سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Tim Culpan
ما تزال الهند مصرّة على تحقيق استقلال تقني مع تخصيص 10 مليارات دولار لتطوير أشباه الموصلات وبدء التصنيع، فضلاً عن حرصها على تأكيد استقلال سياستها الخارجية عبر الميل نحو موسكو لإثارة ذعر واشنطن. ينبغي أن تحدد نيودلهي الصلة بين المسألتين لتنظر في خطوتها التالية.
قال بريان ديزي، مدير المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، الأربعاء، إن بعض قرارات الصين والهند حيال الغزو الروسي لأوكرانيا مخيبة للآمال. وأشار إلى أن الهند أُبلغت بأن عواقب توافقها الواضح مع موسكو قد تكون “كبيرة وطويلة الأمد”.
لم يلقَ قرار الهند بالامتناع عن التصويت في مشروع الأمم المتحدة لإدانة غزو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لأوكرانيا استحسان الولايات المتحدة أو حلفائها الكثيرين.
كان ذاك التصويت رمزياً محضاً، وكذلك كان امتناع نيودلهي عن التصويت. لن يقتصر ذكر هذا النوع من الإشارات على الأرجح في البيت الأبيض ووزارة الخارجية فقط، بل سيتعداهما وصولاً لأعضاء الكونغرس.
قد تكون هناك أسباب وجيهة لانحياز الهند إلى موسكو، فهي تعتمد على الأسلحة الروسية، فيما تواجه فيه اشتباكات حدودية مع الصين، وتوترات مستمرة مع باكستان. كما لا يمكن أيضاً تجاهل احتياجاتها من الطاقة، إذ تفيد التقارير أن روسيا عرضت بيع نفطها للهندبسعر يقل 35 دولاراً للبرميل، وهي صفقة رائعة على خلفية ارتفاع أسعار النفط الخام عقب غزو أوكرانيا.
تكلفة يسيرة
يواجه قادة مثل، رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، خطراً كبيراً في ظل النظام الديمقراطي، إن تجاهلوا الاحتياجات الأساسية للناس، مثل توفير غذاء وطاقة بتكلفة يسيرة.
لكن في الوقت نفسه، إن تبني نظام التحويل المالي الروسي “سبفس” (SPFS)، وهو نظام بديل لنظام “سويفت” المستخدم على نطاق واسع، يمكن أن يعزز التجارة بين البلدين، لكن من شأنه أن يزيد انزعاج الولايات المتحدة وحلفائها الراغبين باستخدام سويفت لرصد الامتثال للعقوبات.
قد يكون مغرياً، بل ربما جدير بالثناء، أن تتجاهل الهند هذه المخاوف وتحدد مسارها الخاص في الشؤون الخارجية، خاصة أن القادة ذوي النزعة القومية لا يريدون بأن يكونوا مدينين لقوى عظمى.
لكن الولايات المتحدة لديها مفتاح مستقبل التقنية في الهند، ويمكن أن تشهد شركتا “زد تي إي” و”هواوي تكنولوجيز” الصينيتان على الفوضى التي يمكن أن تصيب الأعمال بسبب سياسات واشنطن الصارمة. لم تُحرم الشركتان، بعد اكتشاف مخالفات عدة متعلقة بالعقوبات، من شراء الرقائق الأمريكية فحسب بل المكونات المصنوعة باستخدام تقنية أمريكية. كانت النتيجة انخفاضاً بنسبة 29% في إيرادات “هواوي” خلال العام الماضي، بما فيها انخفاض المبيعات المحلية.
طموح رقائق
إذا أرادت الهند أن تحظى بصناعة تتمحور حول الرقائق والإلكترونيات، فلا يمكنها تحمل استبعادها من الساحة، كما قالت سانا هاشمي، الأستاذة الزائرة بمؤسسة “تايوان إيجا إكستشينج” (Taiwan-Asia Exchange Foundation) في تايبيه. بيّنت هاشمي أن “خطط الهند طموحة بالتأكيد، لكن يصعب تحقيقها دون مشاركة خارجية. برغم أنها تحقق تقدماً في خدمات تقنية المعلومات والبرمجيات، إلا أنها بحاجة إلى تعاون أكبر فيما يتعلق بالمعدات”.
حتى يكون الأمر واضحاً، نحن بعيدون جداً عن منع الولايات المتحدة إتاحة ذلك للهند.
تريد واشنطن أن تنجح الهند لأسباب جيوسياسية واقتصادية عديدة، إذ يُنظر إلى ثاني أكبر دولة في العالم على أنها حاجز جيد ضد نفوذ بكين المتزايد، بينما يأمل القادة الصناعيون أن تصبح مركزاً جديداً للإنتاج العالمي مكملاً للصين، أو أن يحل محلها. تسلط زيارة بات غيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل”، للهند الأسبوع الماضي الضوء على مكانتها المتنامية في صناعة التقنية.
تحرص الشركات التايوانية، مثل “فوكسكون تكنولوجي غروب” (Foxconn Technology Group) و “بيغاترون” (Pegatron)، وهم متعاقدون مهمون بالنسبة لعمالقة أمريكيين مثل “أبل” و “تسلا”، على التوسع في البلاد والاشتراك في حملة “صنع في الهند” في نيودلهي. تايوان هي أيضاً القناة الأرجح التي يمكن من خلالها أن تبدأ البلاد في مجال صناعة أشباه الموصلات.
بيد أن الولايات المتحدة هي من تتحكم بالوضع، فلديها أهم التقنيات، كما أن الشركات التي تصنعها أمريكية. لن تتدفق عقود توريد أجهزة “أيفون” من “أبل” أو رقائق “كوالكوم” إلى مصانع الهند، حتى التي يملكها أجانب، إن لم يقرّها العميل الأصلي.
يتجه المنحى حالياً في الاتجاه الآخر، أي في اتجاه العودة نحو الولايات المتحدة، حيث خصص الكونغرس حزمة بقيمة 52 مليار دولار لتطوير قطاع أشباه الموصلات، كما تخطط أوروبا لاتخاذ إجراءات مماثلة. كما يُتوقع أن تستعيد الولايات المتحدة التجميع النهائي للمنتجات، من أجهزة الكمبيوتر إلى السيارات، وسط الحساسيات السياسية المتزايدة بشأن وجود كثير من تقنياتها وسلاسل إمدادها في بلاد قاصية.
بينما تُعدّ الهند والصين دولتين منافستين، لا يُقدر المواطن الأمريكي العادي الفروق الدقيقة، وتعكس الجهات التشريعية هذه الحقيقة. كما أن أي دليل يوضح أن نيودلهي ليست على استعداد لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، مثل تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، يخاطر بخلق انطباع بأنه لا يمكن الوثوق بالهند، خاصة أن الانحياز إلى قوة استبدادية غزت جاراً مسالماً، يُعدّ خطوة بسيطة في تعزيز مثل هذا الشعور.
ليس من مصلحة الهند أن تجد نفسها في مرمى نيران سياسي أمريكي قومي يسعى لاستهداف عدو بلاده القادم. ربما يكون هذا الأمر غير منصف، بل وغير دقيق، لكن الساسة الهنود يدركون أن الحقيقة والإنصاف ليسا أداة للسلطة.
تحظى الهند بكل الفرص الممكنة لتصبح عضواً ناجحاً ومزدهراً في صناعة التقنية العالمية، لكن يجب على قادتها تذكر مدى أهمية اختيار أصدقائهم بحكمة.
المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر