بريطانيا وجنوب أفريقيا.. تاريخ وإعلام متداخل | مركز سمت للدراسات

بريطانيا وجنوب أفريقيا.. تاريخ وإعلام متداخل

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 17 أكتوبر 2017

عبير خالد

حالة جنوب إفريقيا وبريطانيا، تعدُّ مثيرة إعلاميًا لعدة أسباب، يمكن توزيعها على أقطاب سياسية واجتماعية واقتصادية. فسياسيًا، جنوب إفريقيا من الدول التي تمَّ استعمارها أوروبيًا من قبل هولندا في القرن السابع عشر، ثم من قبل بريطانيا في القرن التاسع عشر. وهذا الاستعمار الغربي الثنائي على جنوب إفريقيا، الذي دام منذ ١٦٥٢ حتى ١٩١٠، ترك آثارًا ثقافية واجتماعية وتمايزات عرقية كبيرة؛ حيث استفرد بالسلطة على مدى أكثر من مئتي عام، البيض فحسب  .(BBC, 2017) وإلى جانب التفرقة العرقية في جنوب إفريقيا، فقد ترك لها الاستعمار – أيضًا – نوعًا من الشتات اللغوي، حيث تتكلم هذه الدولة – وحدها – أكثر من عشر لغات مختلفة. أضف إلى ذلك – طبعًا – التغيرات الديموغرافية والجينية، حيث باتت نسبة السود (٧٨٪)، وزادت نسبة البيض والقمحيين لتصل إلى ١٨٪. أمَّا اقتصاديًا، فكان أثر الاستعمار ليس من صالح السود الذين يستلمون مرتبات تقل عن البيض لما يصل إلى ستة أضعاف .(The world bank, 2017) كما أن هناك احتكارات واستحواذات يستفرد بها البيض على ملكيات عدد من أبرز الشركات وأهم الماركات السوقية.

الآن، وبالنظر إلى كل هذا التعقيد في تاريخ جنوب إفريقيا، ومعرفة نتائج الاستعمار عليها في التنوع الديموغرافي والعرقي واللغوي والمادي، يمكن القول إن تنفيذ أي حملة إعلامية من قبل دولة أجنبية، وخصوصًا دولة مارست الاستعمار في جنوب إفريقيا، يعدُّ أمرًا صعبًا. ويزداد الأمر صعوبة من ناحية مهنية، مع الأخذ في الاعتبار، الحاجة الماسة لتحديد الجمهور المستهدف ورصد حالته بدقة. ولكن بشكل غير متوقع، قررت شركة العلاقات العامة الأشهر في بريطانيا أن تقبل هذا التحدي، معتمدة على  نجاحها التاريخي في رعاية حملات دولية كبرى بعضها في دول عربية، كالعراق.

حملة White Monopoly Capital كنموذج
قامت “شركة علاقات عامة دولية” مطلع عام ٢٠١٦ بتوقيع عقد مع عائلة ثرية في جنوب إفريقيا (عائلة الجوبتا) بقيمة مئة ألف جنية إسترليني أو نصف مليون ريال شهريًا، استمر لأكثر من عام ونصف. وكان سبب هذا الاتفاق بين عائلة (الجوبتا) والشركة البريطانية، هو تسريب إيميلات لأحد رموز العائلة، يتضح فيه مدى سيطرتهم على حكومة جنوب إفريقيا وتأثيرهم الكبير على أصحاب القرار؛ مما تتسبب في اشتباكات وانتقادات متكررة ضد هذه العائلة. وكان الهدف من هذا العقد، أو هذه الحملة، هو تشتيت انتباه الناس عن الإيميلات المسربة، وإبعاد عائلة (الجوبتا) من ساحات الجدل والرأي العام.
نفذت الشركة بدورها، حملة ضخمة ارتكزت على إثارة النعرات العنصرية بين السود والبيض على الجانبين الاجتماعي والاقتصادي في جنوب إفريقيا. كان ذلك في البداية، عبر غرس وتكرار عبارات، مثل: “احتكار البيض”، أو “هيمنة الأبيض”، من خلال تكتيكات محددة، مثل: كتابة خطابات تحريضية حول الإشكالية الاجتماعية الاقتصادية بين السود والبيض، وتوزيعها على جماعات سياسية إفريقية بعينها، (The Guardian, 2017) ، أو من خلال حسابات تويتر وهمية تعزِّز هدف الحملة (BBC, 2017) ، أو عبر اللجوء لأشخاص سود لكي يقوموا بالاعتداء على مواطنين بيض في الشوارع والأسواق .(BBC, 2017) استمرت هذه الممارسات حتى تمَّ كشف تفاصيل الحملة التي كان من المفترض أن تكون سرية. وتمَّ التعرف على ارتباطها الوثيق بعائلة (الجوبتا) وإذاعة ذلك عبر برلمان جنوب إفريقيا.

من وجهة نظر نقدية، يمكن القول إنه بالنظر للإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لجنوب إفريقيا، فإن إشكالية العنصرية العرقية واحتكارات البيض، هي بالفعل موجودة وحقيقية، وإن ما قامت به الشركة لم يكن سوى إبراز إشكالية مؤسفة هناك، وهي عدم المساواة بين السود والبيض. ومع ذلك، فقد تمَّ تقييم ممارسة الشركة على أنها غير مهنية وتفتقد المعيارية، وذلك ليس لأنها استندت إلى أكاذيب أو معلومات غير واقعية، ولكن لأن إبراز هذه الحقيقة في هذا الوقت وهذه الظروف، كان الهدف منه إبعاد الانتباه عن (عائلة الجوبتا). وقد تمَّ حظر الشركة من عضوية “الجمعية البريطانية للعلاقات العامة” لمدة خمس سنوات على الأقل، كما تقدَّم عدد من أصحاب رؤوس المال في الشركة ببيع أسهمهم؛ مما أدى إلى مخاوف الإفلاس، ودفع الشركة إلى فصل فروعها في دبي، والبحرين، وهونغ كونغ، وبقية العواصم، عن الفرع الرئيسي في لندن، الذي يعتقد – بشكل كبير – أنه لن يتعافى من تبعات هذه الأزمة مطلقًا.

إن هذه التجربة السيئة التي مرت بها الشركة، كواحدة من أنجح شركات العلاقات العامة، تشير إلى دروس مهمة في قطاع العلاقات العامة حول العالم، وهي أن اعتماد حملة العلاقات العامة على معلومات حقيقية لا يكفي؛ ذلك أن طريقة ووقت عرض هذه الحقائق، قد تجعلها عرضة للاتهامات. ويمكن أيضًا القول إن تنفيذ حملات إعلامية خارجيًا، يتطلب وعيًا بالجمهور الذي تتمُّ مخاطبته، وتقديرًا للبعد التاريخي بين خلفيتيّ الإعلامي والمتلقي.

المراجع:

– The world bank (2017) South Africa Overview. [Online]. The world Bank. Available from: http://www.worldbank.org[Accessed 2 October 2017].

– BBC (2017) South Africa’s timeline. The BBC. [Online] 30th October. Available from: http://www.bbc.co.uk8

– Freitag, A. and Stokes, A. (2000) Global Public Relations: Spanning borders, Spanning cultures. Oxon: Routledge.

– Cavanagh, E. (2013) Settler Colonialism and Land Rights in South Africa: Possession and Dispossession on the Orange River. Hampshire: Palgrave Macmillan.

– Withers, I. (2017) Report slams Bell Pottinger for ‘race hate’ South Africa campaign. The Telegraph. [Online] 4th September. Available from: http://www.telegraph.co.uk

مبتعثة لدراسة بكالوريوس الإعلام والاتصال، لندن*

@erov2

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر