سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
رحاب الزيادي
بدأ عدد من أعضاء حركة النهضة التونسية الخروج والانشقاق عن الحركة، الأمر الذي أثار عددًا من التساؤلات عن مصير الحركة في ظل بروز مؤشرات على تصدع الحركة، والاعتراف بمسئولية الحركة عما آلت إليه الأوضاع في البلاد من تردٍّ بشكل عام، إضافة إلى تجاوز رئيس البرلمان صلاحياته ودخول الدولة في عدة أزمات، مما دفع الرئيس “قيس سعيد” إلى اتخاذ قرارات استثنائية بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وإعفاء عدد من المسئولين من مناصبهم، وبدء عملية تطهير ومحاسبة لكل الأطراف ومواجهة الفساد في تونس.
تجربة النهضة في الحكم
مثّل الحركة “راشد الغنوشي”، وهو رئيس البرلمان ورئيس الحركة، وتصاعد الخلاف بينه والرئيس التونسي “قيس سعيد” في الفترة الأخيرة، إثر عدة قضايا، منها -على سبيل المثال- قانون المحكمة الدستورية الذي رفض “قيس سعيد” التوقيع عليه لأن النهضة حاولت ترسيخه كسلاح ضد الرئيس، بما يساعدها على إقالة الرئيس من الحكم. وفي 4 أبريل 2021، أعاد الرئيس التونسي قانون المحكمة الدستورية إلى مجلس النواب، بعد أيام من إجراء البرلمان تعديلات على القانون، بما في ذلك تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة من 145 إلى 131 عضوًا في البرلمان.
جاءت تلك التعديلات في صالح حركة النهضة، وكانت تهدف من خلالها لعزل الرئيس “قيس سعيد” باعتبار أن المحكمة الدستورية هي الهيئة القضائية الوحيدة القادرة على الفصل في الخلافات بين السلطات، وتبت المحكمة في حالة خرق الرئيس للدستور، وبموافقة من أغلبية الثلثين تحكم المحكمة بالعزل وفقًا للمادة 88 من الدستور التونسي.
أيضًا فشل “الغنوشي” كرئيس للبرلمان، وتجاوزه لصلاحياته والتعبير عن سياسة مغايرة للدولة، حيث أصدر تصريحات تتعلق بمواقف تونس من الشئون الخارجية، والتي هي من الواجبات الأساسية لرئيس الجمهورية وفق الدستور التونسي، لا سيما المواقف التي عبر عنها “الغنوشي” من الصراع في ليبيا في ذلك الوقت، وسعيه لدعم الإخوان في طرابلس، مما دفع “قيس سعيد” إلى التصريح بأن “تونس لديها رئيس واحد فقط في الداخل والخارج”. كما برز في فترة قيادة “الغنوشي” للبرلمان ظواهر لأول مرة في تاريخ البرلمان التونسي من حيث الاعتداء على نائبات في البرلمان مثل “عبير موسى” و”نادية عبو”، مما جعل دوره السياسي حافلًا بالنقاط السوداء.
يُضاف إلى ذلك إصرار النهضة على اختيار رئيس حكومة مقرب منها، والتمسك بالوزراء المحسوبين عليها بالرغم من عدم كفاءتهم وسوء أدائهم، ودخولها في صراع مستمر مع الرئيس “قيس سعيد”، حيث قام رئيس الحكومة “هشام المشيشي” الذي تم إعفاؤه من منصبه بإجراء تعديل وزاري في يناير 2021 بالتنسيق مع حركة النهضة دون الرجوع لرئيس الجمهورية، وتم إقالة “توفيق شرف الدين” وزير الداخلية وهو مقرب من “قيس سعيد” وتعيين “وليد الذهبي”، لذا اعترض الرئيس “قيس سعيد” ورفض استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية.
ضمن هذا السياق، تراجعت شعبية الحركة في الشارع التونسي، وتجاوز “الغنوشي” صلاحياته كرئيس للبرلمان، وهذه الممارسات من قبل النهضة ورئيس الحكومة الذي تقارب معها دفعت الرئيس “قيس سعيد” إلى اتخاذ تدابير استثنائية في 25 يوليو 2021 من حيث تجميد عمل البرلمان في تونس وإعفاء رئيس الحكومة “هشام المشيشي”، واتخاذ عدد من التدابير الاستثنائية لإدارة الدولة التونسية، وتشكيل لجنة رئاسية لإدخال تعديلات على الدستور في تونس. وظهر التباين بين أعضاء النهضة ما بين من يؤيد رفض التصعيد واحترام قرارات الرئيس ومؤسسات الدولة، وبين من يرفض قرارات الرئيس، واعتبار تجميد عمل البرلمان خرقًا جسيمًا ومخالفًا للمادة 80 من الدستور، وأن القرارات ترسخ لحكم استبدادي في تونس، إضافة إلى تراجع شعبية الحركة في ضوء الاستطلاعات الأخيرة.
وبدأت الأزمات الداخلية للحركة تظهر من حيث الخلاف والتباين وبرزت الاستقالات لقيادات داخلها، وبلغ عدد الاستقالات نحو 131 قياديًا وعضوًا في حركة النهضة أبرزهم: محمد النوري القيادي بالحركة وعضو مجلس الشورى العام، وعبداللطيف المكي، وسمير ديلو، ومحمد بن سالم، وتوفيق السعيدي، وعدد من أعضاء مجلس النواب المجمد مثل جميلة الكسيكسي، والتومي الحمروني، ورباب اللطيف، ونسيبة بن علي، وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي مثل آمال عزوز، وبعض أعضاء مجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية، مما يؤشر على حالة الهشاشة الداخلية داخل الحركة. لذا سلطت القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس “سعيد” الضوء على عدم التماسك بين أعضائها ورفض سياسات من يقودها.
وترجع هذه الانشقاقات إلى الخلافات مع رئيس الحركة “راشد الغنوشي”، وتحميله مسئولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس، وتراجع شعبية الحركة نتيجة القرارات السياسية الخاطئة.
مستقبل الحركة
يمكن الإشارة إلى عدد من السيناريوهات المحتملة في ضوء الاستقالات الأخيرة لأعضاء الحركة:
الأول: احتمالية تفكك حركة النهضة نتيجة الخلافات البينية بين أعضائها، وتحميل “الغنوشي” فشل إصلاح الحزب من الداخل نتيجة ديكتاتوريته في اتخاذ القرار، مما أدى إلى الأزمة الحالية، وتكرار المطالبة من قبل أعضاء الحركة بضرورة استقالته حفاظًا على ما تبقى، إضافة إلى نية الدولة فتح التحقيق القضائي في عدد من القضايا التي يتورط فيها أعضاء من النهضة، ومنها: الاغتيالات السياسية لكل من شكري بلعيد ومحمد البراهمى، وقضايا الفساد والتمويل الأجنبي.
الثاني: استمرار الحركة مع تراجع نفوذها وقوتها، واحتمالية تولي قيادات جديدة لها، وبروز جيل جديد برؤى وأفكار جديدة تتماشى مع المتغيرات السياسية الحالية من الشباب، تتولى التعامل مع مؤسسات الدولة والشعب التونسي، حيث سبق أن وقّعت مجموعة من الشباب حوالي 130 شابًا، على وثيقة بتصحيح المسار، وأيضًا عدد من النواب وأعضاء من المكتب التنفيذي للحركة والمجالس البلدية.
الثالث: الاتجاه إلى تشكيل حزب سياسي بمسمى جديد يضم الأعضاء المنشقين، بحيث تستطيع كسب شعبية في الشارع التونسي مرة أخرى واستطاعة خوض الانتخابات القادمة، لا سيما وأن هناك نية من قبل بعض الأعضاء المنشقين لتشكيل حزب سياسي مثل عبدالحميد الجلاصي وسمير ديلو وعبداللطيف المكي الذي شغل منصب وزير الصحة سابقًا في حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض ومحمد بن سالم.
الرابع: بقاء الغنوشي وتفرده بالقرار وإدخال بعض الإصلاحات الشكلية على الحركة، حيث اتخذ قرارًا بحل المكتب التنفيذي وإعادة تشكيله وفقًا لمقتضيات المرحلة، وتكليف لجنة إدارة الأزمة السياسية برئاسة محمد القوماني للخروج من الأزمة الحالية.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر