سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
شوجيرو أراتا – جامعة واسيدا
بدأ عام 2021 مليئًا بآمال تطوير ناجح للقاح جديد سيخلص العالم من وباء “كوفيد- 19”. ولكن في الحقيقة لقد انتشرت اللقاحات في أوروبا والولايات المتحدة بسرعة، ما عدا اليابان بسبب بطء الحصول على موافقة الحكومة اليابانية، وهو ما أدى إلى تأخير طرحها.
في عهد رئيس الوزراء السابق “يوشيهيديه سوغا”، طُرح اللقاح بسرعة في النهاية بعد حل المشاكل الإدارية واللوجستية، مما ساهم في انخفاض عدد الإصابات. كما استمرت حالة الطوارئ حتى 30 سبتمبر، بسبب رؤية “سوغا” أنه من الضروري إبقاء عدد الحالات منخفضًا للتمكن من استضافة الألعاب الأولمبية وزيادة فرصة إعادة انتخابه كزعيم للحزب الليبرالي الديمقراطي في الانتخابات المنعقدة في أواخر سبتمبر.
وبالفعل نجح “سوغا” في استضافة الألعاب الأولمبية ولكن قابلته معارضة جماهيرية كبيرة؛ بسبب ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير ومفاجئ خلال الحدث، مما أدى إلى انخفاض سريع في نسبة الجماهير المؤيدة لـ”سوغا” وإجباره على التنحي عن منصبه كزعيم للحزب الليبرالي الديمقراطي. ثم حل “فوميو كيشيدا” محل “سوغا” رئيسًا للوزراء وفاز في الانتخابات العامة في أكتوبر بسبب دعم أعضاء الحزب المحافظ الرئيسي، وضعف أحزاب المعارضة والانخفاض الحاد في حالات “كوفيد- 19”.
ظل الأداء الاقتصادي لليابان راكدًا طوال عام 2021. ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فقد سجلت اليابان معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.4% لهذا العام، ويعتبر هذا تحسنًا من -4.6% في عام 2020، ويرجع ذلك في الأساس إلى الاستهلاك الضعيف الناتج عن عدم الاستقرار المستمر بسبب “كوفيد- 19”. كما أدى النقص في أشباه الموصلات الناتج عن الوباء إلى تعطيل إنتاج السيارات والإلكترونيات بالإضافة إلى منتجات أخرى، مما تسبب في تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي.
تتسم العواقب الاقتصادية لـ”كوفيد- 19″ بنمط على شكل الحرف الإنجليزي K يعكس اتجاهين متباينين، واحد متصاعد والآخر منحدر. إذ كان هناك زيادة في الطلب في قطاع التكنولوجيا، وخاصة على المنتجات مثل الآلات المكتبية، ولكن في نفس الوقت كان هناك انخفاض كبير في الطلب في قطاعات الخدمات مثل السياحة. كما لوحظت عاقبة أخرى على شكل K متعلقة بالأغنياء والفقراء. إذ شهد الأغنياء ارتفاعًا في قيمة أصولهم المالية، بينما عانى الفقراء من انخفاض الأجور والبطالة، مما أدى إلى اتساع فجوة عدم المساواة.
بالتطلع إلى عام 2022، ينبغي على “كيشيدا” تحقيق الانتعاش الاقتصادي والنمو المستدام في بيئة غير مستقرة بشكل متزايد بسبب متحور “أوميكرون” الجديد وتغير المناخ والتنافس بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى عوامل أخرى. وردًا على مواجهة أزمة “كوفيد- 19″، استعد “كيشيدا” لاتخاذ التدابير اللازمة، بما في ذلك الإسراع في طرح اللقاحات المعززة، والموافقة على العلاجات عن طريق الفم، وتقديم الدعم الحكومي للأشخاص والشركات التي تأثرت سلبًا بالوباء.
دعا “كيشيدا” إلى تبني “نموذج جديد للرأسمالية” يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتوزيع العادل في آنٍ واحدٍ. يتكون هذا النموذج من مكونين رئيسيين واجب تحقيقهما من خلال خلق دورة قوية من النمو الاقتصادي وزيادة الأجور عن طريق تعاون القطاعين العام والخاص.
ويتكون المكون الأول للنموذج الذي يهدف إلى النمو الاقتصادي من أربعة مكونات فرعية، وهي: الابتكار، والاقتصاد الرقمي، وتغير المناخ، والأمن الاقتصادي. وتلعب الحكومة دورًا نشطًا في كل منها. فبالنسبة للابتكار، سوف تدعم الحكومة الشركات الناشئة وتطور الموارد البشرية في مجالات العلوم والتقنيات. وبالنسبة للاقتصاد الرقمي، سوف تنشئ بنية تحتية رقمية لتقديم خدمات متنوعة في جميع أنحاء البلاد. أمَّا بالنسبة لتغير المناخ، فسوف تجري إصلاحًا استثماريًا وتنظيميًا في قطاع الطاقة النظيفة لتحقيق ما يسمى بمحايدة الكربون بحلول عام 2050.
ومع ذلك، يحرص “كيشيدا” على الأمن الاقتصادي بشكل خاص؛ إذ يدرك المخاطر المتزايدة لمشاكل التوريد فيما يتعلق بالمواد والتقنيات المهمة استراتيجيًا بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة والكوارث الطبيعية والصحية المحتملة، بما في ذلك الأمراض المعدية الجديدة. بعد اتخاذ الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى إجراءات مماثلة لليابان، أعلن “كيشيدا” عن منصب الوزير المسؤول عن الأمن الاقتصادي في حكومته الجديدة. ومن المتوقع أيضًا أن يصدق على “قانون تعزيز الأمن الاقتصادي”، الذي يحتوي على أحكام لتقوية سلاسل التوريد وإنشاء بنية تحتية حيوية.
يتمثل أحد العناصر الرئيسية للمكوِّن الثاني للنموذج، والذي يركز على تحقيق التوزيع العادل، في زيادة الأجور. لهذا السبب، تؤخذ التدابير المالية في الاعتبار، بما في ذلك تخفيض الضرائب على الشركات، وزيادة الأجور والإعانات المباشرة لمجموعات مختارة من العاملين مثل الممرضات. ومن المحتمل أن تكون تأثيرات هذه التدابير صغيرة. كما يتضمن ذلك مجموعة متنوعة من أشكال الدعم الحكومي لتربية الأطفال، مثل: تعزيز دور الحضانات، ومراكز رعاية الأطفال، وتوفير بدل سكن للأسر التي لديها أطفال. ومع ذلك، يجب إجراء إصلاحات جذرية في سوق العمل لزيادة الأجور الإجمالية.
تتطلب العواقب الاقتصادية المحتملة لنموذج “كيشيدا” الجديد للرأسمالية مزيدًا من التدقيق. وينطبق هذا بشكل خاص على الأمن الاقتصادي، إذ غالبًا ما يُنظَر إلى الأمن القومي دون مراعاة العواقب الاقتصادية أو التكاليف. بالإضافة إلى أن نموذج “كيشيدا” الجديد للرأسمالية سيتطلب إنفاقًا حكوميًا كبيرًا، مما يزيد من ديون اليابان المالية الضخمة. وسوف يحتاج “كيشيدا” إلى تقديم مخطط تفصيلي لتحقيق الاستدامة المالية، وإلا سوف يفشل المواطنون في زيادة الإنفاق، على عكس توقعاته.
يتوقف التنفيذ الكامل لسياسة “كيشيدا” على العديد من المتغيرات، بما في ذلك فوز الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات مجلس المستشارين في يوليو 2022. إذ ينبغي على “كيشيدا” التعامل مع الوباء بنجاح لضمان الفوز. فعلى الرغم من توقع صندوق النقد الدولي نموًا بنسبة 3.2% للاقتصاد الياباني في عام 2022، فإن معدل النمو هذا قد يكون أقل جدًا إذا لم تُحكَم السيطرة على وباء “كوفيد- 19”. فقط الوقت هو الذي سيحدد نجاح الرأسمالية الجديدة في اليابان أو فشلها.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: eastasiaforum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر