الإجراءات التصحيحية التي تحتاجها وسائل الإعلام عند حدوث الجائحة التالية | مركز سمت للدراسات

الإجراءات التصحيحية التي تحتاجها وسائل الإعلام عند حدوث الجائحة التالية

التاريخ والوقت : السبت, 16 أبريل 2022

كيلسي بايبر

عانى الصحفيون الكثير من أجل نقل حالة عدم اليقين العلمي فيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد بصورة دقيقة.

تعرضت وسائل الإعلام لعمليات فحص وتدقيق صرامة بسبب كيفية تغطيتها لـجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، وذلك لأسباب أحيانًا تكون عادلة وجيدة، وأحيانًا أخرى تكون غير ذلك. من الصحيح تمامًا أن تغطية جائحة سريعة الانتشار في عصر يجري فيه العلم بإيقاع قياسي وتحت دائرة الضوء المستمرة، تعتبر من المهام الصعبة حقًا. وعلى الرغم من حدوث بعض الأخطاء نتيجة الضغط الواقع على مرتكبيها، فإنها لا تزال تعتبر مجرد أخطاء، والطريقة الوحيدة للتحسن في مثل هذه الوظيفة هي التعلم من تلك الأخطاء.

يتمثل أحد الموضوعات المتكررة في العثرات الإعلامية حول الوباء في العجز عن التفكير ونقل عدم اليقين العلمي إلى القراء. كذلك يتمثل أحد النماذج الواضحة في أن العديد من الصحفيين والمنابر الإعلامية قد خذلوا جمهورهم من العامة في تغطيتهم لما يسمى بنظرية تسرب فيروس كورونا المستجد من مختبر.

وهذا ما تمت مداولته مرة أخرى مؤخرًا عندما نشرت مجلة “فانيتي فير” تقريرًا بقلم الكاتبة “كاثرين إيبان” عن المعركة العنيفة الدائرة بين العلماء والمسؤولين حول مصدر فيروس كورونا-سارس-2. 

ويجدر بنا أن نتذكر كيف استقبلت الصحافة التقارير الأولية بتلك النظرية عندما بدأت في الظهور أول مرة في الأشهر الأولى من انتشار الوباء. كان هناك اتفاق واسع النطاق، في تلك الأوقات، بأن الصين كانت على الأرجح تخفي معلومات حول منشأ الوباء، تمامًا كما قللت في الأصل من أهمية وخطورة الفيروس نفسه.

في الوقت نفسه، كان هناك الكثير من الهراءات والأخبار المزيفة التي تم انتشارها وتداولها بشكل كبير، مثل الادعاءات بأن فيروس كورونا المستجد كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بفيروس نقص المناعة البشرية (ليس كذلك)، أو أنه تم تصميمه بواسطة بيل جيتس (أيضًا لا). تكهن السيناتور في الحزب الجمهوري “توماس براينت كوتون” أنه من الممكن أن يكون فيروس كورونا المستجد قد تسرب من مختبر معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، وهو ما أدانه العديد من العلماء باعتباره نفس الهراءات التآمرية، ورددها العديد من الصحفيين.

وهذا ما فعلته أنا أيضًا – لقد قمت بنشر مقال بتاريخ 6 فبراير من العام 2020، حذرت فيه من أن فيروس كورونا قد يُمثل مشكلة كبيرة. وشعرت تجاهه بالفخر بشكل عام، ولكن لم أشعر كذلك فيما يتعلق بالجزء الذي أشرت فيه إلى “نظرية المؤامرة” بأن الفيروس كان قد تسرب من مختبر ووهان.

لكن نظرية تسرب فيروس كورونا المستجد من مختبر لم تكن نظرية مؤامرة؛ لقد كانت فرضية علمية ذات مصداقية، في وقت كنا نعرف فيه القليل جدًا عن منشأ فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19). كان مختبر معهد ووهان لأبحاث الفيروسات يُجري بحثًا عن فيروسات كورونا الشبيهة بفيروس السارس، وعلمنا لاحقًا أنه قبل وقت قصير من بدء انتشار الوباء، تمت إزالة قاعدة بيانات ضخمة خاصة بالفيروسات التي قاموا بدراستها.

كان للحكومة الصينية، كما كان معروفًا في ذلك الوقت، تاريخ من الكذب والتستر على تفشي الأمراض، بما في ذلك تفشي فيروس السارس الأصلي في عامي 2002 و2003، والذي كان دائمًا سيجعل من الصعب للغاية الوصول إلى حقيقة وضع مثل هذا.

وجدت الكاتبة “كاثرين إيبان” أن عددًا قليلاً من العلماء كان يكتب بعضهم لبعض، بشكل شخصي، أنه ربَّما كان هناك أصل معملي لفيروس كورونا المستجد. ولكن كانوا يقولون عكس ذلك في العلن وأغلقوا الباب أمام نظرية تسرب فيروس كورونا المستجد من مختبر. 

لم يكن الأمر أنهم كانوا يخفون أدلة قاطعة على الأصل المعملي للفيروس؛ عوضًا عن ذلك، بدا أن هناك توجهًا لحل المحادثات قبل الأوان، ربَّما بدافع الشعور بأنه لا يمكن الوثوق بالجمهور للتعامل مع حالة عدم اليقين.

لماذا نحتاج إلى العيش مع عدم اليقين؟

هذه ليست مجرد مسألة نقد إعلامي أو علمي؛ إنها مشكلة كبيرة لجهودنا المتعثرة للتحضير للوباء القادم. 

الحقيقة هي أننا لا نملك أدلة كافية، بطريقة أو بأخرى، لنثبت بشكل قاطع إن كان (كوفيد – 19) قد نشأ في المختبر أو في الطبيعة. وهذا أمر لا بأس به. وينبغي أن نكون مرتاحين للتعبير عن عدم اليقين هذا. 

منشأ فيروس (كوفيد – )19 بعيدة كل البعد عن القصة الوحيدة التي تم تداولها خلال الوباء، إذ كانت هناك جهود لطرح “جبهة موحدة ومشتركة”، أو ظهور بعض العلماء الذين يتفقون جميعًا في نفس الرأي، في الوقت الذي كان فيه العلم في الواقع لا يؤكد ما اختلف فيه العلماء. 

المواقف التي نفتقر إليها هنا هي التسامح مع عدم اليقين، والرغبة في حجب الإجابات المطمئنة ولكنها غير المكتملة، والتحلي بالشجاعة للاعتراف بأخطاء الماضي، وهي المواقف التي سنحتاج إلى تبنيها للقيام بعمل أفضل عند انتشار الوباء القادم.

لكن تحدي عدم اليقين يذهب في الاتجاه الآخر أيضًا. في كثير من الأحيان، بدا الإعلاميون مترددين بعض الشيء في تقديم استنتاجات مؤقتة بناءً على الأدلة المتاحة، وفي بعض الأحيان ينتظرون كلمة الفصل من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها قبل النقر على كلمة “نشر”.

في فبراير 2021، أراد الناس معرفة هل كانت اللقاحات قد قللت من احتمالات انتشار فيروس كورونا المستجد بين الأشخاص أو لا، وكان هناك بعض الأدلة الأولية على أن اللقاحات قد قللت بالفعل من تلك الاحتمالات. ولكن نظرًا لأن الأدلة لم تكن مؤكدة، ولأنهم لم يرغبوا في أن يتخلى الأشخاص الذين تم تطعيمهم عن الحذر من هذا الفيروس، فإن الكثير من العاملين في مجال الصحة العامة كانوا مترددين في قول أي شيء حول هذا الموضوع.

لقد كتبت مقالًا عن الأدلة المتزايدة التي أثبتت أن اللقاحات قد قللت من انتقال وانتشار العدوى، وهي النظرية التي تبينت أنها حقيقة، على الرغم من مرور أشهر قبل توصل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى نفس النتيجة.

تهدف الجهود المبذولة إلى إنشاء “جبهة موحدة” لتقليل المعلومات المضللة والخاطئة، التي ينتهي بها الأمر أحيانًا إلى التسبب في مثل تلك المعلومات الخاطئة؛ إذ ينتظر الجميع ليرى ما يقوله الآخرون. لقد توصلت إلى الاعتقاد بأنه من الأفضل أن تشرح بشكل مباشر وعلني ما تؤمن به ولماذا تؤمن به، مع الاعتراف بالاختلاف حيثما كان ذلك مناسبًا.

إحياء الثقة في وسائل الإعلام

أصدر مسؤولو الصحة، منذ بداية انتشار الوباء، تصريحات مشكوك فيها في بعض الأحيان، وغالبًا ما يتم تضخيمها من قبل وسائل الإعلام. أولاً، أخبرنا بعض المسؤولين أن نقلق أكثر بشأن فيروس الإنفلونزا. ثم قيل لنا ألا نشتري الأقنعة. هذه الأسئلة وغيرها قد يكون التراجع عنها قد ساهم في تراجع الثقة بمؤسستنا الصحية العامة ووسائل الإعلام. ينبغي للعلماء، بدلاً من محاولة تقديم جبهة موحدة، أن يقولوا إن هناك خلافًا، وأن يشرحوا ما هو الخلاف على وجه التحديد.

وبدلاً من محاولة تقديم “الإجابة” للقراء حول الأسئلة المهمة مثل منشأ فيروس كورونا المستجد، يجب أن يشعر الصحفيون بالارتياح للقول إننا لا نعرف على وجه اليقين الإجابة عن مثل تلك الأسئلة، ومشاركة الأدلة التي لدينا، ونكون على ما يرام مع عدم المعرفة.

ينبغي للخبراء أيضًا أن يشعروا براحة أكبر عند إظهارهم الاختلاف مع الخبراء الآخرين بشكل علني كما يختلفون فيما بينهم بشكل خاص. كان أحد الدروس المؤلمة هو أن مسؤولي الصحة العامة لدينا هم مجرد بشر، والموضوع المتكرر في مقال الكاتبة” كاثرين إيبان” هو أنهم غالبًا ما كان لديهم تباينات كبيرة بين ما يعتقدون في السر وما يصرحون به في العلن.

ليس واضحًا أننا تعلمنا الدروس التي تناولناها آنفًا، وذلك استنادًا إلى الحديث الذي يتناول تسرب فيروس كورونا المستجد من مختبر. نحن بحاجة إلى التكيف – بسرعة – إذا أردنا أن نفعل ما هو أفضل عند حدوث الجائحة التالية.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: vox

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر