السر وراء النجاحات والإنجازات الإبداعية والمتكررة | مركز سمت للدراسات

السر وراء النجاحات والإنجازات الإبداعية والمتكررة

التاريخ والوقت : الإثنين, 28 فبراير 2022

أندرياس كلوث

تتمثل واحدة من نصائح “يوغا سوترا” القديمة، كما فسرها “سوامي ساتشيداناندا”، المعلم الهندي الذي توفي في عام 2002 في السطر التالي الذي ينص على “أن الشروع في التعمق وحفر بئرًا واحدة مليئة بالماء، أفضل من حفر مئة بئر ضحلة”.

تكمن المشكلة في أن البصيرة ما هي إلا نصف الحقيقة، فيجب علينا دائمًا إيجاد النصف الآخر منها. إذ يجب علينا ألا نتجاهل نصيحة المعلم “سوامي ساتشيداناندا”؛ سواء كنا نتجهز إلى بدء حياتنا التعليمية، أم كنا على وشك الانخراط في الحياة المهنية، أم كنا عالقين في أزمة منتصف العمر، أم كنا على وشك الدخول في سن التقاعد. يجب أن تضمن حياتنا مثل تلك التفاصيل البسيطة. فعلينا أولاً أن نرفرف بجناحينا بعيدًا لنستكشف ونرى ما يخفيه العالم، ثم نقم بعد ذلك بالاستغلال والغوص عميقًا وتجربة ما نراه يستحق. 

هذه هي المحصلة النهائية التي تم التوصل إليها في البحث المنشور في مجلة Nature Communications  بواسطة” لو ليو”، و”نيما دهمامي”، و”جيليان تشاون”، و”سي. لي جيلز”، و”داشون وانغ”، في جامعة نورث وسترن وجامعة ولاية بنسلفانيا. فقد كان هؤلاء الأشخاص مهتمين كثيرًا بما يتناوله عنوانهم وهو “فهم واستيعاب بداية فترات النجاح المتكررة في المهن الفنية والثقافية والعلمية”.

ينتشر الاعتقاد بفترات النجاح المتكررة، أو النجاحات الكبيرة كما يطلق عليها، بين المقامرين وجامعي الأسهم ولاعبي كرة السلة، وغيرهم. فمن البديهي أن تحقيق النجاح يؤدي إلى المزيد من النجاحات، حيث يجد المرء نفسه في تتابع مع الأحداث الناجحة دون أن يشعر. ولكن يعتقد علماء النفس أن هذا الاعتقاد ما هو إلا هراء، بينما لا يثق آخرون بهذا الاعتقاد. ففي كرة السلة، على سبيل المثال، يُزعم أن من المرجح أن يحقق اللاعبون نجاحات كبيرة من الناحية الإحصائية، وفقًا للتحليلات الجديدة، بشرط أن يقوموا بالتسديد من نفس المكان بدلاً من التحرك.

لكن هذه مجرد كرة سلة. يعدُّ تحليل البيانات في المهن الفنية والثقافية والعلمية أكثر إثارة للاهتمام، لأن الأنماط التي من الممكن أن نجدها هناك قد تمتد إلى جميع مجالات المساعي والأنماط الموجودة بها.

وجد الباحثون بالتأكيد أسبابًا للنجاح، يتم تعريفها على أنها “اندفاعات من الأعمال المجمعة والمتقاربة ذات التأثيرات الكبيرة”. على سبيل المثال، أحدث “جاكسون بولوك” أكبر نجاحاته (حرفيًا) في أواخر الأربعينيات، خلال “فترة التنقيط” الشهيرة، عندما بدأ في صب أو إلقاء الطلاء على اللوحات القماشية المنتشرة على أرضيته وهو يرقص فوقها.

في عالم الفن، صنع المخرج “بيتر جاكسون” نجاحًا تاريخيًا عندما قام بعرض ثلاثية الأفلام التاريخية “سيد الخواتم –Lord of the Rings ” بين عامي 2000 و2003، حيث جلب الرواية الخيالية الملحمية التي كتبها الكاتب البريطاني “ج. ر. ر. تولكين” إلى الشاشة الكبيرة. وفي مجال العلم، حقق العالم “جون فين” العديد من النجاحات والإنجازات في كيفية فهمنا للجزيئات الحيوية مثل البروتينات عند اختراعه للتأين بالترذيذ الإلكتروني، والتي نال عليها جائزة نوبل في الكيمياء لاحقًا.

وجد الباحثون أن هناك عاملاً مشتركًا وراء جميع هذه النجاحات وغيرها من الإنجازات الأخرى؛ وهو أن الأفراد الذين حققوا هذه الإنجازات أمضوا العديد من الوقت في الانغماس وتجربة ودراسة تلك الأشياء وإجراء البحوث المتعلقة بها. وهو ما يسمَّى بالاستكشاف في العلوم الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، قام “بولوك” بتجربة رسم العديد من الجداريات، وقام “جاكسون” بإخراج جميع أنواع الأفلام بدءًا من أفلام الرعب والكوميديا، وصولاً إلى الأفلام الساخرة، وأجرى “فين” العديد من التجارب الكيميائية الغامضة جدًا التي يتعذر على البشر العاديين فهمها. لكن في مرحلة معينة من العمر، تمسك هؤلاء الأشخاص بشيء ما وجدوه واعدًا، ثم قاموا بالتركيز عليه لفترات طويلة وهو ما يسمَّى بالاستغلال، وهذا يتحقق عندما تتراكم الخبرة لدى الفرد ويتعمق، حيث كان “فين” في هذه المرحلة في السبعينيات من عمره. تتحقق الإنجازات والنجاحات الكبيرة عند انتقال المرء من مرحلة الاستكشاف إلى الاستغلال.

كُتبت العديد من المجلدات حول “كيفية إدارة العقل البشري للمفاضلة بين الاستغلال والاستكشاف”، وهو ما لا داعي أن يقلق المرء بسببه إذا كان يفكر فقط في حياته وماذا يفعل بها. النقطة الأساسية هي أن هناك حاجة ضرورية إلى كليهما، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على التبديل بينهما.

فعلى سبيل المثال، تُعدُّ مرحلة الشباب أفضل الأوقات التي يقوم فيها المرء بالاستكشاف. لهذا السبب أنا من أشد معجبي منهج تعليم الفنون الليبرالية الذي يوجد بشكله الكامل فقط في دول أميركا الشمالية. ففي معظم الثقافات الأخرى، يقوم الطلاب باختيار المسارات الوظيفية الخاصة بهم بعد انقضاء المدرسة الثانوية؛ إذ كانت أفضل نصيحة تلقيتها عندما حضرت أول مرة في جامعتي، هي عدم دراسة مادة بعينها، باستثناء ما كنت أخطط للتخصص فيه. 

يتشابه الجزء الآخر من الحياة بشكل غريب مع هذا الأمر. ففي نفس السياق، يعتبر التقاعد مثلة عملية انتقال من مرحلة الاستغلال إلى نوبة جديدة من الاستكشاف، فيعمل على تجديد الطاقة الشبابية للمرء.. أليس كذلك؟

على المرء، أثناء مرحلة الاستكشاف، كما هو الحال عند البحث عن الماء في الصحراء، التحلي بالصبر والمثابرة لتحقيق ما يرجوه. وتتمثل مهمتك في التعرف على تلك اللحظة، والثقة في الخروج بما تريد تحقيقه من نجاح والحصول عليه من هذه البئر العميقة. إذ يمكن أن يأتي هذا النجاح في شكل أطروحة دكتوراه، أو شركة ناشئة، أو كتاب، أو أي شيء آخر. فوفقًا لما قاله “سوامي ساتشيداناندا” قبل ذلك أنه “يجب استخدام الديناميت والاستمرار في النزول إلى أسفل البئر عوضًا عن حفر بئر أخرى، وذلك لعدم ضياع الجهد المبزول في حفر البئر الأولى”.

الخبر السار هو أن دورات الاستكشاف والاستغلال لا تنتهي، بل تتكرر طوال مراحل الحياة المختلفة. عندما تشعر بالنضوب في منتصف العمر، على سبيل المثال، قد يعني هذا الأمر ببساطة أنك كنت تستغل فترة طويلة جدًا وأنك استنزفت بئرًا معينة من الآبار المتاحة لك.

لذلك توقف عن الحفر والاستكشاف وابتعد عن الأمر لفترة. ثم قم مرة تلو الأخرى بالنبش هنا وهناك. وفي النهاية، ولكن ليس في وقت مبكر جدًا، ابدأ الحفر مرة أخرى. 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: bloomberg

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر