سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تود برنس
خلال الحملة الانتخابية في العام الماضي، وعد الرئيس الأميركي “جو بايدن” بأن يكون أكثر صرامة مع روسيا من سلفه، وحتى الآن اتخذ خطوات ملموسة وفاءً بكلمته، فمنذ أن تولى منصبه في 20 يناير 2020 فرضت الولايات المتحدة على الكرملين جولتين من العقوبات بسبب “الممارسات الضارة” التي ارتكبتها موسكو خلال فترة “دونالد ترمب” الرئاسية.
لقد كانت الإجراءات الأخيرة التي تم الإعلان عنها في 15 أبريل واسعة النطاق؛ أعلن البيت الأبيض عن طرد 10 دبلوماسيين روس وفرض عقوبات على ست شركات تكنولوجيا روسية بالإضافة إلى إبعاد 32 فردًا وكيانًا آخرين.
كما أثارت الديون السيادية المقومة بالروبل وهي عنصر أساسي في نشاط روسيا الاقتصادي، مناقشات حيوية حول إمكانية فرض عقوبات جديدة الأشهر القادمة.
وقد وجدت الإجراءات الأخيرة إشادة من المُحللين السياسيين ومن أعضاء الكونجرس، حيث قالوا إنها بعثت بإشارة قوية إلى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على الرغم من أن البعض دعى إلى إجراءات أكثر صرامة، مثل وقف خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا “نورد ستريم 2” المثير للجدل.
لكن ردة فعل السوق الروسية كانت صامتة، مما يُشير إلى أن العقوبات ربما لن تكون مؤلمة اقتصاديًا كما توقع البعض، وقال محللون إن الروبل ارتد في مقابل الدولار حين سحب “بايدن” ضرباته على عقوبات الديون مما جعل تأثيرها غير مؤكد.
في 15 أبريل “إيفجينيا سليبتسوفا” الخبيرة الاقتصادية بشركة “أكسفورد إيكونوميكس” للأبحاث ومقرها المملكة المتحدة، عبرت عن الإجراءات في مذكرتها تحت عنوان “لا تزال نباحًا أكثر من كونها لدغة”.
فمع ظهور “بايدن” الربيع الماضي كمرشح ديمقراطي للرئاسة وتشير استطلاعات الرأي إلى فوزه على “ترمب” في نوفمبر 2020 وكانت التوقعات تتزايد بشأن فرض الولايات المتحدة عقوبات أشد على الاقتصاد الروسي، خصوصًا من خلال تقييد قدرة البنوك والمستثمرين الأميركيين على شراء الديون السيادية الروسية، المتمثلة في السندات التي تبيعها الحكومة لجمع السيولة لخزائنها.
لقد أوضحت إدارة بايدن المنطق وراء ذلك في 15 أبريل، عندما تم الإعلان عن العقوبات الجديدة، وقال مسؤول كبير: “لا يوجد سبب معقول يدفع الشعب الأميركي إلى تمويل الحكومة الروسية بشكل مباشر، رغم محاولة نظام بوتين مرارًا وتكرارًا تقويض سيادتنا”.
“رمزي إلى حد كبير”
كلما قل عدد المستثمرين المستعدين لشراء الديون السيادية الروسية زادت تكلفة جمع الكرملين للأموال التي يحتاجها، وهو ما يعد تطورًا ذو تأثيرٍ مضاعف على جميع أنشطة الاقتصاد مما يؤثر على الشركات والمستهلكين، لكن إدارة “بايدن” اختارت اتباع مجموعة معتدلة نسبيًا بدلًا من عقوبات الديون السيادية.
في 14 يونيو ستدخل حيز التنفيذ إجراءات منع البنوك من شراء السندات الحكومية المقومة بالروبل والمعروفة بـ”OFZs” مباشرة من روسيا، ولن يمنعهم ذلك من شراء نفس تلك السندات من السوق الثانوية في البنوك الروسية، وقد كتبت سليبتسوفا في المذكرة أن التأثير على سوق الديون السيادية للروبل من المرجح أن يكون “رمزيًا إلى حدٍ كبير”.
أدى توقع المستثمرين بأن إدارة “بايدن” يمكن أن تحظر جميع الديون المقومة بالروبل “OFZs” إلى انخفاض الملكية الأجنبية إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات بنسبة 20% في بداية أبريل الجاري، وذلك بانخفاض يصل إلى 35% في بداية عام 2020.
إن البيع على نطاق واسع من قبل الأجانب دفع السندات الحكومية المقومة بالروبل لقيمة 80روبل في مقابل الدولار، وهو ما يقترب من المستوى القياسي المنخفض ويساعد على تأجيج التضخم في روسيا.
إن روسيا لديها حاليًا حوالي 185 مليار دولار من ديون هذه السندات الحكومية المستحقة، وفقًا لـ”فلاديمير تيخوميروف” الخبير الاقتصادي في موسكو لبنك الاستثمار “BCS Global Markets”، مما يجعل للملكية الأجنبية حوالي 37 مليار دولار حيث قال: “إن المستثمرين يمتلكون مابين 12- 14 مليار دولار من دول الأوقيانوس” ويمثل المستثمرون الأوروبيون والآسيويين معظم الديون المتبقية للأجانب.
ولا تُلزِم العقوبات المستثمرون الأجانب غير الأميركيين بأن يحذوا حذوهم في الابتعاد عن مناطق التجارة الحرة، لكن “بريان أوتول” المسؤول السابق بوزارة الخزانة وهو حاليًا زميل بارز في مركز أبحاث “أتلانتيك كاونسل” قال: “إن البنوك الأوروبية الكبرى غالبًا ما تنفذ عقوبات وزارة الخزانة”، مما يعني أن التأثير الضار المحتمل سيكون أكبر.
ومع ذلك فعندما فرضت إدارة “ترمب” حظرًا مماثلًا في عام 2019 على ديون الدولار الأميركي الصادرة عن الحكومة الروسية ولكن لم يحدث ذلك تأثيرًا كبيرًا، “سليبتسوفا” قالت عن العقوبات التي وقعت في عهد ترامب بأنها “لم تؤثر كثيرًا على وصول الكرملين إلى التمويل الأجنبي”، حيث تحولت روسيا إلى إصدار المزيد من السندات المقومة باليورو، وبالفعل ارتفعت نسبة المستثمرين الأجانب الذين يمتلكون ديونًا سيادية صادرة عن روسيا بالعملات الأجنبية بعد إعلان تلك العقوبات.
روسيا تتراجع
تعتمد الحكومة الروسية على الديون المقومة بالروبل في تمويل ميزانيتها بدرجة أكبر من اعتمادها على الديون المقومة بالدولار، مما قد يجعل العقوبات الجديدة أكثر قوة وأشار مسؤول كبير في إدارة “بايدن” إلى أن البيت الأبيض يأمل في إحداث تأثير كبير، حيث قال: “يمكن للمستثمرين كمشترين في هذا السوق إحداث تأثير مخيف أوسع يرفع تكاليف الاقتراض في روسيا، إلى جانب هروب رأس المال وضعف العملة وكل هذه القوى لها تأثير مادي على نتائج النمو والتضخم في روسيا”.
في الوقت نفسه ربما تم اختيار شكل أخف من عقوبات الديون السيادية بتوجيه ضربة أخف في الوقت الحالي مع الاحتفاظ بضربة أقوى في الاحتياط.
وفي تصريحات في وقت متأخر يوم 15 أبريل، قال “بايدن” إن الولايات المتحدة فيما يخص العقوبات “كان يمكن أن تذهب أبعد من ذلك”، لكنه اختار عدم القيام بذلك لأنه يريد تجنب “دائرة التصعيد والصراع”، بل إنه حذر من أنه “إذا استمرت روسيا في التدخل في ديمقراطيتنا ، فأنا مستعد للرد باتخاذ مزيد من الإجراءات”.
“إلينا ريباكوفا” نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي في واشنطن قالت: “إن ذلك قد يجعل بعض البنوك والمستثمرين حذرين على المدى القريب من شراء ديون الروبل الروسي”، حيث سيقول البعض أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء، لكنها أكدت أيضًا إن عقوبات الديون بشكلها الحالي سيكون لها “أثر رمزي طفيف”.
دخل النفط
يستعد “بوتين” لفرض حظر غربي على الديون السيادية منذ أن بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في فرض عقوبات على روسيا في عام 2014، بعد أن استولت روسيا على شبه جزيرة القرم ودعمت المقاتلين في شرق أوكرانيا، فقد قلصت حكومته نمو الإنفاق ورفعت احتياطي البلاد من العملات الأجنبية إلى ما يقارب الـ 600 مليار دولار، وقد أدى هبوط أسعار النفط العالمية إلى جانب تلك العقوبات إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي بشدة في عام 2015، ولكن هذا العام استفادت روسيا مرة أخرى هذا العام من قفزة في أسعار النفط سلعتها التصديرية الرئيسية.
وكانت الحكومة تعتزم اقتراض 3.7 تريليون روبل- ما يعادل 48.5 مليار دولار- هذا العام بافتراض متوسط لسعر النفط بقيمة 45 دولارًا للبرميل، وقالت وزارة المالية الروسية في مارس الماضي إن سعر النفط بلغ متوسط 60 دولارًا للبرميل حتى الآن، ومن المحتمل أن يُدر أكثر من 25 مليار دولار من إيرادات الميزانية الإضافية.
وردًا على الولايات المتحدة الجديدة بسبب العقوبات أعلنت روسيا أنها ستخفض احتياجات الاقتراض لعام 2021 بنحو الربع أو بنحو 11.5 مليار دولار، وهذا الخفض يعد أكبر من نسبة ديونها المملوكة للأجانب.
يقول تيخوميروف: “إذا لم نشهد انهيارًا للاقتصاد العالمي وهبوطًا كبيرًا في أسعار النفط، فلن تحتاج روسيا حقًا لاقتراض هذا القدر من المال، لذلك يمكنهم بسهولة تعديل سياستهم وكبح احتياجاتهم من الديون الجديدة، وبالتالي فإن العقوبات لن تؤثر على توقعات النمو الاقتصادي الروسي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Radio Free Europe
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر