وترجم الرئيس الأميركي جو بايدن وعوده إبان الحملة الانتخابية، حينما صرّح أنه لو فاز بالرئاسة، فسيعلن رسميا أن ما حل بالأرمن على يد العثمانيين هو إبادة جماعية متكاملة الأركان، وهو ما فعله في 24 أبريل، بمناسبة مرور 106 أعوام على الإبادة الجماعية ضد الأرمن.

والمؤسف أن تركيا وريثة السلطنة العثمانية، لا زالت تنكر وبصلافة هذه الواقعة التاريخية الثابتة والموثقة، رغم أن عشرات الدول والمنظمات الحقوقية حول العالم، تعتمد وصف ما جرى بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك.

وأن يأتي توصيف الإبادة الجماعية هذه المرة، من جانب سيد البيت الأبيض في واشنطن، فهذا وقعه أثقل، ومؤداه أن ثمة إجراءات أميركية أخرى تالية على وقع هذا الإقرار، سيما وأن الكونغرس الأميركي بمجلسيه، الشيوخ والنواب، كان قد اعتمد أواخر العام 2019 وصف الإبادة الجماعية للمذابح التي اقترفتها الدولة العثمانية، بحق الأرمن قبل أكثر من قرن من الزمان.

لا يخفى أن العلاقات الأميركية – التركية المتردية، تمر في واحدة من أسوأ مراحلها خاصة بعد خسارة دونالد ترامب، ووصول الديمقراطي جو بايدن للبيت الأبيض، وعلى وقع جملة ملفات خلافية منفجرة، من موضوع لعب أنقرة على الحبلين وشرائها منظومة صواريخ إس – 400 الروسية، إلى السياسات التركية التوسعية في المنطقة ككل، من حوض المتوسط إلى قزوين والقوقاز، والدعم والراعية للحركات الإخوانية والأصولية المتطرفة، في المنطقة العربية وفي أوروبا خاصة.

أضف إلى ذلك تصاعد القمع وكبت الحريات والانكماش كي لا نقول الانهيار الديمقراطي داخل تركيا، مما بات صعبا التغاضي عنه من قبل كبريات عواصم العالم كواشنطن.

وهنا يبدو مفهوما تماما، مغزى أن لا يتواصل الرئيس الأميركي طيلة أشهر منذ تسلمه الرئاسة، ولا يتعاطى مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في رسالة واضحة تعبر عن الرفض الأميركي لسياساته داخليا وخارجيا، وعن إهماله وتهميشه، بحيث لم يتصل به هاتفيا سوى عشية إعلانه التاريخي حول الإبادة الأرمنية.

ولا شك أن هذه الخطوة تحسب لواشنطن، لجهة الإقرار بهذه الإبادة الفظيعة، وعدم وضع المصالح مع تركيا فوق المبادئ والاعتبارات الإنسانية والحقوقية، الأمر الذي قد يغدو تقليدا في العلاقات الدولية، بحيث لا تطغى المصالح والحسابات النفعية المجردة، على مبادئ العدالة والحرية، وحقوق الإنسان.

هي أيضا فرصة لتركيا (كما فعلت ألمانيا عبر التبرؤ من النازية وتجريمها) كي تقطع مع ماضيها وحاضرها الاستبداديين، وملؤهما الاستعلاء وممارسة الغزو والتوسع والاضطهاد والإبادة، بحق الدول الأخرى خارجيا، وبحق القوميات والمكونات الإثنية والدينية المختلفة داخليا، إن في حقبتها العثمانية، أو في الحقبة الجمهورية، فعبر ذلك فقط يمكنها الانطلاق، نحو فضاءات الديمقراطية والمستقبل والتحرر من شرانق النزعات العنصرية والفاشية، والتصالح تاليا مع نفسها، ومع محيطها الإقليمي، ومع العالم.