سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تشهد العلاقات بين أنقرة وواشنطن، القليل من الاتفاق، والكثير من الاختلاف، بدفع من تشابك العديد من الملفات التي تشهد تباينًا في وجهات النظر بشأن الملفات الإقليمية، وتلك المتعلقة بالأزمات في الشرق الأوسط، فضلاً عن محاولة تقاسم النفوذ. فيما احتد الخلاف بين البلدين، مؤخرًا، بإقدام واشنطن على تعليق بعثتها الدبلوماسية في أنقرة لخدمات إصدار التأشيرات باستثناء تلك الخاصة بالهجرة، لوّحت إزاءه إدارة ترمب بفرض عقوبات على البنوك التركية الداعمة لإيران.
تاريخ مضطرب
العلاقات التركية الأميركية أصابها التوتر عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، إلا أن الطرفين كانا حريصين على عدم تأثر العلاقات بينهما، إذ باتت تركيا الحصان الأسود عقب انضمامها لحلف شمال الأطلسي، لكن التوتر عاد ليخيم على العلاقات بين البلدين مرة أخرى، إبان فترة الرئيس السابق بوش الابن. بيد أن العلاقات بين البلدين، قد وصلت إلى طريق مسدود، إثر اتباع حكومة أنقرة لردود فعل عنيفة تجاه التظاهرات المطالبة بإسقاط حزب العدالة والتنمية، حيث انتقد الرئيس أوباما الممارسات العنيفة للسلطات التركية ضد المحتجين.
ومع انتهاء فترة أوباما، وتسمية ترمب رئيسًا للولايات المتحدة، استبشر الجانب التركي بذلك في البداية؛ لما للرئيس الأميركي الجديد من استثمارات في تركيا؛ مما ساهم في إذكاء الآمال التركية في تغيير السياسة الأميركية تجاهها.
إشارات مقلقة
الآمال التركية لم تدم طويلاً، حيث صبَّت تصريحات الرئيس الجديد ترمب، في عكس صالح أنقرة، حيث حملت خطاباته عنصرية ضد المسلمين، وأكد مستشاره للشؤون الخارجية، أن الملف التركي بات من أكثر الملفات تعقيدًا في الشرق الأوسط، وأعلنت واشنطن رسميًا دعم الفصائل الكردية في سوريا، وهو ما أقلق الجانب التركي الذي يخشى من إثارة النزعة الانفصالية للأكراد الموجودين على أرضه.
قضايا خلافية
العديد من القضايا الخلافية، أصبحت تتصدر المشهد في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، فالخذلان الأميركي لتركيا لم يتغير بتغير ساكن البيت الأبيض؛ حيث شكلت قضية تسليح العناصر الكردية نقطة خلاف بين البلدين، إذ أعلنت الإدارة الأميركية أن تسليح قوات سوريا الديمقراطية سيوجه ضد “داعش” فقط، وهو ما أثار خشية الجانب التركي من انتقال تلك الأسلحة لحزب العمال الكردستاني .
وبتحليل الموقف التركي، نجد أن تركيا لا تبدي ذات القلق من الدعم المسلح الذي يقدم لقوات البيشمركة في العراق، بيد أن رفض الولايات المتحدة لتسليم غولن زعيم حركة “خدمة”، وعدم إعمالها للاتفاقية الموقعة بين البلدين بشأن تسليم المجرمين، يثير القلق التركي، بالإضافة إلى بدء تركيا في التحول شرقًا بتعزيز علاقاتها مع موسكو، التي تعتبر منافسًا لواشنطن، على الرغم من الخلاف في وجهات نظر الدولتين بشأن الأزمة السورية، وهو ما من شأنه أيضًا الإضرار بالعلاقات بين تركيا وواشنطن.
الواقع الحالي
الأزمات الدبلوماسية الحالية، تزيد من تفجر الخلافات بين أنقرة وواشنطن، إذ إن إقدام تركيا على اعتقال أحد موظفي البعثة الأميركية في إسطنبول “متين طوبوز”، موجهة له تهمة التجسس، دفع واشنطن إلى تعليق منح التأشيرات للأتراك، الأمر الذي سيزيد من اشتعال الأزمة بين البلدين، بيد أن توقيع ترمب على قرار تسليح تنظيم “ب ي د” الإرهابي، سيؤدي بالطبع إلى تفاقم الأزمة.
إزاء ما سبق، تواترت بعض الأنباء عن تلويح الولايات المتحدة بتطبيق غرامات تصل إلى مليارات الدولارات على البنوك التركية، وذلك بسبب انتهاكها للعقوبات المفروضة على إيران، إلا أن تركيا نفت ذلك؛ وهو ما ينذر بنية الولايات المتحدة تعميق الشرخ مع أنقرة.
كما أن انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتصريحات ترمب، الذي يستخدم فيها مصطلح “الإرهاب الإسلامي”، من شأنه إثارة الرئيس ترمب تجاه تركيا، ومن المتوقع رده على هذا الانتقاد.
ومن هنا، تصاعدت الخلافات التركية الأميركية، حيث من المتوقع أن يزيد قرار منع التأشيرات للأتراك من حدة الأزمة بين البلدين، كما أن إصرار واشنطن على عدم تسليم غولن، يثير القلق التركي، وكذلك يثيره تسليح العناصر الكردية الذي يشعل تخوفات أنقرة من وصوله لحزب العمال الكردستاني لديها.
سيناريوهات محتملة
عندما تكون الأجواء مشوبة بالغموض، فإن أسلوب السيناريوهات يصبح الحل الأمثل للتنبؤ بمصير الأحداث، فمن تتبع تصريحات الرئيس ترمب وردود الفعل التركية، يمكننا توقع استمرار الأزمة، وهذا يمكن أن يكون السيناريو الأول الذي ستحتد فيه الخلافات بين البلدين، خاصة بعد رد أنقرة بوقف منح التأشيرات لمواطني الولايات المتحدة أيضًا.
أمَّا حال سادت النظرة التفاؤلية، فهنا يمكن أن تكون احتمالات هدوء الأمور واردة من خلال موافقة الولايات المتحدة على تسليم غولن، أو تراجعها عن قرار وقف منح التأشيرات للأتراك، أو كف أنقرة عن اعتقال موظفي واشنطن الدبلوماسيين.
استمرار الأزمة بين أنقرة وواشنطن – بالطبع – سيلقي بظلاله السوداء على الأزمة السورية من خلال استمرار تباعد وجهات النظر بخصوص تسليح الفصائل الكردية، وما يخص المنطقة الآمنة، واتجاه تركيا للتعاون مع موسكو عدو واشنطن اللدود. ومن الممكن تأثر الاستثمارات الأميركية في تركيا أيضًا. كما أن تلويح واشنطن بفرض عقوبات على البنوك التركية من شأنه إشعال الأزمة.
كذلك، فإن سيناريو جلوس الطرفين على طاولة الحوار، قد يكون خيارًا مطروحًا أيضًا، لا سيَّما أن أنقرة في ظل سعيها للصعود على الساحة كقوة إقليمية، مدركة – بالطبع – عدم جدوى إشعال الأجواء بينها وبين واشنطن. كما أن البلدين حريصان على استمرار المصالح المشتركة، وهو ما يدفع في اتجاه محاولة طرح خيار الهدنة الدبلوماسية بين البلدين.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر