توفر خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي بعد الجائحة فرصة تاريخية فضلاً عن كونها مجازفة كبرى، فبعد مفاوضات مكثفة، وافقت الكتلة على إصدار ديون مشتركة لأول مرة على الإطلاق، بهدف تمويل جهود التعافي والمرونة ضمن إطار الصندوق المشترك الذي سيقدم المِنَح والقروض لدول الاتحاد بهدف يبني الأنماط الاقتصادية المستدامة، وإصلاح الاقتصادات الراكدة في الكتلة، ولكنه وعلى الرغم من كل الثناء الذي يستحقه الصندوق الجديد، فإن الحكم على نجاحه سيكون من خلال النتائج التي يقدمها.
يتوقع الأوروبيون نتائج وليس فضائح، فمن غير الممكن أن تنتهي الحال بالأموال المخصصة للتعافي في الاتحاد الأوروبي إلى التسرب لصالح مخططات احتيالية. وسوف تتضرر آفاق الاتحاد المالي الأوثق والأكثر قوة إذا كان كل ما يتذكره الأوروبيون من جهود التعافي هو أن الأموال ذهبت إلى جيوب سياسيين فاسدين، أو مسؤولين لا يتمتعون بالنزاهة والمسؤولية. كان البرلمان الأوروبي مدركاً لهذه المخاطر عندما أنشأ صندوق التعافي والمرونة. ونتيجة لهذا، يتضمن النص القانوني الذي يحكم توزيع الأموال التزامات صارمة بشأن رفع التقارير والشفافية، فضلاً عن أدوار إشرافية أساسية لهيئات المراقبة في الاتحاد الأوروبي، تضمين المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، ومكتب المدعي العام الأوروبي الذي بدأ تشغيله حديثاً، ومحكمة المدققين الأوروبية.
حقيقة الأمر هي أن مكافحة إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي ليست جديدة، فقد كانت قضية اختلاس إعانات الدعم المقدمة من الاتحاد الأوروبي تحتل بالفعل مكاناً بارزاً بين القصص الإخبارية في مختلف أنحاء القارة، ففي العام 2018، ربطت سلسلة من التحقيقات مقتل الصحفي يان كوتشياك وخطيبته مارتينا كوشنيروفا بتحقيق أجرياه في إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي في سلوفاكيا، وفي العام التالي، استقال عدد كبير من الوزراء في الحكومة البلغارية بعد الكشف عن ضلوعهم في اختلاس أموال مخصصة للتنمية الزراعية تابعة للاتحاد الأوروبي من أجل شراء عقارات. أما في المجر، فقد كشف مكتب مكافحة الاحتيال التابع للاتحاد الأوروبي عن مخالفات خطيرة في مشروع نقل بقيمة 1.7 مليار يورو، إلى جانب عقود جرى التفاوض عليها مع مسؤولين كبار لتوفير إنارة الشوارع. في مجمل الأمر، أوصت هيئة مكافحة الاحتيال خلال الفترة من 2014 إلى 2019، باسترداد ما يزيد على 6 مليارات يورو من إعانات الدعم.
توضح هذه الأمثلة التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في تخصيص أموال التعافي بشكل فَعَّال. وقد سعى البرلمان الأوروبي إلى حماية الأموال من خلال وضع معايير تقييم صارمة للإنفاق تشكل المفتاح إلى فهم المواجهة الحالية بين المفوضية الأوروبية والمجر وبولندا، كما يتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي أن توضح خططها الرامية إلى حماية نفسها من الاحتيال عندما تتقدم للحصول على الأموال، كما يتضمن التشريع أيضاً لغة تمنح الهيئات الرقابية والإشرافية الحق في الوصول إلى البيانات المرتبطة باستخدام أموال التعافي.
وفي حال فشل الاتحاد الأوروبي في تمويل أنظمة التدقيق والرقابة بالشكل الكافي، فإن هذه الجهود سيكون مآلها التبديد والإهدار، ففي أحدث اقتراح بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي، تفترض المفوضية الأوروبية أن كل موظف في مكتب مكافحة الاحتيال سيراقب ما قيمته 900 مليون يورو من نفقات الاتحاد الأوروبي، وفي العام 2010، كان نفس الموظف يتولى المسؤولية عن التدقيق في 300 مليون يورو. يأتي الخفض الأخير في أعقاب اتجاه دام عشر سنوات لتقليص موارد هيئة مكافحة الاحتيال، ورغم ذلك وفي العام 2010، كان عدد العاملين في المكتب 466 موظفاً، أما اليوم وإذا ما انخفض الرقم إلى 376 موظفاً، وبالنظر إلى أن الأموال التي يتوجب الإشراف عليها تضاعف حجمها، فإن ذلك سيثير بلا شك الكثير من المشاكل وسيؤدي إلى خلق المزيد من الأزمات.
ويبدو الوضع أشد خطورة عند النظر إلى أن الاتحاد الأوروبي يقوم حالياً بالتوسع في ميزانيته إلى مستويات تاريخية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع مخاطر الاحتيال والفساد، حيث ينفق الاتحاد الأوروبي الآن أموالاً طائلة، لكن المؤسسات اللازمة للحفاظ على مصداقية نفقاته تفتقر إلى التمويل الكافي. هذه التركيبة الخطيرة دفعت كتلة تجديد أوروبا التي خلفت تحالف اللبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي، إلى إدخال تعديلات على الميزانية بهدف زيادة موارد هيئات المراجعة والرقابة في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير. إن تزويد المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، ومكتب المدعي العام الأوروبي، ومحكمة المدققين الأوروبية، بالموارد المالية التي تحتاج إليها لحماية أموال دافعي الضرائب الأوروبيين من الاختلاس والاحتيال، أمر بالغ الأهمية للحفاظ على نزاهة الجهود غير المسبوقة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.