سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جاك شافر
تحتدم روح المبادرة والريادة بداخل الطبيعة الصحفية التي تقبع بداخلنا، ولا يمكن لشيء أن ينافسها بقوة سوى الشعور بالاحتقار والازدراء تجاه أرباب العمل.
فما زلنا نحتاج فقط إلى شخص ليروي تلك الطبيعة لتتحول إلى بئر دافقة بالأفكار والآراء التي تُطرح بين طيات مجلة ما، أو في موقع إلكتروني مميز، أو أثناء إلقاء مدونة صوتية لا غنى عنها، أو حتى بين أوراق صحيفة ثورية. ولن يتحقق ذلك إلا إذا ابتعد البلهاء والمأجورون من الكتاب والصحفيين من تصدُّر المشهد الصحفي القائم، وكذلك توفير الدعم المادي اللازم من قبل المجتمع الرأسمالي الاستثماري لبدء المشاريع التي تعمل على طرح تلك الأفكار والآراء.
نادرًا ما تقدم رسائل وأهداف المؤسسات الإخبارية والصحفية، وكذا بياناتها الرسمية التي عمل على تأليفها أصحاب الرؤى الإعلامية عند بدء أعمالهم الخاصة، آفاقًا جديدة في هذا المجال، بل يلجؤون إلى تطبيق الأفكار المبتذلة المتوارثة والمأخوذة عن سابقيهم، والتي تناقلها سابقوهم على ما يبدو أيضًا عن سابقيهم من أصحاب تلك الرؤى، الذين تعاهدوا على العمل في هذا المجال متبنين استراتيجية تخمة ووفرة الأخبار والمعلومات وليس استراتيجية ما يهم منها؛ إذ اشتكوا أن “القصص المقدمة إمَّا تكون أطول مما ينبغي، أو تكون مملة جدًّا”. فأحيانًا نشعر بأن تلك الأفكار المبتذلة والمتوارثة تسير معنا على طول الطريق. إذ فشلت الوسائل الإعلامية والصحفية الحالية في تقديم “شرح وافر وتغطية شاملة للأخبار”؛ لأن هناك العديد من العناوين الصحفية الخاطفة للانتباه دون توجيه الاهتمام الكافي لما يهم منها حقًّا.
فقد كان آخر من قام بالترويج لبيان الرسالة الصحفية المبتذلة هم مؤسسو موقع “جرِد نيوز” – .Grid News فبينما نتمنى لمؤسساتهم الجديدة ولجميع الوافدين الجدد على هذا المجال نجاحًا كبيرًا، نرى أن الفنون الصحفية لم تصل بعد إلى مرحلة الكمال، إذ نعتقد أن العالم يحتاج إلى عدد أكبر من الكوادر الصحفية من هؤلاء الذين لم يتمكنوا من التعبير بعدُ عن الرسائل الفريدة الخاصة بحصيلة وثمرة أعمالهم.
يختص موقع “جرِد” – Grid في تقديم شرح وافٍ وكافٍ للأخبار وما وراء كواليسها لأناس مثلي ومثلك يطمعون فيما هو أكثر من مجرد خبر متداول، بل ويطمحون إلى معرفة كافة المستجدات التي تتعلق بالأزمات التي لا هوادة فيها. كتبت رئيس التحرير التنفيذي لموقع “جرِد نيوز” – Grid News، السيدة “لورا ماكغان” في هذا الأسبوع، عند إطلاق موقع الويب وبدء تشغيله، أن “الأولوية في هذه الأيام لما هو جديد، وليس بالضرورة لما هو مهم”. إن ذكر تفضيل ما هو “مهم” على ما هو “جديد” بالكاد يشكل فكرة انشقاقية على ما سلف ذكره. وعلى نحو مماثل، فإن النهج المتبع من قبل موقع “جرِد 360” – Grid 360 للتغطية، أثار انتقادات متعدد التخصصات في موضوع يشمل العديد من القصص المتزامنة، وبالكاد يعيد الحاجة إلى البدء من جديد. فعلي سبيل المثال، تفعل التحقيقات الإخبارية والسلاسل المعنية بالتحقيقات ذلك طوال الوقت.
ربَّما ستشتعل تلك الفكرة، ولكنها تذكرنا بالفكرة الأصلية الخاصة بموقع “فوكز” – Vox الذي كان يقوم بتقسيم الأخبار إلى بطاقات فوكز – Vox Cards قابلة للتكويم ومحدثة لتكون بمنزلة أدلة للقصص الإخبارية الجارية والمستمرة. إذ نصَّت العقيدة التأسيسية لموقع “فوكز” – Vox أنه “لم تكن مهمتنا أبدًا أكثر أهمية مما هي عليه في هذه اللحظة: التمكين من خلال الفهم والاستيعاب” كما لو أنه لا يوجد منشور آخر ذو تصميمات لمنح قرائه ميزة أو توفير نسخة حديثة لهم. لكن بعد عامين فقط، تم إنهاء استخدام أداة بطاقات فوكز – Vox Card.
أدى بيان الرسالة الخاص بشركة بك نيوز – Puck News الصادر في شهر سبتمبر الماضي، دورًا واضحًا في عملية افتتاح الموقع الخاص بالشركة في شهر سبتمبر أمام القراء. كتب رئيس التحرير “جون كيلي”: “نحن أردنا إنشاء علامة تجارية تركز على المحادثات الداخلية والتفاصيل التي تقبع وراء القصة والمؤامرة التي يعرفها المطلعون الحقيقيون عليها فقط”. أليس الحصول على التفاصيل التي تقبع وراء القصة الحقيقية هو هدف كل كاتب ومحرر طموح؟ وإن لم يكن كذلك، أو كان الأمر سهلاً، فلماذا يجب على المحرر أن ينادي بمثل هذه الأمور؟
إذا كان يعتبر الإعلان عمَّا هو بديهي جريمة، فيجب عندئذٍ الحكم على “جاستن سميث” و”بن سميث”، اللذين لم تدخل منظمتهما الإخبارية العالمية، حيز التشغيل حتى الآن، بالسجن على الفور. سخر كاتب موقع “ديفيكتور” – Defector “ألبرت بورنيكو” من حق “جاستن سميث” و”بن سميث” بالاحتفاظ بخططهما لاستهداف عمليتهما الجديدة؛ إذ إن هناك 200 مليون من المتحدثين باللغة الإنجليزية من خريجي الجامعات على هذا الكوكب، يعتقدون أن الصحافة الحالية لا تعير لهم أي اهتمام.
يمكنك رفع قضيّة تثبت فيها أن 200 مليون شخص يعانون من نقص في الخدمات، كما يلاحظ “ألبرت بورنيكو”، ولكن إذا تجاهلت نواتج جريدة نيويورك تايمز، وجريدة واشنطن بوست، وجريدة وول ستريت جورنال، وجريدة لوس أنجلوس تايمز، وجريدة ذا أتلانتيك، ونيويوركر، ومجلة نيويورك، ومجلة هاربر، وجريدة التايم، والجريدة الوطنية، ومجلة ذا نيو ريببلك، وإنسيدر، وجريدة ذا أنترسبشن، ومجلة برو بابليك، ومراجعة كولومبيا للصحافة، ومجلة فانيتي فير، ومجلة الأم جونز، ومجلة ذا فيدراليست، ومجلة ذا نيشن، وجريدة جاكوبين، وذا واشنطن إكزامينر، وذا هيل، وذا ريزون، وشركة بلومبيرغ إل بي، وموقع ذا ديلي بيست.
فبينما لا ينبغي لأحد التقليل من شأن “جاستن سميث” و”بن سميث”، بل على الجميع أن يشيدوا بوعدهما بابتكار شيء جديد، لم يتواصل أي منهما إلى تحقيق أي شيء يمكن أن يُطلق عليه، ولو شكلاً، رائع. ففي المذكرة الداخلية التي كتبتها “سارة فيشر” من موقع “أكسيوس ميديا” – Axios، زعم جاستن سميث أن “المؤسسات الإخبارية الحالية” لم تكن “مهيأة لتغيير اتجاه واستراتيجية العمل”. وتمادى بنفسه في نظرية الكارثة التي يسعد بها العديد من وسائل الإعلام الجديدة، إذ نتذكر أن “جيم فاندي” ادعى قُبيل تأسيس موقع “أكسيوس”، أن “وسائل الإعلام ما هي إلا عملية احتيال”. كما كتب “سميث” أن مجال الصحافة كانت في حالة يُرثى لها. وأشار إلى أن “المؤسسات التحريرية التقليدية أصُيبت بالشلل التام تقريبًا، وذلك على المستوى العملي والسياسي والثقافي إزاء مواجهة الاضطرابات التكنولوجية والمجتمعية خلال العقدين الماضيين”، كما قال [التأكيد مضاف في كلا الاقتباسين].
هل تعاني من التدهور، أو الشلل التام؟ بالفعل عانت معظم الصحف اليومية من التدهور والانخفاض المطرد على مدى عقود من الزمن، وكان القليل منها يحقق هوامش ربح تقدر بـ30 في المئة من تلك التي كانت تحققها قبل أن تحرقها القوة التنافسية للإنترنت. ولكن من المبالغة التصريح بأن المؤسسات التقليدية تعاني من التعثر أو ما شابه ذلك. ألم تنقذ جريدة “نيويورك تايمز” نفسها من الهلاك بفضل عائدات اشتراكاتها؟ ألم تقم جريدة “التايمز” بدفع 500 مليون دولار لجريدة “ذا أتلتيك”؟ ألم ترتفع أسهم موقع “رينغر” لتحقق 200 مليون دولار؟ ألم تشترِ “أكسل سبرينغر” أجزاء من شركة “إنسيدر” التي لم تكن تمتلكها بالفعل مقابل 343 مليون دولار في عام 2015، وجريدة “بوليتيكو” في اليوم الآخر مقابل مليار دولار؟ لا تُثبت أسعار البيع في حد ذاتها أن مجال الصحافة يعاني حالة من التدهور كما يصرُّ المتشائمون، لكنها تشهد نوعًا جديدًا من النشاط الصحفي. كثير من القراء على استعداد لدفع ثمن ما يستهلكونه، فهم يريدون ما تفرزه هذه المنافذ لهم، سواء كانت ما تفرزه عبارة عن أجزاء من التحقيقات المترامية الأطراف أو نشرات إخبارية صباحية مقتضبة.
لذا، فلماذا اندفع الكثيرون للتنافس مع المواقع والشركات القائمة، على الرغم من أن المشهد الصحفي الحالي يتصرف بمهزلة ويتسم بالفشل الذريع؟ من الواضح أن السبب يكمن في ثقة الشركات الجديدة الوافدة لجني الأموال والرغبة في بناء مؤسسات طويلة الأمد أو بيعها لجني الربح أو عائد مادي كبير. وجرت العادة أن تفسح الشركات العملاقة مجالاً للشركات الناشئة الجديدة الطامحة لتمارس أعمالها، إذ دائمًا ما يتسم المشهد الصحفي بالمرونة وعدم الاستقرار. من المنطقي أن تتبنى الشركات الجديدة الناشئة، أثناء سعيها لتصبح من المؤسسات الإعلامية الكبيرة، منطق العلاقات العامة بأن كل ما هو قديم سيئ، وكل ما هو جديد رائع؛ لأنها، بطبيعة الحال، من الشركات الجديدة في المجال. ومن المنطقي أيضًا أن تلك الشركات سوف تتبنى تطبيق الكثير من المبادئ والمفاهيم التي توجه إليها أصابع النقد في بياناتها التأسيسية لدى إحرازها النجاح. فعلي سبيل المثال، ذكرت صحيفة “بوليتيكو” – POLITICO في بيان تأسيسها في عام 2007 أنه “لن نقوم بملاحقة قصة اليوم”، البيان الذي سرعان ما أصبح غير فعال.
لا تطمح جميع الشركات الناشئة في تطوير أو إعادة تشكيل عالم ومجال الصحافة. لقد أصدر طاقم عمل موقع “بانشباول نيوز -Punchbowl News بيان الرسالة المتواضع التالي قبل عام: “سيقوم الموقع بالعمل والتركيز دون كلل على الأشخاص أصحاب القرارات القائمين بالعاصمة واشنطن، وكذلك على الأخبار والأحداث التي من شأنها أن تؤثر في الأسواق السياسية”. عند إطلاق البريد الجوي في عام 2019، وعد “جرايدون كارتر” بتحقيق ما يفوق اعتقاده بما يناسب الجمهور. إذ كتب “كارتر”: “هدفنا هو أن نقدم لكم عطلة نهاية أسبوع تتسم بالمتعة والتسلية والجدية أيضًا، يتم إرسالها إلى صندوق الوارد الخاص بك كل صباح من يوم السبت في الساعة السادسة بتوقيت مدينة نيويورك”. “نحن نهدف إلى مفاجأتك.” من هم القراء المحتملون لهذا الموقع؟ “على الأغلب أنهم سيكونون من الأشخاص المتمرسين ذوي الخبرات. فقد صرح لصحيفة “نيويورك تايمز” أنهم لن يكونوا من هؤلاء الذين يجوبون المدن والشوارع ويذهبون إلى لاس فيغاس لشرب الشمبانيا والجلوس في حوض الاستحمام على شكل قلب.
ما الذي يمتلكه مؤسسو المواقع والشركات الإخبارية والصحفية لاعتلاء هذه المكانة العظيمة؟ فالأرباح التي تنتج عن صحيفة “نيويورك تايمز” ليست كبيرة للدرجة التي تجعل أي شخص يستثمر أمواله في هذا النوع من الأعمال. يشعر المؤسسون، عند الترويج للمستثمرين، بأنهم مضطرون إلى المبالغة في حداثة شركاتهم الناشئة المحتملة، ويقومون بتأليف العناوين الإخبارية المبالغ فيها في إعلانات ولادة أطفالهم. في غالب الأحيان، يظل مؤسسو الشركات أو المواقع مبالغين في مهاراتهم الخاصة عند تقديم منشوراتهم للقراء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: politico
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر