انتحار نظام “أردوغان” بخنجر المقاطعة | مركز سمت للدراسات

انتحار نظام “أردوغان” بخنجر المقاطعة

التاريخ والوقت : السبت, 27 فبراير 2021

أمجد المنيف

 

لم يعد سرًا الخطر الذي تشكله الأطماع التركية في منطقتنا العربية، فالمشروع التوسعي الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ خرج منذ فترة ليست بالقصيرة من مساحة التكهنات والتوقعات والتحليلات، ومن اللعب في الظلام والغرف المغلقة، إلى المناورة العلنية المكشوفة.

يستدعي “أردوغان” في أطماعه، ممارسة وقولاً، الموروث الاستعماري السابق للعثمانيين مستغلاً الأذرع الإخوانية العربية في خطاب عاطفي ساذج، يستعدي الأنظمة العربية ويستفز شعوبها، ويلامس أصحاب الأهواء وضعاف النفوس.

ولأن “أردوغان” لا يختلف كثيرًا عن غيره من الأنظمة المستبدة أحادية الرؤية، فمن الطبيعي أن يتمادى في تصعيده السافر حتى يصل إلى القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، والتي حينها لا ينفع التراجع إن كان إليه ثمة سبيل، وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع بالفعل، فالشعوب الخليجية والعربية ضاقت ذرعًا بعنترياته ودعاياته الكاذبة وتدخلاته السافرة وتناقضاته الواضحة، فخرج الأمر عن نطاق السيطرة إلى مقاطعة شعبية، بدأت كردة فعل طبيعية وعفوية (في عدد من الدول أهمها: السعودية)، واستمرت في كسر عناد الغطرسة التركية.

ما لا يدركه “أردوغان” وزمرته أن الصبر العربي قد يطول، لكنه إذا نفد، فلا عودة للوراء، وأن المارد العربي إذا خرج من قمقمه فلن يفلح معه مرة أخرى المهادنة أو الاستمالة، وأن العودة إلى نقطة الصفر لا يمكن الرهان عليها من جديد، فإذا كانت الشعوب العربية قد استمدت حُلمها من موروث عربي زاخر بالأناة والحلم، فهي أيضًا لديها ما يكفي من موروث الأباة والعزة والكرامة، ولا يمكن أن تصمت إزاء تطاولات تمس العرب أو حكامهم.

خريطة الأطماع التركية تمددت وانكشفت، والعبث التركي وصل لمرحلة لا يمكن معها غير المواجهة، وبذات السلاح الذي من أجله يمارس “أردوغان” معظم مطامعه وهو السلاح الاقتصادي، فالطمع في مقدرات وثروات الشعوب العربية وغيرها من شعوب الجوار كان – ولا يزال – محركًا رئيسيًا للعثمانيين الجدد ومن قبلهم أسلافهم، على مدار القرون الخالية، وحوادث التاريخ خير شاهد على ذلك، ومن هنا انقلب السحر على الساحر، وكانت المقاطعة الشعبية للبضائع التركية، والسياحة، وغيرها من أشكال التعامل الاقتصادي أكبر صفعة يمكن توجيهها إلى نظام استعماري، على شاكلة النظام التركي، الذي يرى في جيرانه غنيمة كبيرة، مستغلاً كل العوامل المشتركة من دين وجوار في الخداع والخيانة والغدر.

سلاح المقاطعة الشعبية أثبت كفاءة فاعلة، خلال الأشهر القليلة الماضية، عبر مستويات عديدة أولها انكشاف المشروع التركي وانفضاحه شعبيًا، والأمر الآخر فشل الدعاية الأردوغانية في استمالة الشعوب الخليجية والعربية، وأهم من ذلك كله إحراجه أمام شعبه، فالمستثمرون والتجار الأتراك ضاقوا ذرعًا بما أوصلهم إليه النظام، ولم يعد السكوت خيارًا فليس لديهم ثمة ما يبكون عليه، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تلاحق تركيا في الأعوام الأخيرة، بسبب السياسات الخارجية والداخلية الرعناء، حتى بات الحديث عن الانهيار المتتالي للعملة التركية هو الحدث المعتاد في الملف التركي.

هذه العوامل وغيرها تشكل النقطة المضيئة في معركة المواجهة الشعبية، فاستمرار المقاطعة يضيق من الخناق على النظام التركي من خلال الضغط والتذمر الشعبي المتزايد رغم الآلة الإعلامية المضللة والمواجهة الأمنية والسياسات الاستبدادية التي لم تُبقِ ولم تذر.

تشير الأرقام إلى انخفاض حاد في واردات المملكة العربية السعودية من البضائع التركية في العام الماضي؛ نتيجة انضمام رجال الأعمال والمستوردين إلى الحملة الشعبية التي بدأت في أواخر عام 2020، ووفقًا لما أعلنته الهيئة العامة للإحصاء السعودية، بلغت الواردات من تركيا 50.6 مليون ريال (13.49 مليون دولار) في ديسمبر، وهو انخفاض حاد وغير مسبوق وهو الأدنى على الإطلاق، مقارنة بـ182.2 مليون ريال في نوفمبر، ومن 1.06 مليار ريال في ديسمبر 2019.

كما تراجعت تركيا إلى المرتبة الثامنة والخمسين من حيث الواردات إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2020، بينما كانت في المرتبة الحادية عشرة في ديسمبر 2019.

ما ينبغي التأكيد عليه أن المقاطعة هي أداة مهمة من أدوات الدبلوماسية الشعبية، ولا تقل أهمية عن غيرها من الضغط الدبلوماسي والرسمي، واستمرارها لم يعد خيارًا، فدائرة المطامع التركية تتسع، وأنقرة تجيد فن المراوغة والغدر، والحملة الشعبية في هذا الوقت تأخذ منعطفًا أكثر خطورة وأهمية، فالبضائع التركية التي كانت مخزنة في المستودعات وعلى أرفف المتاجر من البديهي أن تكون قد نفدت، ووجودها في الوقت الحالي واللاحق يعني أن ثمة شيئًا ما على غير حقيقته. ولذا، فإننا مقبلون على جولة حاسمة وصفرية، إمَّا أن تنجح الحملة وتزداد الضربات إيلامًا، وإمَّا أن تكسب العنجهية التركية رهانها وتعتبر ما مضى سحابة صيف وانقشعت، وهو الرهان الساذج الذي لا يقل سذاجة عن الممارسات التركية من الأساس. والسلام..

 

مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*

@Amjad_Almunif

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر