سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عرض: فرح خالد – ريم طارق
بعث اعتماد مجلس الشيوخ – مؤخرا- لقانون الابتكار والمنافسة الأميركي برسالة مهمة، مفادها أنه حتى في واشنطن المنقسمة بشدة، فإن مواجهة جهود الصين الرامية إلى إزاحة الولايات المتحدة كقوة تكنولوجية عظمى في العالم أصبحت قضية محل إجماع بين الحزبين بشكل متزايد. وعلى الرغم من أن مشروع القانون –في حال إقراره من مجلس النواب- من شأنه أن يسمح بزيادة مرحب بها قدرها ٢٥٠ مليار دولار من الاستثمارات في مجموعة من التقنيات الناشئة، إلا أن هذا الرقم ضئيل جداً مقارنة بالمليارات التي تواصل بكين ضخها في تطوير التكنولوجيا الخاصة بها.
ببساطة، لا تستطيع الولايات المتحدة، ولا يجب عليها، أن تحاول التنافس مع الصين في مجال الاستثمارات المدعومة من الدولة. والواقع أن أفضل ما قدمه قانون الابتكار والمنافسة هو دعم وتعزيز العمل الأمني والاستخباراتي بهدف حماية الابتكار الأميركي، وتعزيز القدرة التنافسية الوطنية. وعلى الرغم من الضمانات التي وضعها الكونجرس لتحسين أمن البحوث ونزاهتها ، إلا أن مشروع القانون قد تأخر كثيرا، كما أن ضمانات تنفيذ هذه الجهود وإعادة استثمار الموارد المتاحة ليست كافية.
عامة، فإن هدف قانون الابتكار والمنافسة واضح، وهو السعي إلى تعزيز مواطن القوة التي أدت إلى عقود من الابتكار الأميركي، مثل الترابط بين البحوث الأكاديمية، والمنح الحكومية، ورأس المال الاستثماري، والمنافسة في السوق الحرة، بدلاً من محاولة التغلب على الصين في لعبتها الخاصة.
في إشارة إلى فعالية هذا النموذج، يخول قانون الابتكار والمنافسة المؤسسة الوطنية للعلوم حق تقديم وتمويل منح تستهدف تقنيات استراتيجية معينة. وقد سارت المؤسسة على هذا النهج، الذى حقق نجاحاً باهراً لعقود. وفي عام 1994، مولت المؤسسة الوطنية للدراسات العليا بحثا لاثنين من طلاب الدراسات العليا في جامعة ستانفورد قدما نموذجاً أولياً لنظام رسم خريطة لتعيين الصفحات وترتيبها على الشبكة العالمية، وبعد أربع سنوات، حصلا على مئة ألف دولار من رأس المال الاستثماري، وتم دمجهم في جوجل.
ويراهن قانون الابتكار والمنافسة على أنه من خلال الحفاظ على نزاهة وبراعة النموذج الأميركي للابتكار، يمكن للولايات المتحدة تكرار هذا النجاح والتنافس مع الاستراتيجية الوطنية الصينية للاندماج العسكري والمدني. وهذا ينبع من الثقة المشتركة على نطاق واسع بأن الولايات المتحدة تستطيع إخراج الصين من المنافسة على المدى الطويل، مستفيدة من نظام وصفته نائبة وزير الدفاع، كاثلين هيكس، مؤخرا بأنه نظام “اضطراب تعاوني”. وعلى الرغم من الثقة بأن النهج الأميركي سيسود على المدى الطويل، إلا أن احتمال نجاحه يتضاءل إلى حد كبير عندما لا تكون المنافسة عادلة ومتكافئة.
واستشهد صناع السياسة الأميركية بأمثلة على العدوان الاقتصادي الصيني، منها قيام كيانات مدعومة من الدولة الصينية بسرقة أو شراء الأبحاث وحقوق الملكية الفكرية الأميركية. وفي العام الماضي، أشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية إلى ما أدلى به بيل إيفانينا، الذي كان آنذاك المسئول الأول في الحكومة الأميركية عن مكافحة التجسس، أن الخسائر الاقتصادية الأميركية السنوية الناتجة عن التجسس الاقتصادي الصيني تتراوح بين 300 و600 مليار دولار سنوياً.
وفي 23 يونيو2021، أشار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، في شهادته أمام اللجنة الفرعية للاعتمادات في مجلس الشيوخ المعنية بالتجارة والعدل والعلوم والوكالات ذات الصلة، إلى زيادة بنسبة 1300 % خسائر ناتجة عن التجسس الاقتصادي الصيني على مدى العقد الماضي، حيث يفتح المكتب تحقيقا جديدا في هذه المسألة كل 10 إلى 12 ساعة.
وفي إطار الجهود الأخيرة للحد من قدرة بكين على استغلال الانفتاح والشفافية الأميركية لمصلحتها الاستراتيجية، دعم الكونجرس لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة في عام 2018، كما حدَّث قدرة تلك اللجنة على تقييم مجموعة أوسع من أنشطة الاستثمار الأجنبي. وقد أجرى المشرعون اتصالات واسعة النطاق مع القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، جنبا إلى جنب مع قادة الاستخبارات وقادة إنفاذ القانون الأميركيين، لتوسيع الوعي بالعدوان الاقتصادي الصيني، وأنشطة النفوذ الصيني، والعديد من التشريعات ذات الصلة، وعقدت جولات من الحوار داخل مبنى الكونجرس في السنوات الأخيرة.
وتهدف النصوص الأمنية الواردة في قانون الابتكار والمنافسة إلى توسيع نطاق هذه الأنواع من الجهود الأمنية الاقتصادية والبحثية بطرق متنوعة. ويتضمن مشروع القانون العديد من النصوص التي من شأنها تقييد الباحثين الذين تربطهم صلات ببعض برامج المواهب الأجنبية من المشاركة في الأبحاث التي ترعاها الحكومة الأميركية. وقد وضعت هذه التدابير في المقام الأول استجابة للمخاوف بشأن برنامج ألف موهبة في الصين، والذي أثار خلافات بارزة حول الباحثين المرتبطين بكل من مؤسسات البحوث الأميركية والحزب الشيوعي الصيني. وأدت سياسات الكونجرس الهادفة إلى تقييد بعض الباحثين من التعاون في البحوث التي تمولها الحكومة إلى عودة التوتر الطويل الأمد في العلاقة بين مجتمع الأمن القومي والأوساط الأكاديمية.
وعلى الرغم من أن العلاقات الوثيقة والمثمرة والموثوقة بين الحكومة ومجتمع البحوث ضرورية لاستراتيجية أمنية فعالة، إلا أن العديد من المنظمات الأكاديمية حذرت من أن قانون الابتكار والمنافسة قد يحد من التعاون العلمي مع الشركاء الدوليين، ويخنق قدرات البحوث الأميركية، بل يساور الأوساط الأكاديمية القلق أيضا إزاء شرط مقترح في قانون الابتكار والمنافسة من شأنه أن يخضع المنح الأجنبية للجامعات، والتي تبلغ مليون دولار أو أكثر، لمراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي بالكونجرس، وهو ما قد يكون مكلفا جداً، ويستغرق وقتا طويلاً.
وجددت بطلان محاكمة أجريت مؤخرا في تحقيق تجسس اقتصادي في ولاية تينيسي، الادعاءات بأن وزارة العدل تقوم على نحو غير ملائم بتصنيف عنصري ضد الباحثين المنحدرين من أصل آسيوي. وعلى الرغم من أن الحكومة تشير بشكل روتيني إلى أن الملاحقات القضائية المتعلقة بالصين لا تشمل أفرادا من أصل آسيوي كدليل على أنها غير منخرطة في التصنيف العنصري، إلا أن العديد من الباحثين لا يزالون غير مقتنعين.
وفي الواقع، يجب أن تكون حماية نزاهة الأبحاث الأميركية ومزاياها الاستراتيجية متوازنة مع التوقعات المعقولة للحرية الأكاديمية. واعترافاً بالمخاوف التي أثيرت في هذا المجال، أكد المدعي العام جارلاند مؤخرا على كيفية مواجهة وزارة العدل التهديد الاقتصادي الصيني دون تقويض الحقوق المدنية. وستتعزز الجهود الرامية إلى التدقيق في البحوث التي تدعمها الحكومة الأميركية من خلال إنشاء قانون الابتكار والمنافسة لمجلس أمن البحوث الاتحادي داخل مكتب الإدارة والميزانية. وسيكلف المجلس بإنشاء عملية موحدة لتقديم المنح تتطلب، من بين أمور عديدة، من المحققين الرئيسيين الكشف عن أي انتماءات إلى جيش أجنبي، ومنظمات ذات صلة بالحكومات الأجنبية، والمؤسسات الممولة من الخارج، وجميع أوجه الدعم من المؤسسات أو الحكومات أو المختبرات الأجنبية. والواقع أن قانون الابتكار والمنافسة يستهدف على نطاق واسع أولئك الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقا بالكيانات الأجنبية التي تعد خطرا على الأمن القومي. وعلى هذا النحو، فإن منع مشروع القانون لأي بحث أكاديمي سوف يتحدد -إلى حد كبير- من خلال تفسير هذه المخاطر المحتملة. ويمكن للتفسيرات غير الصحيحة لمستوى تهديد الفرد أن تحد في نهاية المطاف من وصول واستفادة الولايات المتحدة من الطلاب والباحثين المتقدمين الذين لا يشكلون ضرراً على الأمن القومي الأميركي.
كما سيجعل مشروع القانون من الاحتيال في طلبات المنح الفيدرالية جريمة محددة بموجب القانون الأميركي. وعلى الرغم من أن وزارة العدل تتهم الأفراد بشكل روتيني بتزوير المنح، خاصة عندما يخفي الفرد صلته بحكومة أجنبية معادية، إلا أن اللغة القانونية المحددة من المرجح أن توفر لإنفاذ القانون أساسا أوضح وأكثر تحديدا لمتابعة الاتهامات الجنائية. وسيعاقب النظام الأساسي على وجه التحديد طالبي المنح الذين لا يكشفون عن تعويضات خارجية، بما في ذلك التعويضات الأجنبية، أو يقدمون طلبات منح زائفة أو مضللة. ولكن، كما سبقت الإشارة، يجب ألا تهتم السلطات الجديدة لإنفاذ القانون بالتهديد فقط ولا ترى سواه، وإنما يجب أن تكون على فهم تام بالطبيعة العالمية للأوساط الأكاديمية. ويوجه مشروع القانون مدير سياسات العلوم والتكنولوجيا إلى إنشاء منظمة لتحليل المعلومات المتعلقة بأمن البحوث والنزاهة.
وستتيح هيئة البحوث العلمية والعلوم الاجتماعية لأعضاء مجتمع البحوث في الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى المعلومات لفهم وتحديد الجهود التي تبذلها الكيانات الأجنبية للحصول على البحوث والمواد والملكية الفكرية. وستكلف المنظمة أيضا بوضع مجموعة من الأطر الموحدة لتقييم المخاطر وأفضل الممارسات، وتقديم تقارير في الوقت المناسب عن المخاطر الأمنية البحثية، وتبادل المعلومات حول التهديدات الأمنية، وتوفير التدريب والدعم، وتمكين جمع المعلومات الموحدة، وتجميع البيانات وتخزينها وتحليلها لتقارير الحوادث المجمعة، ودعم تحليل أنماط المخاطر وتحديد الجهات الفاعلة السيئة. ومع ذلك، فإن مشروع القانون يلقي بعبء تمويل منظمة تحليل المعلومات المتعلقة بأمن البحوث والنزاهة على مؤسسة العلوم الوطنية، مع استهداف فرض رسوم في المستقبل القريب.
ويعرض هذا النموذج للخطر -في نهاية المطاف- الفعالية العامة للمنظمة المحتملة، التي ستعتمد على تبادل المعلومات بشكل فعال بين المشاركين. والواقع أن هذه المشكلة تعكس اتجاها أكبر يتغلغل في جميع جهود مكافحة التجسس وأمن البحوث الواردة في قانون الابتكار والمنافسة، مثل نقص التمويل. وعلى الرغم من الأهداف، الثمينة لمشروع القانون، فإن جهود مؤسسات، مثل مجلس الأمن الاتحادي للبحوث، ومنظمة تحليل المعلومات المتعلقة بأمن البحوث والنزاهة، ستظل عظيمة فقط من الناحية النظرية، إذا لم تتوافر لها الموارد المناسبة.
كما أكد الكونجرس في قانون الابتكار والمنافسة على أن الأمن السيبراني عنصر أساسي في أمن البحوث ونزاهتها. ويكلف مشروع القانون المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا بوضع المعايير وتبادل أفضل التدريبات مع مؤسسات البحوث. ومع ذلك، هناك بالفعل العديد من الجهود القائمة للتعامل مع الأوساط الأكاديمية بشأن التهديدات السيبرانية، بما في ذلك الإطار الأمني. وبدلاً من وضع معايير إضافية، أو حتى زائدة عن الحاجة، لإدارة المخاطر، يجب بذل جهد أكبر لتحسين الأمن السيبراني في الكليات والجامعات الأميركية، التي تحتاج إلى التمويل لتحسين الدفاعات الإلكترونية في كل أنحاء التعليم العالي. ومن المؤسف أن نقص التمويل يعكس أحد التحديات الدائمة في مجال مكافحة التجسس والأمن، وهو فشل الأموال في مواجهة الكلام الخطابي، فبدون تخصيص تمويل لهذه المبادرات، فمن المرجح أن ينعدم أثرها بسبب عدم كفاية الموارد.
إن تركيز قانون الابتكار والمنافسة على تعزيز الوعي بمجموعة التهديدات التي تواجه البحث والابتكار في الولايات المتحدة أمر جدير بالثناء، فقد كان القانون على مدى سنوات له أولوية بالنسبة لأجهزة متعددة في الحكومة الأميركية بما في ذلك صندوق الأمن الوطني. ولكن تنفيذ جهود جديدة لإجراء مشاركة استباقية وذات مغزى مع الأوساط الأكاديمية بشأن التهديدات التي يواجهها الباحثون من الجهات الفاعلة الأجنبية المعادية سيتطلب فكراً جديداً وموظفين أكفاء وميزانية ضخمة. فالأوساط الأكاديمية ليست غريبة عن مخاوف الحكومة بشأن القضايا الأمنية، كما أن المكونات المختلفة لمجتمعات الاستخبارات وإنفاذ القانون والدفاع في الولايات المتحدة تخاطر بإثارة المتاعب والمقاومة التحذيرية في حرم الجامعات، لاسيما إذا لم يتم إجراء تغييرات في النهج القديم والمشاركة الأكاديمية.
إن التهديدات التي يتعرض لها أمن البحوث حقيقية، وتتطلب شراكة مستدامة، وتفاهما متبادلاً، ومسارا متوازناً بين القطاعين العام والخاص. إن قانون الابتكار والمنافسة هو إجراء مهم ويتحرك، جنباً إلى جنب مع خطوات أخرى لحماية البحوث والابتكار والأسرار التجارية في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، يواصل البيت الأبيض جهوده الموروثة من الإدارة السابقة للنظر بعناية أكبر في مسألة التوريد المتكاملة للولايات المتحدة ومنافسيها، وفي بعض الحالات قطعها تماما.
فقد فتح الأمر التنفيذي، الذي أصدره الرئيس بايدن في فبراير الماضى بشأن سلاسل التوريد الأميركية، تحقيقات منهجية في مرونة سلاسل التوريد، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على التكنولوجيا الأميركية وسياسات الصين. وعلى نحو مماثل، انضمت الإدارة الأميركية إلى حلفائها في “رباعية” في مارس الفائت للإعلان، من بين أمور كثيرة، عن إنشاء فريق عمل للتكنولوجيا الحرجة والناشئة.
إن الولايات المتحدة لابد أن تواصل جهودها للحفاظ على الريادة عبر التكنولوجيات الرئيسية، من خلال تأمين سلاسل التوريد الخاصة بها، والتنسيق مع الشركاء الدوليين ذوي التفكير المماثل، مع حماية تطوير التكنولوجيات الاستراتيجية بعناية أكبر. ومن المسلم به أنه قد يكون من الصعب تخيل مخاطر مهمة حماية الأبحاث الأميركية. وكما تم تسليط الضوء، فإن قصة جوجل الأساسية هي انعكاس للنظام الأميركي للتعطيل التعاوني في العمل، لكن حجم وتنوع التهديدات التي تواجه الابتكار الأميركي في عام 2021 ليست هي ذاتها تهديدات عام 1994.
في عصر المنافسة الجيوسياسية المتزايدة، يتعين على المبتكرين اليوم أن يبدعوا ويعملوا في ظل أطر ثلاثة: العمليات السيبرانية التي ترعاها الدولة، ورأس المال الاستثماري الذي تموله الدولة، وتوظيف المواهب العلمية والتكنولوجية المدعومة من الدولة. وكما تغير التهديد وأصبح أكثر تعقيدا، يجب أن تتطور جهود الولايات المتحدة لحماية ابتكارها وميزتها الاستراتيجية لمواجهة هذا التحدي. ويحدد قانون الابتكار والمنافسة الطريق الصحيح، ولكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.
المصدر: مجلة السياسة الدولية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر