سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كوليمان بيتي
بعد بدء أولمبياد طوكيو 2020 أعلن رئيس الوزراء الياباني “يوشيهيديه سوغا” عن تطبيق حالة الطوارئ المتعلقة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد -19” على أن يسري التطبيق ابتداء من تاريخ 22 أغسطس. يأتي هذا القرار الجديد نتيجة لاستمرار وجود الفيروس المتحور “دلتا” في طوكيو وتفاقم الظروف الوبائية في البلاد، والتي زادت الألعاب الأولمبية من وتيرتها. وأعلنت حكومة مدينة طوكيو عن اكتشاف 3.214.4 حالة إيجابية جديدة (في معدل 7 أيام) من تاريخ 1 أغسطس 2021. ويتزامن ذلك مع استمرار انخفاض معدل التلقيح ضد كورونا. إذ إن نسبة الملقحين ضد كورونا هي 29.27% من إجمالي عدد السكان لتكون بذلك أقل نسبة ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع.
بالرغم من الصعوبات التي تواجه اليابان في مكافحة الفيروس على المستوى المحلي، أصبحت اليابان تحتل مكانة رائدة في التبرع باللقاحات في قارة آسيا. في 16 يونيو، تلقت دولة فيتنام مليون جرعة من لقاحات “إسترازينكا” المُنتجة في اليابان. وعقب ذلك بأسبوع تلقت فيتنام مليوني جرعة إضافية من لقاح “إسترازينكا”، كما حصلت دول تايوان وتايلاند وماليزيا واندونيسيا والفلبين على جرعات من اللقاح. وتبرعت اليابان بما مجموعه 14.8 مليون دولار من المعدات الطبية و9.3 مليون دولار في منشآت تستخدم للتخزين المبرد لدولة الهند. كما أعلنت الدولة، مؤخرًا، عن قرض الدعم الطارئ للاستجابة لأزمات فيروس كورونا المستجد “كوفيد- 19” للدول النامية.
جعلت حكومة اليابان من سياسة اللقاحات عنصرًا رئيسيًا في سياستها الخارجية واستراتيجية الريادة لديها في منطقة شبه الجزيرة الهندية الصينية. فبالرغم من تفاقم الوضع الوبائي داخل البلاد، فإن اليابان قد أعطت أولوية لسياسة دبلوماسية اللقاحات، ويرجع ذلك إلى رغبة الدولة في تحسين صورتها كأحد المانحين للمساعدات الإنسانية والاستفادة من فشل الصين في تحسين سمعتها العالمية.
يأتي التوزيع المتزايد للقاح ردًا على تقصير الصين في جهودها لتوفير اللقاحات لدول أخرى خلال النصف الأول من عام 2021. وبالمقارنة مع نظرائها من الدول الغربية، أثبت لقاح “سينوفاك” المنتج محليًا في الصين أنه غير فعال إلى حد كبير. إذ أثرت وفاة عشرة أطباء إندونيسيين بعد تلقي اللقاح في الصورة العامة للصين، وأثارت مخاوف أخلاقية. علاوة على ذلك، وفي ضوء مشروع “طريق الحرير” الذي هو فرع لمبادرة أكبر تسمى “مبادرة الحزام والطريق”، فإن الصين وبالرغم من أهدافها لدبلوماسية للصحة العالمية، فقد شهدت انخفاضًا في ثقة المستهلك بعد إطلاق اللقاحات قبل أن تصبح بيانات التجارب السريرية التي راجعها النظراء المتخصصون متاحة على نطاق واسع. وقد أدى ذلك إلى عقد محادثات بين أعضاء مجموعة (الحوار الأمني الرباعي)، الذي يتكون من كلٍّ من اليابان والهند والولايات المتحدة وأستراليا، لوضع خطط لتصدير اللقاحات عبر منطقة المحيط الهادئ – الهندي. إذ اتفق أعضاء مجموعة الحوار الأمني الرباعي على شحن مليار جرعة من اللقاحات إلى منطقة المحيط الهادئ – الهندي بحلول عام 2022، وكان يُنظر إلى الهند على أنها ستكون الموزع الرئيسي لهذه اللقاحات، إلا أنه ونتيجة للأزمة الوبائية التي تمر بها الهند فقد اتخذت اليابان دور الريادة في الدبلوماسية الصحية.
استخدمت اليابان نفوذها في مجموعة (الحوار الأمني الرباعي) لتعزيز التوزيع العادل للقاحات غير المُسيس، لتجعل من ذلك طابعًا مميزًا لها عن الصين. إذ أدلى وزير الخارجية الياباني “توشيميتسو موتيجي” في بيان صحفي بتصريحات أظهرت تميزًا واضحًا وملموسًا، حيث فصل بين تسليم اللقاح والنوايا الدبلوماسية، قائًلا: “لا يوجد لقاح كافٍ، لذلك أعتقد أنه من الضروري إنشاء نظام يجمع الدعم لضمان توفير أكبر قدر ممكن من اللقاحات إلى البلدان النامية، وبالتالي يمكن تطعيم كل شخص في نهاية المطاف”. علاوة على ذلك، خلال محادثات هاتفية بين وزيري خارجيتهما في 9 يونيو 2021، اتفقت اليابان وأستراليا على التعاون في توفير اللقاحات للدول النامية؛ على أن تعطي اليابان الأولوية لدعم توفير اللقاحات للاقتصادات الآسيوية بموجب الاتفاقية، بينما ستزيد أستراليا وفرنسا دعمهما لدول جزر المحيط الهادئ. وقال مصدر بالحكومة اليابانية: “إننا نتولى مسؤولية مناطق مختلفة” لمواجهة دبلوماسية اللقاحات الصينية بشكل فعال.
مع أنه قد تكون تلك هي النوايا الحقيقية لطوكيو، إلا أن الحملات الدبلوماسية للقاحات التي تنفذها كلٌّ من اليابان والصين كثيرًا ما تستهدف نفس البلدان، مما يؤدي إلى تفاقم المنافسة المستمرة بين البلدين على مشاريع البنية التحتية والوصول إلى قطاعات التصنيع الإقليمية.
وعلى صعيد التعاون الأمني والاقتصادي، عززت اليابان علاقاتها مع جنوب شرق آسيا من خلال توفير مزايا تتعلق بالبنية التحتية في المنطقة. ووفقًا لاستطلاع أجرته وزارة الخارجية اليابانية بالتعاون مع شركة التحليلات والاستطلاعات “هاريس بول” في نوفمبر 2019، خلص إلى أن أكثر من 90% من المشاركين في رابطة دول جنوب شرق آسيا يصفون علاقاتهم مع اليابان بأنها قائمة على الثقة والصداقة.
على الرغم من ارتباط سياسة توزيع اللقاحات في اليابان ارتباطًا وثيقًا بآسيا، فإن طوكيو قدمت تبرعات طبية متنوعة تعزز شراكاتها مع الهند وإفريقيا. فبعد أن قدمت اليابان مساعدات طارئة للهند في أبريل 2021، دعا رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” رئيس الوزراء الياباني “سوغا” لزيارة نيودلهي في أعقاب الوباء، مشيرًا إلى أن الشراكة بين الهند واليابان ستعزز الاستقرار الدولي.
في المقابل، على الرغم من اتفاقية خفض التصعيد على حدود ولاية لداخ، استمرت التوترات بين الصين والهند. أما على صعيد الدعم للدول الإفريقية، فقد تبرعت اليابان بمليون دولار أميركي لاستراتيجية الاتحاد الإفريقي القارية المشتركة، التي تهدف إلى تدريب 120 ألف عامل إفريقي من العاملين في مجال الرعاية الصحية. ويستند هذا الدعم على تاريخ اليابان الطويل في مساعدة التنمية في إفريقيا، والذي يعود تاريخه إلى تأسيس مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية في عام 1993.
حسنت عمليات توزيع اللقاح من صورة اليابان كشريك موثوق به لدول جنوب شرق آسيا، ليتجلى ذلك في تحقيق مزيد من التعاون الأمني الشامل. علاوة على ذلك أحرزت الدبلوماسية الطبية لليابان مزيدًا من التحسن على صعيد التعاون، كما حسنت من صورتها في إفريقيا والهند.
ونتيجة لذلك طورت اليابان استراتيجيتها الإقليمية لتعزيز دورها الملحوظ في المجتمع الدولي كحليف في منطقة شبه الجزيرة الهندية الصينية وجنوب شرق آسيا. واستجابة لمستجدات الوباء وردًا على التقصير الصيني فيما يتعلق بمساعيها في الدبلوماسية المتعلقة باللقاح، فإن التأثير الإقليمي الذي أدته اليابان في كلٍّ من مجموعة الحوار الأمني الرباعي ورابطة دول جنوب شرق آسيا منحها دورًا قياديًا. وعلى الرغم من تفاقم الوضع الوبائي في اليابان، فإن دبلوماسيتها المتعلقة باللقاح تشبع رغبة الدولة في تحسين صورتها كإحدى الدول المانحة للمساعدات الإنسانية وتستغل فشل الصين في تحسين سمعتها العالمية خلال فترة الوباء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: csis.org
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر