أفرزت الجائحة فئات فقيرة متنوعة، منها على صعيد الجنس، فتعمقت ظاهرة تأنيث الفقر، وأخرى على صعيد القطاع الوظيفي، وبالأخص قطاع خدمات الصحة والتعليم.
أثقل ذلك كاهل الدول لتوفير حماية اجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، وقد رصد تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في سبتمبر الماضي أن أكثر من 4 مليارات شخص ما زالوا يفتقرون إلى أي تدخلات للحماية الاجتماعية، حيث فشلت بعض الدول في توفير الحماية الاجتماعية المطلوبة لمواطنيها، سواء من خلال تسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية، أو توفير سبل لتأمين الدخل اليومي، أو حتى إتاحة برامج حماية مخصصة للفئات الأكثر احتياجًا ككبار السن، أو أصحاب العجز، أو الأطفال بلا مأوى، وغيرهم من الفئات الخاصة.
يحظى نحو 47% فقط من سكان العالم بالحصول على بعض مزايا الحماية الاجتماعية، بينما يظل نحو 53% دون أي حماية تذكر وفق إحصائيات التقرير العالمي للحماية الاجتماعية عام 2020-2021. وتتعمق الفجوة بشكل مطرد على أصعدة متباينة، فعلى الصعيد الإقليمي تتمتع معظم دول أوروبا وآسيا الوسطى بأعلى معدلات للحماية الاجتماعية، وهناك نحو 84% من سكان هذا الإقليم يحصلون على نوع واحد بحد أدنى من أنواع الحماية الاجتماعية. وتزيد الفجوة قليلًا في دول الأمريكتين، حيث تبلغ نسبة المتمتعين بالحماية الاجتماعية نحو 64.3%، وتتسع بشكل أكبر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث تسجلان نحو 44%، ولا تبتعد الدول العربية كثيرًا عن دول آسيا فنسبة الحماية الاجتماعية بلغت هذا العام نحو 40%، بينما تبلغ ذروتها بشكل أعمق في دول إفريقيا حيث تسجل الحماية الاجتماعية عالميًا أقل معدلاتها بنسبة 17.4% فقط.
أما على الصعيد الفئوي، فإن فجوة الحماية الاجتماعية تتباين في بعض الفئات وتتفق في فئات أخرى، بيد أنها فئة كبار السن في جميع أقاليم العالم بشكل عام تحظى بأعلى معدلات الحماية الاجماعية، ويُعزى ذلك إلى ارتباط هذه الفئة بأنظمة المعاشات التي يكفلها قانون العمل بحسب كل دولة، وتبلغ نسبة حماية كبار السن إجمالًا 77.5%، وتسجل أعلى معدلاتها في إقليم أوروبا وآسيا الوسطى بنسبة 96.7%، بينما تبلغ أدنى معدلاتها نحو 27% في إقليم إفريقيا. يتفاوت دعم ذوي الإعاقات بين إقليم وآخر، وتغطي مخصصات الحماية الاجتماعية لذوي الإعاقة شخصًا واحدًا فقط من كل ثلاثة أشخاص يعانون من إعاقة شديدة، حيث تبلغ نسبتهم 33.5% حول العالم، ولا توجد إحصائيات تفصيلية توضح حجم الإعاقات إقليميًا مقابل الدعم، لذا لا يمكن الاعتماد بشكل مطلق على النسب المدرجة بالتقرير. على صعيد متصل، تعاني النساء من فقد الحماية الاجتماعية وخاصة الأمهات، وهناك 55.1% من الأمهات اللواتي لديهن أطفال حديثو الولادة لا يحصلون على إعانة أمومة نقدية، كذلك يفتقر نحو 73.6% من أطفال العالم إلى تغطية اجتماعية فعالة.
يمثل حجم تمويل برامج وأنظمة الحماية الاجتماعية جانبًا آخر للفجوة الدولية، فقد ارتفع الإنفاق لضمان الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية في جميع دول العالم بنسبة تخطت 30% منذ بداية الجائحة، وعلى الرغم من ارتفاع إنفاق الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع على برامج الحماية الاجتماعية بنسبة بلغت 8% من إجمال الناتج المحلي؛ إلا أنها ستحتاج إلى ما يقرب من 750 مليار دولار أمريكي إضافية كل سنة للاستثمار في برامج الحماية الاجتماعية، كما ستحتاج الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى إلى 362.9 مليار دولار أمريكي سنويًا، وستحتاج الدول منخفضة الدخل إلى استثمار إضافي قدره 77.9 مليار دولار أمريكي سنويًا. لذا سيرتبط تصاعد فجوة الحماية الاجتماعية بحجم الاستثمار في برامج الحماية الاجتماعية حول العالم. وسيصبح هدف “عدم ترك أحد خلف الركب: Leave No One Behind” هدفًا يصعب تحقيقه كأحد أهداف التنمية المستدامة.
يعد عام 2021 عامًا منقطع النظير، فقد تطلب استجابات استثنائية للحماية الاجتماعية دولية وإقليمية ومحلية، ووفق ما جاء في وثيقة البنك الدولي الصادرة في مايو الماضي مثلت التحويلات النقدية الأداة الرئيسية من بين تدابير الحماية الاجتماعية بنسبة 42%، حيث تم تخطيط وتنفيذ نحو 734 تدبيرًا نقديًا في 186 دولة حول العالم في الفترة من ديسمبر 2020 وحتى مايو 2021، وهناك أكثر من 780 برنامج دعم نقدي على مستوى العالم، وارتفعت معدلات الدعم النقدي مقارنة بمستوياتها قبيل الجائحة بشكل عام في جميع أنحاء العالم، حيث بلغت نسبتها في مصر نحو 50% باجمالي 3 مليارات جنيه كتعويض نقدي لمرة واحدة قدره 500 جنيه مصري لمدة 3 أشهر للعمال غير الرسميين المسجلين في قاعدة بيانات وزارة القوى العاملة، علاوة على ضم 160 ألف أسرة جديدة خلال عام 2021 ضمن برنامج “تكافل وكرامة” التابع لوزارة التضامن الاجتماعي.
أولت الأمم المتحدة اهتمامًا خاصًا بشمول المناطق الريفية على وجه التحديد بالحماية الاجتماعية المناسبة، جاء ذلك في التقرير الصادر عن إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة في مايو الماضي، فلا يزال الفقر ظاهرة ريفية في المقام الأول، وخاصة فقر الوصول إلى الخدمات الأساسية، وهناك نحو 56% من سكان المناطق الريفية حول العالم يفتقرون إلى الحصول على الخدمات الصحية وفق إحصائيات منظمة العمل الدولية عام 2017. هذا إلى جانب العديد من التحديات، وفي مقدمتها الاعتماد على الزراعة كمصدر للدخل، فالزراعة في حد ذاتها اقتصاد موسمي يعتمد على الطقس، مما يخلق بطالة موسمية ويعني برامج حماية متقطعة وغير مستدامة نتيجة صعوبة حصر وتحديد الفئات المستحقة للدعم الاجتماعي بشكل منصف.
وللتغلب على هذه العوائق أوصى التقرير بضرورة أن تقوم الحكومات بتعديل خطط الدعم والحماية الاجتماعية لقرى الريف بما يتضمن مرونة لشمول أنواع العمالة الشائعة في المناطق الريفية، ويضمن مراعاة موسمية وتقلب الدخل والأرباح بحيث يتم ربط برامج التأمين الاجتماعي بمواسم الحصاد، علاوة على أهمية تيسيير الإجراءات الإدارية وتخفيض رسومها، وفي هذا الصدد تمثل مجمعات الخدمات الحكومية التي تم بناؤها ضمن برنامج “حياة كريمة” في مصر نموذجًا مثاليًا يجمع خدمات متعددة للحكومة في مواقع واحدة داخل الوحدات المحلية بالقرى. على صعيد متصل، تُساهم التكنولوجيا بشكل ملحوظ في تسهيل الحماية الاجتماعية في القرى، سواء في حصر الفئات المستحقة أو تسهيل الاستفادة من الدعم، لذا فإن سد الفجوة الرقمية في المناطق الريفية أضحى أمرًا حتميًا وهامًا.
في السياق ذاته، يوضح تقرير منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، وجهات نظر لنهج مشترك نحو توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل سكان الريف، من خلال فهم ومعالجة التحديات التي يواجهها سكان الريف دون الوصول إلى أنظمة وبرامج ومزايا الحماية الاجتماعية. هذه التحديات ينبغي تحليلها بالتفصيل من أجل تحديد الفرص المحتملة بما يعزز مشاركة أصحاب المصلحة في تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم سياسات وبرامج الحماية الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون أنظمة الحماية الاجتماعية للمناطق الريفية مرتبطة بأطر قانونية لضمان استدامتها ومتابعة تطورها، والتنبؤ بمستقبلها. علاوة على ضرورة النظر في آليات التمويل المختلفة لتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية.
مجمل القول، إن الحماية الاجتماعية حول العالم تواجه فجوة متصاعدة نتيجة لجملة من التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، لذا فإنه من الأهمية بمكان البحث عن برامج دعم لا تعتمد على مفهوم المساعدات المباشرة الفورية فقط، بل تكون أكثر استدامة، وتهدف إلى حلول جذرية لمشكلات مثل: ضعف البنية التحتية والخدمات في القرى الريفية، أو البطالة، أو تضخم معدلات الزيادة السكانية. كما يجب أن يتم ربط هذه البرامج بأطر قانونية وتنظيم مؤسسي كما هو الحال في المشروع القومي المصري “حياة كريمة”.