سياسات أردوغان | مركز سمت للدراسات

تركيا 2050.. بين الحقيقة والأوهام

التاريخ والوقت : الإثنين, 15 فبراير 2021

عماد الدين حسين

 

ما هي حقيقة خريطة النفوذ التركي عام ٢٠٥٠، وهل تعبّر فعلا عن أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنصاره في تركيا والمنطقة، أم مجرد تكهنات بحثية أو استخبارية أميركية، لا تمانع في عودة الخلافة العثمانية بشكلها القديم، لكن في صورة حديثة، والسؤال الأخير: من يا ترى المستفيد الآن من إعادة الروح لهذه الخريطة المعلن عنها قبل ١٢ سنة؟!

في عام ٢٠٠٩ أصدر الكاتب والباحث الأميركي جورج فريدمان كتابا عنوانه: «الـ ١٠٠ سنة القادمة.. التوقعات للقرن الـ ٢١»، والكتاب كما يبدو من عنوانه يتضمن توقعات للأوضاع الاستراتيجية والجيوسياسية في العالم، خلال القرن الذي نعيشه، وإمكانية تغير مراكز القوى.

وبشأن هذه الخريطة فإن الباحث الأميركي توقع أن يتوسع النفوذ التركي ليشمل مناطق كثيرة تبدأ من جوار تركيا المباشر في شرق المتوسط مثل اليونان وقبرص ثم ليبيا في شمال إفريقيا، مرورا بمصر ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا العراق وسوريا ولبنان والأردن، ثم يمتد هذا النفوذ إلى آسيا الوسطى، شاملا أرمينيا وأذربيجان وتركمستان وكازاخستان ومعظم مناطق بحر قزوين، وصولا إلى جورجيا والقوقاز، وأقاليم كثيرة جنوب روسيا وجزيرة القرم وشرق أوكرانيا.

هذه الخريطة ظلت حبيسة رفوف مكتبات الباحثين، لكن قناة تركية قررت عرضها قبل أيام، فدبت فيها الروح وأثارت الكثير من الجدل والتفاعل.

أنصار أردوغان خصوصا على السوشيال ميديا، احتفوا بها، واعتبروها بشارة لما يتمنونه، خصوصا أنها تشبه إلى حد كبير خريطة الخلافة أو الدولة أو الإمبراطورية العثمانية، التي أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة حوالى 600 سنة، من 27 يوليو 1299م حتى ألغاها مصطفى كمال أتاتورك 29 أكتوبر 1923.

لكن الملف لنظر كثيرين أن الخريطة خلت تماما من إيران وإسرائيل.

والملاحظة المهمة أيضا هي أن مثل هذه النوعية من الكتب صدرت قبل ذلك وتصدر كل فترة عن توقعات تغير موازين القوى وصعود دول وهبوط أخرى.

لكن الملفت فى هذا الكتاب تحديدا أنه صادر عن مؤسس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي «ستراتفور».

صحيح أنه مركز خاص، لكنه يعتبر أهم مؤسسة تعنى بقطاع الاستخبارات، ولا يخفي طبيعة عمله الاستخباري. وكما تقول صحيفة «زمان» التركية فإن هذا المركز يجسد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الحكومية الأميركية. ثم إن غالبية العاملين والباحثين فيه، موظفون سابقون في أجهزة الاستخبارات الأميركية. وفي تسريبات موقع «ويكليكس»كان هناك نصيب كبير لوثائق ومعلومات صادرة من هذا المركز.

من حق أي باحث، وكاتب أن يصدر ما يشاء من الكتب، ويتوقع ما يشاء من التحليلات، ومن حق أردوغان وأنصاره أن يحلموا بأن يسيطروا على كل العالم القديم منه والجديد، ومن حق الآخرين أن يختلفوا مع توقعات الكتاب، بل وربما يتوقعون عكسها تماما، لكن ظنى أن إعادة الروح لمثل هذه الخريطة، أو حتى الحديث عن «الوطن الأزرق» بالمفهوم القومى، قد يؤدي إلى عكس تمنيات أردوغان تماما.

ومفهوم «الوطن الأزرق» لدى القوميين الأتراك أن بلادهم تمتلك 462 ألف كيلومتر من العمق البحري في مياه شرق المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود، وقد سلبت هذه المياه الوافرة بالثروات ومصادر الطاقة من الخارطة التركية بفعل المؤامرات التي حاكتها القوى الإمبريالية في غرب أوروبا ضد أنقرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

أحد التقديرات أن مثل هذه الخريطة الأخيرة، مع السياسات التي يتبعها أردوغان في المنطقة، قد تؤدي إلى استنفار الجميع ضد أحلام أو أوهام أردوغان، خصوصا أن أوروبا بدأت بالفعل تتحدث بصوت مرتفع عن خطورة الظاهرة الأردوغانية، وما كان همسا صار صاخبا، وسمعنا للمرة الأولى عن عقوبات أوروبية ضد أردوغان، بعد أن كان الأخير يحلم بالانضمام للاتحاد الأوروبي.

تقديري أن مجمل سياسات أردوغان، خصوصا المتعلقة بدعمه لقوى التطرف والعنف والإرهاب في المنطقة، جعلت العديد من بلدان وشعوب المنطقة تتذكر السياسات العثمانية التي أدت إلى إفقار واستنزاف المنطقة العربية، في حين أن قلة كانت تراها مجسدة للخلافة الإسلامية.

ظني أن نشر هذه الخريطة في هذا التوقيت، وإذا كان يحاول معرفة ردود الأفعال عليها، ومدى إمكانية تطبيقها، فهو ربما يحاول أيضا لفت الانتباه لمقاومتها وإفشالها.

 

المصدر: صحيفة الشروق

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر