سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بافيل فيلجنهاور
كانت المخاطر في ازدياد في السابع من ديسمبر عندما عقد رئيس الولايات المتحدة “جو بايدن” ورئيس الاتحاد الروسي “فلاديمير بوتين”، مؤتمرًا ثنائيًا عبر الفيديو لمدة ساعتين.
وقد حذر المعلقون الموالين للكرملين في موسكو قبيل الاجتماع الافتراضي من انجراف روسيا والغرب (أي منظمة حلف شمال الأطلسي – الناتو) نحو أزمة أعمق، وذلك من خلال الرد على ما قد يعدونه تهديدات وإجراءات عسكرية من جانب الطرف الآخر، والاتجاه ناحية حرب إقليمية محتملة بإمكانها أن تتصاعد بنحو لا يمكن السيطرة عليه إلى صراع أوروبي بالكامل، والذي يُشبه إلى حد ما الوضع عام 1914 الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى. (إزفيستيا، 24 نوفمبر). كما اتهَم المسؤولون الأميركيون وأجهزة الاستخبارات موسكو بحشد القوات على الحدود الأوكرانية استعدادًا لغزو محتمل بأواخر يناير أو أوائل فبراير. من ناحية أخرى، نفت موسكو بشكل قاطع مثل هذه التقارير ووصفتها بالأخبار الكاذبة، واتهمت بدورها الجيش الأوكراني بـ”الاستفزازات” في دونباس، وأصرت على أن الغرب يمد أوكرانيا بالأسلحة ويرسل القوات إلى البلاد تحت ستار “المدربين”. وكتبت صحيفة كومسومولسكايا برافدا المرتبطة بالكرملين: “الناتو على أعتابنا بالفعل في أوكرانيا. […] فعلى ما يبدو ينتشر حاليًا في أوكرانيا ما يصل إلى 4.000 من الأفراد العسكريين الأميركيين و8.300 من الأفراد العسكريين من دول الناتو الأخرى”.
لم تقدم الصحيفة الكثير من الأدلة على هذه الادعاءات، فبدلاً من ذلك ذكرت عددًا من مهام التدريب الغربية في أوكرانيا التي لا يبدو أنها تضيف أي شيء قريبًا، حتى من العدد المتضخم البالغ 12.300 جندي من الناتو يُزعم أنهم قد نُشروا ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية.
بطبيعة الحال، فإن الصحافة الموالية للكرملين في موسكو تتبع ببساطة خط الكرملين للعلاقات العامة. كما أشار “ديمتري بيسكوف”، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ونائب رئيس الشؤون الإدارية، إلى أن “روسيا لا تُشكل تهديدًا على أحد، نحن ببساطة نتخذ احتياطاتنا ضد تهديد [الناتو] الذي يتسلل إلى حدودنا. فيمكننا أن نرى زحف الناتو للسيطرة على أوكرانيا، مما يُعد (خطًا أحمر) بالنسبة لروسيا”. وأضاف “بيسكوف”: “على أية حال، فإن روسيا تفعل ما تفعله [من نقل للقوات والأسلحة] على أراضيها. فجنودنا لا ينتشرون على حدود الولايات المتحدة، بل إن الجنود الأميركيين هم من يأتون إلى هنا”. (تاس، 8 ديسمبر). في الفترة التي سبقت اجتماع الفيديو مع “بايدن” هذا الأسبوع، أصدر بوتين ما بدا وكأنه إنذار نهائي “يجب على الغرب (الولايات المتحدة) احترام الأمن الروسي المشروع والمصالح القومية، فضلاً عن الخطوط الحمراء التي رسمها الكرملين على الخريطة، وإلا فإن موسكو ستتخذ الخطوات المناسبة التي قد تشمل نوعًا من الإجراءات العسكرية”.
في مكالمة الفيديو التي جرت بينهما بدا موقف “بوتين” واضحًا، بينما كان لدى “بايدن” معضلة صعبة لحلها عندما يتعلق الأمر بالرسائل الأميركية، كما أنه لا يمكن لواشنطن بأي حال من الأحوال أن تتصرف مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق “نيفيل تشامبرلين” في ميونيخ عام 1938، وذلك بمنح “بوتين” ما يريد (تعهدًا قانونيًا بعدم توسيع الناتو مطلقًا أو منح روسيا العنان لتقسيم أوكرانيا) على أمل ألا تطلب موسكو المزيد في وقت لاحق. بالنسبة للولايات المتحدة هي ليست مُلزَمة بمعاهدة للدفاع عن أوكرانيا، وبحسب ما ورد فقد أخبر “بايدن”، “بوتين” أنه حتى لو غزت روسيا، فلا توجد خطط لإرسال قوات أميركية.
وقعت واشنطن على مذكرة بودابست لعام 1994 بشأن الضمانات الأمنية لوحدة الأراضي والاستقلال السياسي لأوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان في مقابل نزع السلاح النووي الكامل للدول المذكورة. وكما يعتقد المفكرون الأوكرانيون أن المذكرة هي معاهدة ملزمة قانونًا؛ ومع ذلك عندما تعرضت أوكرانيا للهجوم من روسيا في عام 2014، قررت واشنطن أنها ليست ملزمة قانونًا باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن البلاد. بصفتها عضوًا زميلًا في الناتو لا تزال الولايات المتحدة مُلزمة بالدفاع عن بولندا ورومانيا وجمهوريات البلطيق، إذ ستصبح هذه البلدان دول الخط الأمامي إذا سقطت أوكرانيا في يد روسيا. لقد رفض “تشامبرلين” الدفاع عن تشيكوسلوفاكيا “بسبب خلاف في بلد بعيد بين أناس لا نعرف عنهم شيئًا”، لكن معاهدة الدفاع بين المملكة المتحدة وبولندا أجبرتها (وفرنسا) على مضض منهما إعلان الحرب على ألمانيا في سبتمبر 1939.
خلال الاجتماع الافتراضي مع “بوتين” حاول “بايدن” التصرف بحذر شديد من خلال الوعد بوضع آلية مع حلفاء الناتو لمناقشة المخاوف الأمنية الروسية و”الخطوط الحمراء”، مع عدم التعهد باتخاذ قرار سريع أو أي شيء ملموس. شهدت روسيا وأوكرانيا شتاء باردًا مبكرًا، فوفقًا للمركز الصحفي للمنطقة العسكرية الجنوبية (يوفو)، “نُقل أكثر من 10.000 جندي في تشكيلات مجموعة الكتيبة التكتيكية من الثكنات إلى المعسكرات الميدانية الشتوية في ثلاثين موقعًا للتدريب”. كما تواجه قوات الـ(يوفو) أوكرانيا في شبه جزيرة القرم ودونباس، فعلى ما يبدو أن مجموعات الكتيبة التكتيكية تستعد مباشرةً لخوض حملة مناورة شتوية. ومع ذلك، فإن الفرصة السانحة لمثل هذا المسعى ستكون محدودة للغاية. وعادةً ما يبدأ الجليد في الذوبان في شهر مارس، وتفيض الأنهار والجداول في شرق وجنوب أوكرانيا، وعليه فقد أجبرت على إيقاف مناورات الحرب المدرعة الهجومية حتى تنحسر الفيضانات. إذا تمكنت واشنطن من إبقاء “بوتين” مهتمًا ومنهمكًا بما يكفي في المحادثات حول المخاوف الأمنية، كما هو مُتفق عليه في اجتماع الفيديو في السابع من ديسمبر، فربَّما يمكن تجنب حملة شتوية تصعيدية كبيرة على الجبهة الروسية الأوكرانية.
ومع ذلك، هل سيكون مجرد اللعب للحصول على الوقت كافيًا لتجنب حرب إطلاق نار أكبر؟ فقد اتهم “بوتين” في السابق الغرب (الولايات المتحدة) بتجاهل المخاوف الأمنية الروسية، قائلاً: “إذا بدؤوا في الاستماع ببساطة، فستكون هذه بداية جيدة”. لكن ربَّما تدرك موسكو قريبًا أن “بايدن” ليس في وضع يسمح له بالاستسلام والموافقة على أي تنازلات ضخمة بشأن الضمانات الأمنية التي يبدو أن “بوتين” يُطالب بها. بأي حال، فمن شبه المؤكد أن مجلس الشيوخ الأميركي لن يصدِّق أبدًا على أي اتفاق ملزم قانونًا يمنح موسكو حق النقض (الفيتو) بشأن توسيع الناتو أو عمليات الانتشار العسكرية المحتملة في المستقبل.
لا بدَّ للصيف أن يحل بعد انقضاء الشتاء، فستكون الظروف المناسبة لحملة صيفية على الجبهة الأوكرانية مواتية مرة أخرى بحلول مايو 2022. لكن: هل يمكن التوصل إلى اتفاق خفض تصعيد دائم عِندئذٍ، أم سيستمر الغرب في محاولة التقيد بالوقت؟
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: jamestown
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر