سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إبراهيم الروساء
مقدمة
بفضل الثورة الرقمية الحديثة أصبح الكل إعلامي، ورئيس تحرير، وناشر يدلي بدلوه في شؤون المجتمع من دون أدنى درجات للمعايير العلمية، والمقاييس المحكمة، وصار لكل مستخدم وسيلته الإعلامية التي يصدر فيها أحكاماً وينشر ما يشاء ويتحدث عن أي شيء سواء كان صغيراً، أم كبيرا، شخصا بسيطاً، أم مثقفاً مشهوراً، خبيراً في الاستراتيجيات الكبرى، أم خبيرا في الطبخ، أو التجميل.
وفي الواقع لا شيء أسهل من أن يمسك الشخص جواله ويفتح أي تطبيق جماهيري ويطلق لقلمه العنان متحدثاً عن قضايا الساعة التي يمر بها المجتمع في شتى المجالات، والتخصصات حتى لو كان هذا المجال لا يتعلق سوى بمشاجرة بين زوج وزوجته في قرية نائية، ناهيك عن الإغراء الآخر وهو السناب شات حيث لا يتطلب الأمر سوى أن توجه الكاميرا ثم تنطق بكل ما أوتيت من طاقة كلامية، وبالحكم الخالدة والأقوال، والدرر السنية.
إن هذا الوضع خلق حالة من الفوضى، والعشوائية والحشد المعلوماتي الكبير فما عاد القارئ يستطيع السيطرة على الكم الهائل من الأخبار فضلا عن التحليلات، والتوقعات، وإصدار الأحكام التي أصبحت وبفضل التقنية تظهر في جزء من الثانية إلى ترند عالمي ويصبح موضوع الساعة.
مفاهيم
الرأي العام هو بتعريف موجز خلق فكرة من خلال عدة وسائل اتصالية، ثم تنتشر في الطيف الجمعي لتصبح هي الحقيقة، وإن كانت غير ذلك في حين يأتي صناعة التضليل بشكل أكثر عمقاً ودقة وتتحكم في تكوين القيم، والمبادئ، والمعتقدات.
والتضليل صناعة اتصالية قديمة ظهرت مع ظهور التجمعات البشرية، وبرع فيها طائفة من اليهود، وجاء ذكرهم في القران حيث يقول الله تعالى: (ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.(
كيف نقيس الرأي العام؟
في الواقع فإن الرأي العام هو رأي الأغلبية، بيد أن لقياس ذلك معايير، وأطر علمية محكمة، تعكس فعلياً رأي تلك الأغلبية، ومقابلها الأقلية، ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وتقنيات مؤشرات الرأي باستخدام عينة محدودة؛ أصبح بإمكان كل مستخدم تأطير مقاييس رأي خاصة به، وهي غالبا مقاييس غير محددة ولا تخضع لمعايير علمية إنما أقرب للانطباع وهو ما يعني أن حتى إجماع تلك الأراء لا يعبر عن رأي عام في قضية معينة فهم لا زالوا أقلية.
وهذا القول يدفعنا للإشارة إلى أن ما يقوم به مستخدمو الشبكات الاجتماعية وتحديدا فيس بوك وصفحاته ومجموعاته وتويتر وهاشتاقاته؛ ما هي إلا مؤشرات لا تعبر بأي حال من الأحوال عن الحالة، وفي السعودية يعتبر هذا الإجراء مخالف لنظام النشر، والمعلومات، ولا يعتد بنتائجه لتشكيل رأي رسمي، وتجدر الإشارة إلى إن الجهة المخولة في المملكة العربية السعودية لإجراء قياس للرأي العام هو مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ويمكن زيارة الموقع الخاص لذلك عبر الرابط التالي https://www.kacnd.org/Questionnaire/Index، والتعرف على بعض نتائج استطلاعات الرأي المنشورة.
القياس والتضليل
ترى مراكز الأبحاث والدراسات أن الرأي العام هو حالة من إجماع الأراء، أو الاتفاق الجماعي لدى أغلب فئات المجتمع وهو ما يعبر عن الأغلبية، لذلك يعمد بعض النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي إلى تصوير تلك الحالة بدون أن يكون لديهم ظهير شعبي كبير، فيما يحاول تصوير الرأي الشخصي على أنه رأي الأغلبية، وتأطير القياس لصالح هوى المستخدم.
هناك من يحاول استخدام تلك الوسائل بهدف خلق رأي عام مضلل، وغير صحيح وهو ذلك الذي يتكون بتأثير الدعاية، والشائعات، ودس معلومات غير صحيحة. وهو ما يحدث كثيرا عمداً، أو سهواً من منتجي الأخبار على شبكات التواصل بتجهيل المصادر ومحاولة تضخيم الأمور وإعطائها ظهير شعبي غير موجود على أرض الواقع.
هل الانفتاح مؤشر حقيقي؟
من المؤكد أن شبكات التواصل الاجتماعية فتحت أفاقا جديدة للفكر والثقافة وتبادل التجارب والخبرات، وتطورت نظريات الاتصال بفضل هذه الشبكات الاجتماعية واقع علنيا الاعتراف به لكن وفي المقابل لذلك هل يضعنا الانفتاح في بيدر الحقيقة؟
إن الأفق الإعلامي في السعودية منفتح بشكل واضح وهو ما أسهم في خلق حالة من التعبير الفردي إلا أن الظاهر هو استغلال هذه الشبكات في صناعة التضليل وتزييف الحقائق واستغلال الجماهير بإطار معين يضعه المستخدم لا يعتمد فيه على المعايير العلمية لقياس الرأي العام ولا يمكن أن يكون مؤشرا حقيقيا لأن الشريحة المشاركة تعتبر عينة غير قابلة للقياس، ولا تفيد صانع القرار، وبنظرة سريعة على بعض الحسابات القابعة في تويتر ستظهر نماذج تؤكد مدى واقعية هذه المقاييس والمؤشرات.
وبالعودة للوراء قليلاً نرى أن الرأي العام، وصناعة التضليل يأتيان في صور حملات دعائية تحمل طابع الدفاع عن القيم، والمعتقدات، وتركب الموجات الاجتماعية لحلول قيم، ومعتقدات جديدة خارجه عن السياق، وتعتبر جديدة في إطارها الاجتماعي والثقافي.
إن أبرز مثال لهذه الحالة، وأقصد حالة صناعة التضليل الإعلامي الحملات الدعائية التي تمس مباديء المجتمعات وقيمها، وهي في الوقت نفسه بعيدة كل البعد عن الأخلاق وأخلاقيات المهنة. وهنا لابد من اجترار قصة حدثت في عام 1928م في الولايات المتحدة الأمريكية عندما اشتكى تجار التبغ من كساد البضاعة وانخفاض المبيعات فقصدوا عراب الحملات الدعائية “البروباغندا” ورجل العلاقات العامة الأمريكي ” إدوارد بيرينز”. ففكر بيرينز بطريقة ينقذ فيها هذه الشركات فوجد ضالته في تدخين النساء، إذ كان هذا الأمر في عشرينيات القرن الماضي أمراً مرفوضاً داخل المجتمع الأمريكي؛ بل عادة قبيحة ومستكرهة. ولكنه عزم على إنقاذ من قصدوه مستغلاً أحد المناسبات الوطنية الهامة، وأرسل مجموعة من ذوات الكعب العالي من مشاهير الأفلام، وفتيات الموضة، وعارضات الأزياء، وملكات الجمال للسير في أكبر شوارع نيويورك وطلب منهن حمل مشعل الحرية باليد اليمنى، والسجائر باليسرى، وطلب من الصحف ووسائل الإعلام ووكالات الأنباء تغطية حدث غريب وهو قدرة المرأة على كسر عادة الاجتماعية فرضها المجتمع وتعيش بحرية كما يحلو لها دون إملاء من أحد وكتبت حينها جريدة نيويورك تايمز عنوانا شهيرا ذاع صيته في الآفاق “مجموعة من الفتيات نفثن السجائر في سبيل الحرية”. فكسر المحظور وتضاعفت مبيعات شركات التبغ بفضل هذه لحيلة الماكرة من بيرينز.
ولم تستطع حيلة بيرينز النجاح لولا لعبه على وتر الحرية الذي كان موضوعاً ساخناً في تلك الأثناء مع تزايد الدعوات إلى وجوب مساواة المرأة بالرجل في الحقوق وفي النظام وروح القانون. استغل بيرينز هذه الدعوة لكسر قانون اجتماعي وعرف ثقافي واستطاع في مدة وجيزة فعل ذلك بمساعدة وسائل الإعلام التي دعمت هذه الحملة. وفي الواقع أن هذه الحملة نجحت نجاحا باهرا وتضاعفت مبيعات شركات التبغ وتحول النصف الثاني من المجتمع الأمريكي إلى مجتمع مدخن؛ بل وصارت عادة تفاخر بها النساء، وتدل على الاستقلالية، والقوة بفضل الصورة الذهنية التي رسمتها وسائل الإعلام عبر الشاشات، والصحف، والمجلات التي تظهر الجميلات، والأنيقات مع السجارة وتظهره انتصارا لحرية المرأة وتفوقاً على الرجل الذي حرمهن هذه المتعة بزعمهن إن هذا النجاح يسجل لبيرينز لكنه نجاح يخلو من الأخلاق المهنية التي تتطلبها المهنة، كما تنسف بميثاق الشرف الإعلامي إلى حائط الاستغلال والتضليل.
علاقة التضليل بالإعلام
إن ارتباط كلمة التضليل بالإعلام ظالمة من وجهة نظري، فالتضليل لا يقتصر على الإعلام فحسب بل يأتي على عدة صور منها تغيير الأحداث لصالح أهداف لا تمت للواقع بصلة، أو قلب الحقائق، والكذب، والمبالغة.
لكن من سوء طالع الإعلام أنه القالب الأنسب لذلك وبهذا اكتسب الصفة الموصوف بها حين نعرف ما يؤديه الإعلام من دور خطير في حياة الأمم، ليس في نقل الأخبار، والأحداث فقط، وإنما في صياغة وتحديد توجهات الرأي العام. ومن هنا يصبح التضليل الذي يمارسه الإعلام أحيانا بمثابة حرب نفسية تشنّ على المتلقي لإحداث أكبر قدر من التأثير.
والتضليل الإعلامي يأتي عن طريق تضخيم الأحداث الصغيرة، أو تصغير الضخمة، والتركيز على وقائع معينة، أو قلب الحقائق، وانتقائية الأخبار والمصادر، أو المتحدثين، والشخصيات داخل المحتوى الإعلامي.
إن التضليل يصنع إعلاماً رمادياً يشوش على المتلقي، ويضيق دائرة المعرفة، ويصنع الجهل المتعمد، وهو من أخطر الوسائل، أو الحروب التي تستهدف عقول البشر؛ حيث تبدأ بالتشويش، ثم تصيبها في قناعتها؛ لصرف الأنظار عن حدث ما، أو تسعى لتغيير وجهات النظر باتجاه واقع غير موجود أصلاً وليس إلا وهماً، ثم تجسيده والدفاع عنه حتى يصبح حقيقة، وبالمقابل التشويش على واقع حقيقي، وتشويه القناعات بشأنه؛ حتى يصبح في وعي الشعوب غير حقيقي.
وإذا كان هذا خطر التضليل الإعلامي في وسائله القديمة فما بالك بعد ظهور الشبكات الاجتماعية والثورة الرقمية الهائلة التي باتت في يد كل شخص، وأصبح بمقدور كل كائن على هذه البسيطة صنع تضليل بحسب دائرة معارفه والمحيطين به. ويجدر في هذا الإطار إلماحة موجزة عن بعض الإحصائيات والأرقام التي تكشف جزء من الحقيقة، وتزيح الستار عن خطورة تحدث بالمجتمعات حينما يراد استخدام الشبكات الاجتماعية في صناعة التضليل.
كشفت كثيرة من الدراسات، والإحصائيات إلى أن ثلثي سكان العالم يستخدمون الإعلام الاجتماعي أي بما يزيد عن ٣ مليار مستخدم، وأطلق باحثون على شبكة شهيرة مثل فيسبوك القارة السادسة لوجود ما يزيد عن مليار مستخدم لهذه الشبكة.
بل إن هذه القارة الإلكترونية العظيمة لم تقف عند هذا الحد؛ بل تحولت إلى مصدر ثري جدا بالمعلومات للمستخدمين، فتخيل أن هذا المليار ونيف يضع كل مستخدم فيه صوره، وفيديوهاته، ويومياته، وهواياته، وصداقاته، والأماكن التي يزورها، وذكرياته التي يعيش معها في صفحته ثم تأتي الشركات العملاقة لتستفيد من هذه المعلومات لتسويق منتجاتها، وخدماتها حتى بلغت أرباح هذه الشبكة لما يزيد عن مليار دولار شهرياً بحسب ما أعلنت الشركة نفسها ذلك.
وبالرغم من أن فيسبوك شركة أمريكية صرفه وتضم مستخدمين كثر من الولايات المتحدة إلا أنها لم تسلم من محاولات التضليل الإعلامي، ففي تقرير صحفي نشرته وكالة رويترز أن ١٢٦مليون مستخدم أمريكي قرؤوا منشورات في فيسبوك مصدرها روسيا إبان الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، نظير ذلك ما أعلنت عنه شركة غوغل حيث انخدعت هي الأخرى بترويج وتضليل لأخبار مزيفة تظهرها أمام القراء والخاصة بتفجيرات تكساس، وقالت أن معظمها معلومات مغلوطة وغير صحيحة حيث نسبت العمل الإرهابي إلى شخص مسلم؛ وقد اعترفت أنها روجت لهذه المعلومات بالقول أن الفاعل مسلم، واعتذرت عن ذلك بحسب بيان رسمي صدر عنها.
في السعودية لا يتأتي الحديث دون تويتر الذي صنع فضاءً استثنائياً في التواصل حيث يوجد أكثر من أربعة ملايين مستخدم نشط لهذه المنصة لوحدها بينما وصل عدد مشتركي تويتر في العالم إلى 290مليون مستخدم منهم 6ملايين في العالم العربي.
ولعل تويتر هو المنصة الأبرز في السعودية، فضلاً عن منصة يوتيوب التي احتلت مكانة بارزة في صناعة المحتوى المرئي، وهذه المكانة تأتي بفضل البنية التحتية للاتصالات، وسهولة الإمكانيات، وأجواء الانفتاح التي يعيشها المستخدم في المملكة، فهذه المنصات وغيرها غير متاحة في بعض الدول.
دراسات
وبالنظر لهذه الأرقام في الاستخدام والتعاطي؛ فإن المجتمعات العربية تعاني كثيراً من أبرز صور التضليل وهي الإشاعة التي لا تقل خطرا عن التضليل ذاته؛ بل هو أحد أهم صوره ولحجم وخطر هذه الآفة الاتصالية تخيل أن في مصر لوحدها وبحسب دراسة أجرتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في البرلمان المصري أن هناك 53 ألف شائعة يتم إطلاقها خلال ستين يوماً داخل مصر عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ أي بمعدل ٨٣٣إشاعةً يومياً بواقع ٣٦إشاعة كل ساعة.
إن هذا الكم الهائل من المعلومات المزيفة يضرب في كاهل الحكومة، ويزرع الارتباك داخل المجتمعات، وينبئ بخطر ثقافي، وفكري كبير؛ فإن كان كثرة الضرب تفل الحديد كما قيل كما أن كثرة الإشاعات تهز الثقة، وتمخر بالأمان، وتعطل التنمية، وتغدوا مؤسسات الدولة منشغلة عن الإنجاز بالنفي وملاحقة الأكاذيب لتفنيدها.
إن الشبكات الاجتماعية نعمة متى ما أحسن استغلالها بوعي، وبثقافة تقف سد دون الإضرار بالمجتمعات؛ فالمعلومات الهاطلة من هذه المنصات إن لم تجد سدا منيعا من الوعي، والإدراك ستنفجر في أية لحظة ولات ساعة مندم.
ولم تألوا الدراسات الغربية والعربية جهداً في كشف خطر صناعة الرأي العام المضلل، ونورد هنا شواهد عليها مثل الدراسة التي أجراها الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، في جمهورية مصر العربية، ورأى فيها أن مواقع التواصل تساهم بشكل كبير في نشر الشائعات، والأخبار الكاذبة، حيث لا توجد رقابة، ولا ضوابط محددة لفلترة تلك الأخبار، وهو الأمر المدمر إذ من الممكن أن تؤدي تلك الشائعات لخلق أزمات سياسية أو اقتصادية.
في حين أجرى العالم الأمريكي “لارىروزين” أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمركية دراسة تبين فيها أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يؤدى إلى تزايد الشعور بالعدوانية و الأنانية والاضطرابات النفسية والكآبة. واتهم الدكتور بدران بدران، أستاذ الإعلام بجامعة زايد، في دولة الإمارات العربية المتحدة مواقع التواصل الاجتماعي بأنها وراء تدهور العلاقات الأسرية؛ بما فرضته على مستخدميها نوعا من العزلة، والانقطاع عن الحياة العامة، والاجتماعية.
وقال الدكتور بن عيسى عسلون، من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط في دراسة أن لمواقع التواصل الاجتماعي نصيبًا من المساندة العامة للعمل الإرهابي الإلكتروني، مما أدى إلى اتساع نطاقه وتناميه.
أكدت دراسة للدكتور مبارك الحازمي أن الإعلام الجديد أصبح أداةً من أدوات المنظمات الإرهابية في نشر الفتن، والأفكار المتطرفة، لسهولة تداوله، وهذا يعني أنه بات يستخدم ضمن أخطر الحروب على الإطلاق، باستخدام التقنيات التكنولوجية المتطورة.
ولكن ومن وجهة نظري أن أهم دراسة هي تلك التي كشف فيها الدكتور جدو ولد محفوظ من جامعة نواكشوط أن 80% من الذين انتسبوا إلى التنظيمات الإرهابية تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن واقع هذه الدراسات يتبين أهمية وخطورة مواقع التواصل الاجتماعية في تشكيل وعي معين وصناعة تضليل إعلامي قاد الجماعات المتطرفة كداعش، والقاعدة إلى تبني آراء دينية متطرفة، ومواقف عدائية خالصة باسم الدين، وذلك من خلال هذه المنصات الاجتماعية التي لا يجب التقليل من شأنها ومن خطورتها.
ما المقابل؟
أمام هذه المنصات وتطبيقات الدردشة ألم تقف يوماً وتتسائل كيف تقدم كل هذه الخدمات الرائعة والقوالب الاتصالية السهولة والميسرة من دون أن تأخذ مقابل ذلك فلسا واحدا!!
وكنموذج قريب في جيب كل منا هاتف ذكي فيه تطبيق واتساب، ويقدم مجموعة من التقنيات، والخدمات الرائعة، والهامة، وتحول التطبيق لبرنامج مهني للاتصال الداخلي للمنظمات، والأفراد بل ويقدم خدمات المحتوى، والملتميديا، والأخبار وتسويق الخدمات، والمنتجات، والسلع، كل هذا وأكثر من دون مقابل.
في الواقع لا شيء في هذه الأيام مجاني إلا أن هذه المرة طريقة الدفع اختلفت حيث أن المستخدم هو المقابل بشكل غير مباشر وهذا الواقع يكشف عن قاعدة اتصالية هامة، وهي أن أي خدمة تقدم للمستخدم مجانا فتأكد أنه السلعة! ولكن كيف ذلك؟
الشركات العملاقة مثل فيسبوك التي استحوذت على تطبيق واتساب، وشركة غوغل، وغيرها من شركات التقنية العملاقة تبيع على المعلنين معلومات المستخدمين، فالمستخدم مثل الكتاب المفتوح لهذه الشركات تعلم ميوله، ورغباته، وتطلباته، وحاجاته؛ بل وماذا يشتري، ونوع مأكله، ومشربه، وتفاصيل حياته اليومية، وأين يقضي معظم وقته؟ وعلاقاته. وكل هذا بفضل تحديثات المستخدم، ومعلوماته التي يحقنها في هذه الشبكات من صور، وفيديو، وعمليات بحثه إلى الخ.. تقدم هذه المعلومات إلى المعلن، وبالتالي يصنع له دعاية على ما يشتهي، ويريد، ويطلب.. هنا ستكون سلعة باهظة الثمن قدمها المستخدم بأبخس الأثمان.!
ثمة نموذج تضليلي لا ينسى في المنطقة، وهو مثال واضح لكيفية استخدام المعلومات في التضليل باستخدام العاطفة، فمنذ قرابة عامين شهدت ساحة تويتر معلومات أشيع فيها أن طفلة ينضح من وجهها البرائة مريضة بالسرطان، ونالت اهتمام وتعاطف المجتمع السعودي، فدشنوا هاشتاج#أصدقاء_سارة ووصلتها تبرعات بمئات الآلف، وبعضهم تبرع بحلاقة شعر رأسه تضامنا معها ليستيقظ الجميع بعد بضعة أشهر على اكتشاف أن الصور في الأصل لمريضة سرطان أمريكية تدعى Esme وأنه لا وجود لسارة، والأمر برمته هو عملية احتيال.
صناعة الارتباك
لا يصنع الارتباك في المجتمعات المتصارعة والمتقاتلة لأنها أصلا تحتاج للارتباك فهو معشعش فيها، ويضلل سمائها لكن الكائدين، والمتربصين يقصدون تلك المجتمعات المنسجمة، والمنتجة، والمستقرة، والمزدهرة اقتصادياً، وتجارياً، وتنموياً، وثقافياً، وفكرياً، وعلميا ًكالمملكة العربية السعودية.
لذا يسعى دعاة الفتن ممن يركبون موجة الإصلاح، ويلبسون ثياب التقوى، والنصح، والإرشاد إلى زرع بذور الارتباك، وخلق حالة من الفوضى، والشحن داخل المجتمعات بصور شتى، وما يهمنا تلك الحسابات في شبكات التواصل التي تحاول النيل من رأبة مجتمعنا المتماسك حيث تضيق ذرعاً بما نحن فيه، وتتحين الفرص للانقضاض علينا عبر ثغرات نفتحها أحيانا على أنفسنا بوعي، وبدون وعي، ومن ذلك هاشتاق الراتب ما يكفي الحاجة، الذي ضُخ فيه مايزيد عن 700 ألف تغريدة من خارج المملكة بحسب دراسات اطلعت عليها.
للأسف أن كثير من وسائل إعلامنا المحلية، وبعض مثقفينا ركبوا الموجة، وحاولوا تأكيد هذه النظرية الضلالية بالترويج لها بكل سذاجة، وأستغل الأعداء ذلك أيما استغلال ووصل الهاشتاق للترند لثلاثة أيام متتالية، بدعم من دول خارجية عبر محتوى مسيء يهدف للتجييش، وكسر اللحمة الوطنية، والضرب على وتر الحاجة عند البعض للإساءة للنظام والقانون في المملكة.
الأمن السيبراني
كما أن للحالة المستقرة اقتصادياً، وتنموياً، وسياسياً في المملكة العربية السعودية، آثار إيجابية أيضا ثمة آثار سلبية تبرز في محاولات خارجية متكررة، ومستمرة لزعزعة الأمن، وخلخلة الاستقرار، وخلق حالة الارتباك، والفوضى داخل الشارع السعودي عبر القوى الناعمة التي يحاول الأعداء زرعها في الداخل، عبر أذرع من خارج الحدود ومن الداخل.
إن حالة الارتباك لا تعيش داخل المجتمعات الهادئة، والمنتجة، والمستقرة، بل تعشعش وتتمدد، وتتغذى في المجتمعات المتصارعة، التي تعاني من الاحتراب الداخلي، والاهتزاز الاجتماعي الذي يولد مجتمعاً مفتوحا لكل من يتربص به لنزع حالة الاستقرار.
إن قرار المملكة بإنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني لهو قرار مهم، واستراتيجي للاستعداد لمثل هذه المواجهات الإلكترونية التي تتحذ من الميدان الإلكتروني ساحتها الحربية وتتذرع بأسلحة المعلومات، والبيانات التي تعد أحد أهم تحديات الأمن السيراني من أجل خلق أمن معلوماتي، ورقمي يوازي الانفتاح الاتصالي الذي تعيشه المملكة.
حرب المعلومات
كما نتباهى بالأرقام الهائلة التي نحققها في منصات التواصل الاجتماعي، والإحصائيات التي تذكرنا يوميا بحجم التعاطي، والنشاط مع هذه الوسائل الاتصالية، نحزن أيضا حينما نرى محتوى مكتوب بكل عفوية ينقلب إلى ساحة لحرب معلوماتية ضد المملكة، يستغلها الأعداء في الوقت الذي تحارب فيه المملكة في جبهات كثيرة خارجية كانت في اليمن، والحراك السياسي ضد الدول التي تدعم الإرهاب؛ كإيران، وقطر، أو الجبهة الداخلية لمكافحة الفساد، ومشاريع التنمية الضخمة، إلا أنه وفجأة يظهر مستخدم بسيط يتابعه المئات يدعي أن السعودية تنشر منصات دفاعية صاروخية بالقرب من المطار المدني.! ماذا يعني هذا؟
إن نشر كل شيء والحديث عن أي شيء، والبحث عن الشهرة السريعة، والانتشار للتغريدات، والسبق على حساب المصداقية، أمر يدعو للحيرة، وفي ذات الوقت يدعو المسئولين إلى الوقوف بحزم أمام هذا المحتوى المسيء، واتخاذ الإجراءات القانونية، وتطبيق الأنظمة بشدة وصرامة، أمام كل من يحاول زعزعة أمن الوطن، واستقراره سواء بقصد، أو بدون قصد.
الأمر لا يقف عند هذا الحد هناك صور كثيرة للتضليل الإعلامي تأخذ قالب العاطفة الشعبية، والدينية وأيضا الطرفة، والفكاهة، فحرب المعلومات لا تعرف التجزئة، ولا تفهم الطرفة، وليست معنية بالتفاصيل الدقيقة، للحدث بقدر ما يعنيها توجيه ضربات قاتلة نحو المجتمعات التي تريد التنمية، وتطمح للإنجاز.
خاتمة وتوصيات
إن الشواهد، والنماذج، والدراسات، والإحصائيات كثيرة، وكلها تؤكد أن قضية صناعة الرأي، وصناعة التضليل، مرتبطة أيما ارتباط، وتزداد ضراوة، وتأثيرا مع كثرة التعاطي مع الشبكات الاجتماعية، وإزاء ذلك ننصح في نقاط وتوصيات موجزة؛ ما الذي يستوجب علينا تجاه هذا الواقع الاتصالي الضخم:
مستشار ومتخصص في الإعلام الرقمي*
@Alrwsa
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر