سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
David Fickling
هل تعتقد أن تكلفة الكهرباء في أوروبا وصلت إلى حدود جنونية نتيجة لنقص الوقود واقتراب فصل الشتاء، الذي دفع الأسعار مؤخراً إلى أكثر من 200 دولار لكل ميغاواط في الساعة؟. عليك إذاً التحقّق من أسعار سنغافورة.
شهدت الدولة ارتفاع أسعار الجملة إلى 2947 دولاراً سنغافورياً (2184 دولاراً أميركياً) لكل ميغاواط في الساعة بشهر أكتوبر، و1121 دولاراً أميركياً لكل ميغاواط في الساعة خلال الشهر الماضي. هذه المستويات ليست غريبة بشكل خاص في سوق الطاقة السنغافورية شديدة التحرر، والتي ترتفع فيها التكاليف كلما اختل تواؤم العرض والطلب.
في الوقت الذي تدفع فيه معظم الأسر تعريفة حكومية ثابتة عند 241 دولاراً سنغافورياً لكل ميغاواط في الساعة، ينفق عدد قليل ممن سجلوا في نظام الأسعار المرتبطة بسوق الجملة مبالغ غير عادية. وسيُكلّف تشغيل فرن اعتيادي لمدة ساعة نحو 5 دولارات أو أكثر في ذروة شهر أكتوبر.
تم تقديم السعر المتّقلّب لطاقة الشبكة بأوروبا والصين في الشهور الأخيرة على أنه جاء نتيجة لإزالة الكربون. وقال أمين ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، في مؤتمر للطاقة بهيوستن هذا الأسبوع: “العالم يواجه تحولاً أكثر فوضوية في الطاقة،” مُحذراً من أن “انعدام أمن الطاقة، والتضخم المتفشي، والاضطرابات الاجتماعية” سيحدث لو لم يتم تسريع الاستثمار في الوقود الأحفوري.
من الواضح أن هذا ليس ما يحدث في سنغافورة، التي تعتبر واحدة من أكثر الاقتصادات العاملة بالوقود الأحفوري بكثافة على هذا الكوكب. يتم توفير حوالي 95% من الكهرباء عن طريق توربينات الغاز، ويُشكّل الفحم وزيت الوقود نسبة أخرى قدرها 2% أو نحو ذلك. تُمثِّل محارق النفايات شريحة كبيرة من المتبقي، ما يترك لتوليد الطاقة الشمسية المتجددة والكتلة الحيوية نسبة تصل إلى 1% فقط أو نحو ذلك، مقارنة بـ 47% في ألمانيا و83% في البرازيل.
لعنة الجغرافيا
بدلاً من ذلك، يشير الأمر إلى تعرّض الاقتصاد بشكل غير عادي لأسعار الوقود المُتقلّبة، وهي نفس الديناميكية التي تجعل الطاقة مُكلّفة في أوروبا والصين، لكن التحوّل نحو مصادر الطاقة المتجددة ذات التعريفات الثابتة سيُخفّف من ذلك. مع هذا، يصعب القيام بالتحوّل في سنغافورة، نظراً لأن سوق الطاقة لديها نتاج حالة جغرافية وسياسية فريدة من نوعها.
تتكون ثلاثة أرباع الدولة تقريباً من أراضٍ حضرية وصناعية، تاركة ببساطة مساحة صغيرة جداً لتوليد الطاقة الشمسية أو النووية على نطاق واسع، كما ستؤدي سرعة الرياح البطيئة وتجمعات المياه الصغيرة للغاية إلى تدمير فكرة الاعتماد على طاقة الرياح والمياه أيضاً.
تتأرجح علاقات سنغافورة بين الودية والشائكة مع ماليزيا خصوصاً، بالإضافة إلى إندونيسيا، ويوضح استمرار وجود الخدمة الوطنية الإلزامية مدى توتّر البلاد بشأن الأمن. كما أن الاعتماد على شبكة من منشآت متجددة في الدول المجاورة لإبقاء أضوائها مضاءة لا يعد احتمالاً جذاباً. واقترح المليارديران أندرو فورست ومايك كانون بروكس بناء رابط تحت البحر لمحطات الطاقة المتجددة في شمال غرب أستراليا، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان هذا الرابط سيكون ممكناً مع التكنولوجيا الحالية.
من هذا المنطلق، لا عجب في انضمام سنغافورة إلى إيران وبولندا ومصر في قائمة الدول الثلاثين الأكبر المُصدّرة للانبعاثات، ومن الدول النادرة التي لم تلتزم بأي تاريخ ثابت للتخلّص التدريجي من الانبعاثات الكربونية، مع أنها قالت رسمياً إن هذا سيحدث “بمجرد أن يكون قابلاً للتطبيق في النصف الثاني من القرن”.
يبرز هذا الوضع بشكل أكبر عندما ننظر إلى تعارض عضوية سنغافورة في مجموعة الدول الجزرية الصغيرة النامية بالأمم المتحدة، وهي التسمية التي تجمع بين البلدان الفقيرة الأكثر عرضة لخطر ارتفاع مستويات سطح البحر في الغالب.
طوق النجاة
ونظراً للقيود الجيوسياسية ودور الدولة كمركز لصناعات الشحن والطيران، من المرجّح أن يكون الوقود المستورد محورياً في مزيج الطاقة خلال العقود القادمة.
مع ذلك، فإن هذا يشير إلى مجال واحد في الأفق وهو الهيدروجين، الوقود الجديد الخالي من الكربون، الذي اجتذب 130 مليار دولار من الاستثمارات المعلنة في السنوات الأخيرة. إلى جانب مشتقاته التي يسهل نقلها من الأمونيا والميثانول، ما يتم طرحه كحل لإزالة الكربون من مجموعة من الأنشطة الصناعية بدءاً من إنتاج الصلب والبلاستيك والأسمدة إلى وقود السفن والطائرات وشاحنات المسافات الطويلة.
في شهر أغسطس الماضي، تقدّمت “إيه بي مولير – ميرسك” بطلب للحصول على ثماني سفن حاويات عاملة بالميثانول، على أن يبدأ تسليمها في العام 2024.
وتريد الحكومة الأسترالية خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى دولارين أستراليين (1.43 دولار أميركي) للكيلوغرام الواحد بحلول عام 2030، ويعتقد أغنى رجل في الهند، موكيش أمباني، أن بلاده يُمكنها تحقيق دولار واحد للكيلوغرام في نفس التاريخ.
ستكون هذه المستويات كافية للتنافس مع تكاليف عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل التي تبلغ حوالي 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ناهيك عن الأسعار الفورية القصوى الحالية في آسيا التي تصل إلى 35.15 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
كما كان غياب سنغافورة عن هذا السباق ملحوظاً، حيث لم تقدم المدينة سنتاً واحداً من الإعانات السنوية المتاحة بقيمة 11.5 مليار دولار لتطوير الهيدروجين في العقد المقبل، وفقاً للبيانات التي تتبعتها “بلومبرغ إن إي إف”. وحملت دراسة حكومية منشورة في وقت سابق من هذا العام حول خيارات الهيدروجين العديد من الاقتراحات، لكنها قدمت وعوداً قليلة، ولم يكن هناك تقدم يذكر في إعداد وتشغيل المشروعات باستثناء عدد قليل من المشاريع التجريبية الصغيرة مع شركاء يابانيين وأستراليين.
هذا خطأ تم ارتكابه في سنغافورة التي تخاطر بالتخلف عن الركب في هذه الثورة الصناعية الأخيرة، بينما سبق لها أن أظهرت منذ تأسيسها رؤية كبيرة بشأن تعزيز مكانتها كمركز لشبكات النقل العالمية من خلال استثمارات واسعة النطاق في الطيران والبنية التحتية للموانئ وتكرير النفط.
المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر