإطلاق، لذلك هناك قلق ضئيل من فقدانه.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: East Asia Forum

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر