الصين تتوخى الحذر تجاه النمو الاقتصادي السريع | مركز سمت للدراسات

الصين تتوخى الحذر تجاه النمو الاقتصادي السريع

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 27 أبريل 2021

مايكل ليليفيلد

 

تواجه حكومة الصين تحديًا صعبًا في إدارة توقعات معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، مع تعافي البلاد من أزمة “كوفيد- 19” هذا العام، ففي 11 مارس دافع رئيس مجلس الدولة “لي كه تشيانغ” عن قرار الحكومة وضع معيار منخفض نسبيًا للاقتصاد، بعد تقديم تقرير العمل السنوي لنواب الشعب في المجلس الوطني بهدف نمو “أكثر من 6%”، وفي مؤتمر صحفي رفض “لي” فكرة أن الحكومة قد تعمدت التراجع عن التعافي من الوباء بعد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3% في عام 2020، وهو أبطأ معدل طوال 44 عامًا، وقد نقلت وسائل الإعلام الحكومية عن “لي” قوله: “إن هدف النمو بأكثر من 6% ليس منخفضًا بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني، والهدف المحدد لتوجيه التوقعات هو تدعيم أساس التعافي الاقتصادي ومتابعة التنمية عالية الجودة”، وفي حين أن المعدلات الرسمية التي أبلغ عنها المكتب الوطني للإحصاء مفتوحة للتساؤل، يُعتقد أن الصين هي الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي أظهر أي نمو على الإطلاق في عام 2020، مع استمرار التوسع في النصف الثاني فقط.

توقعات الحكومة لهذا العام غير معتادة من عدة نواحٍ، فهي أقل بكثير من التوقعات المعدلة لصندوق النقد الدولي في يناير الماضي، والتي دعت إلى نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 8.1%، وقد تجاوزت النتائج الرسمية للصين لعام 2020 توقعات النمو لصندوق النقد الدولي البالغة 1.9% في أكتوبر الماضي، ومن المتوقع أن يقوم صندوق النقد الدولي بتحديث توقعاته في اجتماعه الربيعي الأسبوع المقبل.
وفي السنوات السابقة كانت أهداف الحكومة وتوقعات صندوق النقد الدولي بشكل دوري بمثابة أرضية، لأرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي التي أبلغت عنها مصلحة الدولة للإحصاء، مما منح الحزب الشيوعي الفرصة للإشادة بسياساته الاقتصادية المخططة مركزيًا.

توقعات عالية وثقة منخفضة:

لقد كانت التوقعات بشأن الاقتصاد الصيني هذا العام عالية، ففي يناير قدَّر البنك الدولي معدل النمو لهذا العام عند 7.9%، وفي الشهر الماضي أصدرت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني “Fitch Ratings Inc” ورفعت توقعاتها من 8%- 8.4%، مستشهدة بنمو الصادرات القوي والطلب العالمي.

لكن الحكومة أبقت على هدفها وهو الحفاظ على المستوى الأدنى، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت لديها ثقة كاملة في الانتعاش، كما أنها خالفت التقاليد باتخاذ قرار بعدم تحديد أي هدف للنمو للفترة 2021- 2025 من الخطة الخمسية الرابعة عشرة، وفي جلسة المجلس الوطني لنواب الشعب التي تم تأجيلها في مايو من العام الماضي، ألغت الحكومة هدف النمو لعام 2021، مشيرة إلى حالة من عدم اليقين بشأن الوباء، وقد ترك غياب أهداف النمو الحكومات المحلية دون التوجيه المعتاد من السلطات المركزية، بشأن الوتيرة التي ينبغي أن تكون لعام 2022 وبقية الخطة الخمسية.

صندوق النقد الدولي توقع نموًا بنسبة 5.6% لعام 2022، مما يشير إلى أن التوسع سيتباطأ بعد تعاظم معدل هذا العام، من خلال التأثير الكبير لكساد عام 2020. وفي تقاريرهم عن البيانات الاقتصادية الأخيرة، بذل المكتب الوطني للإحصاء ووسائل الإعلام الحكومية قصارى جهدهم، لعمل مقارنات ليس فقط مع الأداء قبل عام ولكن أيضًا لنتائج ما قبل الجائحة في عام 2019، مما يساعد على تجنب التلميح إلى أن التعافي سيؤدي إلى هروب النمو.

وفي تقارير النتائج للفترة من يناير إلى فبراير على سبيل المثال، قالت وكالة “أنباء شينخوا” الرسمية إن مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية قفزت بنسبة 33.8% عن العام السابق إلى أكثر من 6.97 تريليون يوان أي ما يعادل 1.07 تريليون دولار أميركي، لكن “شينخوا” أضافت أن الرقم ارتفع بنسبة 6.4% فقط خلال فترة العام 2019، بالمقارنة مع متوسط ​​معدل نمو سنوي بلغ 3.2% فقط على مدى عامين.

بقايا التخطيط المركزي:

كان الاقتصاديون يحثون الصين على التخلي عن مسرحية الإعلان عن أهداف نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوية لأكثر من عقد من الزمان، لكن الثغرات الموجودة في بقايا التخطيط المركزي قد تترك الآن اتجاه السياسة جانبًا، ويساعد الابتعاد عن تحديد الأهداف التقليدية انعكاسًا لاستمرار عدم اليقين بشأن الضرر الاقتصادي الناجم عن أزمة فيروس كورونا، مما يثير تساؤلات حول المدة التي سيحتاجها الاقتصاد للتعافي.

إن الهدف الرسمي لهذا العام وتوقعات صندوق النقد الدولي لعام2022‪ قد ينظر إليهما على أنهما إشارات عن عودة الصين إلى مسارها قبل الوباء المتمثل في خفض معدلات النمو تدريجياً في الوقت المناسب.

حاولت تفسيرات “لي” تبديد الفكرة القائلة بأن الحكومة تعمدت خفض مستوى المعايير بحيث يمكنها القفز فوقه بسهولة أكبر، وقال “لي” إن هدف هذا العام “ليس ثابتًا” وقد يكون النمو الفعلي أسرع، وأقر “لي” بأن الاقتصاد ينمو من “قاعدة لا تضاهى” من هبوط عام 2020، في حين أن وتيرة الانتعاش العالمي لا تزال غير مرئية، كما أعرب “لي” عن حذره بشأن التقلبات الشديدة في منع الأداء الاقتصادي والجهود المبذولة من الحفاظ على “استقرار التوقعات” حيث قال: “إن النمو السريع للغاية لن يكون ثابتًا، وثمة حاجة إلى وتيرة ثابتة للحفاظ على تنمية الصين على المدى الطويل”، وفي خطابه عبر الفيديو أمام منتدى التنمية الصيني في 22 مارس اكّد “لي” إصراره على أن هدف النمو ليس منخفضا، مُشيرًا إلى أن الهدف كان موضع جدل مستمر.

وفي دعمٍ واضحٍ لموقف الحكومة توقع تقرير صادر عن مجلة “تشاينا إيكونوميست China Economist” نشرته “الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية” أن يصل معدل النمو في الربع الأول إلى 8% لكنه سيستقر عند حوالي 6% هذا العام، وقد تكون المصالح الصناعية التي تدفع عادة نحو سياسات نمو أسرع، قادرة على الإشارة إلى توقعات صندوق النقد الدولي وتوقعات النمو المرتفع الأخرى، لتقول إن أهداف “لي” مقيدة للغاية.

يقول “ديريك سيسورز” الخبير الاقتصادي والباحث الآسيوي المقيم في معهد “أمريكان إنتربرايز” بواشنطن، إنهم لا يهتمون بصندوق النقد الدولي لأن الحكومة تحاول تجنب نوبة أخرى من الاقتراض المفرط لتمويل النمو المفرط، وأنها لا تهتم بالظهور دون توقعات صندوق النقد الدولي، كما قال “سيسورز” عبر البريد الإلكتروني: “إنهم لا يتوقعون أي شيء سلبي بجدية، ولا يهتمون بصندوق النقد الدولي، أنهم يريدون التحقق من المخاطر في النظام المالي، ليس بالضرورة بهدف تقليلها بل للحد منها لتبقى عند 6% بدلًا من 8% لتثبيط الاقتراض الإقليمي التوسعي”.

إن الحكومة حريصة على تجنب جنون طفرات النمو السابقة، التي حدثت عندما كانت الأهداف السنوية التي أعلنتها الحكومة المركزية، بمثابة إشارة انطلاق للمسؤولين الإقليميين والمحليين لتجاوز مشاريع الإنتاج والبنية التحتية المكونة من رقمين والتي تهدف إلى التقدم في حياتهم المهنية.

وقالت “شينخوا” إن بوادر القلق بدأت تظهر بالفعل على القطاع المصرفي حيث قفزت القروض المقدّمة باليوان في فبراير إلى معدل 50% عن العام السابق، لتصل إلى 1.36 تريليون يوان أي ما يعادل 208.6 مليار دولار أميركي.

ومن المرجح أيضًا أن تكون الحكومة حذرة من إحداث تفاقُم آخر في الطاقة والبيئة في وقت الموارد المحلية فيه محدودة، كما يزداد القلق بشأن الاعتماد على الواردات والضغط على سياسة تغير المناخ، فخلال أشهر الشتاء الماضية عانت الكثير من الولايات من نقص الكهرباء، وارتفاع تكاليف الفحم، وتقلب أسعار الغاز الطبيعي، ومشاكل جودة الهواء، كما تواجه الحكومة ضغوطًا بشأن المواعيد النهائية التي حددها الرئيس “شي جين بينغ” للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون قبل عام 2030 ولتحقيق حياد الكربون “الصفري” قبل عام 2060.

كما قال تقرير صدر الشهر الماضي من قبل مؤسسة “كايكسين جلوبال Caixin Global”: “سيكون الأمر أشبه بالسير على حبل مشدود لتحقيق التوازن، بين خفض الانبعاثات والطلب المتزايد باستمرار على الطاقة”.

وأخيرًا، قال “لي” في تصريحات لمنتدى التنمية يوم 22 مارس: “إننا بحاجة إلى السعي لتحقيق توازن بين النمو والدخل والتوظيف، حيث لا يمكننا متابعة النمو الاقتصادي القائم على ارتفاع استهلاك الطاقة والتلوث الشديد”.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Radio Free Asia

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر