سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ريتشارد ووترز
قبل مدة طويلة من دخول الإنترنت إلى الوعي العام، كان هناك طريق المعلومات فائق السرعة.
أصبح الاسم شائعا في أوائل التسعينيات لوصف الدعامة الرقمية التي كان من المتوقع أن تصبح قناة للاتصالات، والترفيه، والتجارة. وكان عمالقة وسائل الإعلام والاتصالات في ذلك الوقت يحلمون بالسيطرة على هذه الشبكة المنتشرة.
ما ظهر أخيرا، على شاكلة الإنترنت، كان عبارة عن شبكة تتكون من شبكات أكثر انفتاحا، الأمر الذي مهد الطريق لفئة جديدة تماما من الوسطاء عبر الإنترنت.
بعد ذلك بعقود صار بعضهم في عالم التكنولوجيا يعتقدون أن بإمكانهم رؤية عالم معلومات جديد يتلألأ في الأفق، الميتافيرس. وهو عالم للواقع الافتراضي الغامر بالكامل، إنه مكان يتيح للناس متابعة جميع جوانب حياتهم بشكل تفويضي، كما لو أنهم كانوا في عالم رقمي مواز.
وكما هي الحال مع طريق المعلومات فائق السرعة، من المحتمل أن تكون الرؤى المبكرة للميتافيرس تقريبية وغير كاملة لما سيبدو عليه الواقع المطلق. فما هو الشكل الذي ستتخذه، وما هي أولى “تطبيقاتها الجوهرية”، إنما هي مسائل متروكة للتخمين. الأهم من ذلك، أنه لم يتم تحديد من سيضع القواعد ومن سيجمع الأرباح – على الرغم من أن عمالقة الإنترنت اليوم في موقع الصدارة.
لقد وضع مارك زوكربيرج رهانه بالتأكيد. ففي أواخر الشهر الماضي أعلن الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك أن شركته لن ينظر إليها في يوم ما على أنها شبكة اجتماعية، بل “شركة ميتافيرس”.
ونظرا إلى الضغوط السياسية التي تتعرض لها “فيسبوك”، فقد يبدو هذا التصريح كأنه محاولة لتشتيت الانتباه. لكن محاولة تشكيل أفكار المستقبل بهذه الطريقة كانت دائما سبيلا مهما لشركات التكنولوجيا من أجل تحضير السوق لما تخطط لبيعه لاحقا ـ ويسعى زوكربيرج لهذا الشيء منذ فترة من الوقت. فقد مرت سبعة أعوام منذ أن اشترى شركة الواقع الافتراضي أوكيولوس.
قد يضطر زوكربيرج إلى الانتظار فترة أطول للحصول على عائد مالي من هذه الاستثمارات. وبالنسبة إلى كثيرين، فإن فكرة القيام ببعض من أهم تفاعلاتك الشخصية والاجتماعية من خلال شخصية رقمية في عالم افتراضي، إنما تستحضر مستقبلا من الخيال العلمي البعيد وغير الجذاب تحديدا.
لكن بعد أن فرضت الجائحة عزلة اجتماعية على كثير من سكان العالم، لم تعد فكرة الهروب إلى فضاء رقمي بالكامل تبدو غريبة. فإذا كان العاملون قد اتجهوا إلى استخدام برنامج زووم بتلك السهولة، فلماذا لا يلتقون في مكتب رقمي؟
هذه ليست قضية إما كل شيء وإما لا شيء مطلقا. فبدلا من إغراق المستخدمين مباشرة في عالم افتراضي بالكامل يمكن أن تتشكل الميتافيرس بشكل تدريجي. استخدام الواقع المعزز لتحقيق جوانب من الميتافيرس في العالم الملموس، مثلا، سينظر إليه على اعتبار أنه يتشكل أولا كتراكب رقمي جزئي.
يمكن أن يكون المنتج النهائي “حديقة مسورة” مطلقة، حيث تستفيد شركة واحدة من الإقبال الكبير من المستخدمين. وإذا شيدت “فيسبوك” وشركات الإنترنت الكبيرة الأخرى حدائق خاصة بها – خاصة إذا باعت أجهزة معينة تسمح بالدخول إلى هذه الأماكن – فقد تكون النتيجة عبارة عن مجموعة من العوالم المعزولة، وهذا سيجبر المواطنين الرقميين على اختيار المكان الذي سيقضون فيه الجزء الأكبر من وقتهم.
من ناحية أخرى، يمكن أن يشتمل الميتافيرس على مجموعة من العوالم المترابطة بشكل وثيق، بعضها يخضع لتحكم المستخدمين بالكامل. سيكون هذا مكانا يمكن فيه للأشخاص أخذ بياناتهم الشخصية، والسلع الرقمية، والخدمات المفضلة معهم أثناء تنقلهم من مكان إلى آخر.
من المغري النظر إلى عمالقة الإنترنت على أنهم نسخة اليوم من قوى الاتصالات والإعلام التي كانت في أوائل التسعينيات، التي تحلم بتشكيل وامتلاك النسخة المقبلة من وسيلة الإنترنت. في هذه المقارنة، من المغري أيضا النظر إلى تكنولوجيا البلوكتشين والعملات المشفرة على أنها القوى اللامركزية للإنترنت في بداياتها. يرى عشاق العملات المشفرة أن الأشخاص يمتلكون زواياهم الخاصة في ميتافيرس متجزئ، بدلا من إلقاء جميع بياناتهم في عدد قليل من المنصات الواسعة.
مع ذلك، الحد من قوة شركات التكنولوجيا المهيمنة لن يكون بالأمر الهين. سيعتمد الأمر بشكل كبير على نتيجة الضغط العالمي الحالي من أجل وضع ضوابط أكثر فاعلية. وسيعتمد أيضا على ما إذا كانت التكنولوجيا الكامنة وراء ثورة التشفير ستؤدي إلى ظهور تجارب جديدة وطرق جديدة للتفاعل، غير متوافرة من خلال الخدمات الجماهيرية عبر الإنترنت اليوم. ولا يزال من الصعب معرفة ما الذي يمكن أن تكون عليه الأمور بالضبط.
وكما تبدو الصورة الآن، فإن قوى الإنترنت اليوم تتخذ موضعا جيدا للسيطرة على مستقبل الميتافيرس. إذا حدث ذلك، سينتهي بها المطاف مع قوة أكبر بكثير مما لديها الآن لتشكيل حياة مليارات الأشخاص على الإنترنت. فما الذي يا ترى الشيء الذي يمكن أن يسير على نحو خاطئ؟
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر