سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زال انجاباريدزه
المواجهة السياسية في جورجيا، خفَّت حدتها مؤقتًا بفضل وساطة رئيس المجلس الأوروبي “تشارلز ميشيل”، بين الحكومة والمعارضة في “تبليسي” في 2 مارس2021، لكن من المرجح أن تُستَأنَف وتتفاقم في الأيام أو الأسابيع المقبلة، ففي 6 مارس محطة “تي في بيرفيلي” التلفزيونية، وهي محطة مستقلة تنتقد “حزب الحلم” الجورجي الحاكم، ويُشاع أنها تابعة لحزب الحركة الوطنية المتحدة حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، قامت المحطة بنشر تسجيلات لمحادثة هاتفية مزعومة بين أعضاء من التيار الوطني الحالي ورجل الأعمال “بيرا ايفانيشفيلي”، نجل مؤسس حزب “حلم جورجيا”، الملياردير “بيدزينا ايفانيشفيلي”، وقد أظهرت التسجيلات التي يُزعم أنها تعود إلى عام 2017م، أن “بيرا” كلف المقربين من والده، “إيراكلي غاريباشفيلي” وزير الداخلية السابق ورئيس الوزراء الحالي، و”انزور تشوبينيدزه”، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس الحرس الوطني الخاص، بالتصدي لبعض الشباب الذين يروِّجون منشورات على الإنترنت تتضمن الإساءة إليه هو وعائلة “ايفانيشفيلي”، وفي المحادثة المسجلة يبدو أن “غاريباشفيلي” يُشجع على اتخاذ الإجراءات العقابية بعدما اطلع على المنشورات المُسيئة، التسجيل الذي تم تسريبه والذي كان شديد الحساسية تسبب بصدمة كبيرة للمجتمع الجورجي ووضع “حزب الحلم الجورجي” في وضع سياسي محرج.
ظهرت المحادثة المسجلة بعد يوم من إصدار مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقريره النهائي بشأن الانتخابات البرلمانية في 31 أكتوبر 2020 بجورجيا، ومع بعض التحفظات، قام التقرير بتقييم الانتخابات الجورجيّة على أنها “تنافسية وتتم إدارتها بكفاءة على الرغم من التحديات التي انطوت عليها جائحة كوفيد-19”.
ومن المفترض أن تكون الشرعية الدولية الحاسمة لنتائج الانتخابات قد عزَّزت موقف “حزب الحلم الجورجي الحاكم” في مفاوضاته مع المعارضة المتحدة، والتي تتضمن الوساطة التي قام بها “تشارلز ميشيل” من المجلس الأوروبي في 1 مارس، حيث اتفق الطرفان على أجندة من ست نقاط للتفاوض، وكانت إحدى هذه النقاط تتضمن انتخابات مبكرة محتملة، ومن أجل خلق بيئة مواتية للحوار قامت المعارضة المتحدة بتغيير شكل وجدول مسيراتها المخطط لها مسبقًا. ومن المتوقع أن تقدم جورجيا تقريرًا مرحليًا عن المحادثات بين الحكومة والمعارضة خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وجورجيا في بروكسل في منتصف مارس الجاري.
ورغم رفض حزب الحلم الجورجي لإجراء انتخابات مبكرة، أشارت بعض المصادر إلى أنه لا يزال هناك مجال للإجماع مع الجناح المعتدل من المعارضة المتحدة لإجراء استفتاء عام حول الانتخابات المبكرة بدلًا من ذلك، مع ذلك فقد انتقد ميخائيل ساكاشفيلي الرئيس السابق لجورجيا والمقيم في أوكرانيا والزعيم الفعلي لحركة “الأمة المتحدة”، بشدة فكرة إجراء استفتاء عام واصفًا إياه بالفخ وحذر من منح “الحلم الجورجي” مزيد من الوقت ليفعل مثل هذه المناورات. كما رفض الجناح المعتدل للمعارضة بيان “ساكاشفيلي”، ومع ذلك بعد وقت قصير من بث شريط يظهر مكالمات مسربة بين كل من بيكا ايفانيشفيلي، وغاريبا شفيليط، وتشوبينيدزه، وقد أدت هذه الفضيحة إلى قلب المحادثات بين الحلم الجورجي والمعارضة المتحدة، حيث عادت الأخيرة إلى موقف أكثر تصادميّة تجاه حزب الحلم الجورجي، وقد صرحت أن الانتخابات المبكرة هي فقط التي يمكن أن تحل الأزمة السياسية الحالية.
كما أدى التسجيل الصوتي المسرب إلى زيادة الاستقطاب والمواجهة بين مؤيدي ومعارضي “الحلم الجورجي”، مما تسبب في وابل من الانتقادات الحادة من المجتمع المدني، فلطالما اتهم الجورجيون الغاضبون قيادة “الحلم الجورجي” بالاستيلاء على الدولة وتأسيس نظام حكم غير رسمي، ودعت المعارضة إلى إجراء تحقيق محايد في التسريب والاستقالة الفورية لرئيس الوزراء” غاريباشفيلي”، ويبدو أن التقارب الذي بدأ بالكاد بين الخصوم السياسيين الرئيسيين لجورجيا، والذين أثبتوا عدم قدرتهم على التفاوض بشكل مثمر دون وساطة من الجهات الخارجية، قد انهار إلى حد كبير، فعلى الرغم من أن كلًا من الحلم الجورجي والمعارضة يقولان إنهما لا يزالان ملتزمين بالحوار، لكن وجهات النظر التي تتضمنها هذه المحادثات غير واضحة.
لقد أصبح العامل الروسي عنصرًا جوهريًا ومتكاملًا في هذا التنافس السياسي المستمر، حيث يتهم كل من حزب الحلم الجورجي والمعارضة الموحدة بعضهما البعض بشكل استباقي باستخدام “الورقة الروسية”، على الرغم من عدم تقديم أي دليل قاطع في كثير من الأحيان، ويحذر المحللون على نطاق واسع من أن روسيا من المرجح أن تستفيد من العداء السياسي الحالي، وتعمل على تعميق الاستقطاب الاجتماعي في جورجيا، ولتحقيق هذه الغاية فإن الدعوات من بعض السياسيين المعارضين لاتخاذ موقف أكثر تطرفًا تجاه “الحلم الجورجي” تلعب دون قصد في مصلحة “موسكو”، التي تسعى إلى تصوير جورجيا دوليًا على أنها دولة فاشلة.
وكلما استمر الوضع الحالي المتمثل في عدم الاستقرار والمأزق السياسي، كلما ابتعدت جورجيا عن أبواب المجتمع الأوروبي الأطلسي عن غير قصد مع زيادة فرصة وقوعها فريسة للتلاعب الروسي، فعلى الرغم من أن موسكو تدعي أنها تظل محايدة فيما يتعلق بالأزمة السياسية الجورجية، إلا أنها قد تحاول سرًا تقديم الدعم لأحد اللاعبين السياسيين الرئيسيين مقابل بعض الدعم السياسي.
قد تستفيد روسيا من حالة عدم الاستقرار الحالية باستخدام النفوذ الاقتصادي وتفرض سيطرتها على المناطق الانفصالية من جورجيا في “أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية”، لتوجيه الوضع السياسي في تبليسي نحو وضع مرغوب فيه، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، حافظت روسيا بقوة على مكانتها كثاني أكبر شريك تجاري خارجي لجورجيا، وفي الوقت نفسه فإن تنامي القوة الناعمة الروسية على الأرض يبدو واضحا،
تكشف دراسة أجرتها الأكاديمية الليبرالية في تبليسي ومركز العلوم الاجتماعية عن المواقف الجورجية غير المتكافئة تجاه الغرب وتجاه القيم الغربية، وفي حين أن غالبية الجورجيين يعتبرون التكامل الأوروبي وسيلة لحماية البلاد من التهديد الروسي، يشكك جزء منهم في أن الاتحاد الأوروبي مستعد للدفاع عن جورجيا من روسيا وإفساد العلاقات مع موسكو، لذا يمكن أن نتوقع أن تحاول روسيا الاستفادة من هذا التناقض تجاه الغرب بين المجتمع والنخب الجورجية، حيث تحتفظ نسبة كبيرة من الجورجيين بروابط عاطفية وعقلية فيما يخص الماضي السوفيتي، والمسيحية الأرثوذكسية، والتيار الاجتماعي المحافظ، والصلات المالية والاقتصادية مع روسيا، فضلًا عن التواصل مع الشعب الروسي، ذلك لاعتقادهم بأن روسيا هي حصن القيم الأرثوذكسية المحافِظة، وشريان الحياة الاقتصادي لجورجيا ويعد مصدر نفوذ دائم ومهم للكرملين.
ويوضح مستوى وطبيعة التناحر السياسي في جورجيا بوضوح أن وتيرة “التغريب” للنخب السياسية الجورجية متخلفة عن تطلعاتهم المعلنة للانضمام إلى المجتمع الأوروبي الأطلسي، وبدلًا من ذلك، قد تؤدي الاضطرابات السياسية التي طال أمدها وإضعاف مؤسسات الدولة، إلى إعادة البلاد إلى الفترة التي كان يتعين فيها على جورجيا السعي وراء تحقيق توازن بين الغرب وروسيا من أجل البقاء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: The James Town Foundation
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر