الانسحاب من ليبيا | مركز سمت للدراسات

إدارة “بايدن” تعيد اكتشاف المصالح الأميركية في ليبيا

التاريخ والوقت : السبت, 13 فبراير 2021

أوسكار تيجا

 

دعت الولايات المتحدة إلى الانسحاب الفوري للقوات الروسية والتركية من ليبيا، وهو الطلب الذي يمثل تحولاً فيما يتعلق بالإدارة السابقة، حيث تمت صياغته من قِبَل رئيس البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، “ريتشارد ميلز جونيور”، بعد انتهاء المهلة المحددة في اتفاق الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في 23 يناير.

وقال “ميلز” خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي: “إننا ندعو جميع الأطراف الخارجية، بما في ذلك روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة، إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التدخل العسكري في ليبيا”. “وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر، ندعو تركيا وروسيا إلى الشروع فورًا في سحب قواتهما من البلاد وجميع المرتزقة الأجانب والوكلاء العسكريين الذين جندتهم ومولتهم ونشرتهم ودعمتهم في ليبيا”.

وتعكس هذه الدعوة قلقًا أميركيًا متجددًا بشأن ملف لا يبدو حاليًا أنه من بين أولويات السياسة الخارجية لإدارة “جو بايدن”. لكن بالنظر إلى التداعيات الاستراتيجية الأوسع، الاستقرار في منطقة الساحل، وإمدادات النفط والغاز، واستقرار الناتو، يمكن أن يتغير بسرعة.

ومما زاد من تعقيد مجموعة المصالح الدولية المتصلة بالأزمة الليبية، التي شهدت في البداية إيطاليا وفرنسا والإمارات ومصر في الصف الأول، إضافة فاعلين بين نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، وكلاهما كان بشكلٍ سريعٍ. فقد تولى كلٌّ من ليبيا وتركيا دورًا مركزيًا في رقعة الشطرنج. وفي الواقع، وافقت أنقرة على مهمة عسكرية لدعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، فأرسلت جنودًا وبضعة آلاف من المرتزقة الذين كانوا سابقًا في سوريا إلى البلاد. وفي غضون ذلك، بعد دعم سري لخليفة حفتر لعدة سنوات، عززت روسيا وجودها في ليبيا إلى جانب جنرال برقة.

وفيما يخص موقف تركيا، فقد أعلن وزير دفاع حكومة الوفاق الوطني، مؤخرًا، أن 1300 جندي ليبي قد أكملوا التدريب الذي قدمته قوات أنقرة في مراكز متخصصة في ليبيا. وقد أثارت كلماته الغضب في برقة حيث يُنظر إلى الأتراك على أنهم “صليبيون عثمانيون”.

ويأتي طلب الولايات المتحدة بـ”احترام السيادة الليبية” الذي صاغه السفير “ميلز جونيور” بعد عام واحد فقط من قمة برلين، التي تعهد خلالها أنصار الفصائل الرئيسية في ليبيا بإنهاء التدخل في البلاد والعمل من أجل وقف دائم لإطلاق النار.

ومنذ ذلك الحين، سارت هدنة على الأرض على طول الخط الأمامي، بين سرت وقاعدة الجفرة الجوية، التي تقع في وسط البلاد على طول الحدود بين طرابلس وبرقة.

وهنا، فكما ورد خلال الأيام الأخيرة في “سي إن إن”، فقد قامت قوات الجنرال خليفة حفتر بإنشاء جدارًا في الصحراء بطول 70 كيلومترًا، فيما لا يشير إلى أي نية من جانب الجهات الخارجية الانسحاب منها.

وعلى الجانب السياسي، صوَّت منتدى الحوار السياسي الليبي في 21 يناير، وهو تجمع يضم ممثلين من جميع أنحاء البلاد، لصالح إنشاء سلطة تنفيذية مؤقتة جديدة، وهي نوع من حكومة الوحدة الوطنية لتحل محل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، وقادت ليبيا نحو الانتخابات العامة في 24 ديسمبر في وقت لاحق من هذا العام.

وتنص آلية الاختيار على أن تعين كل منطقة من المناطق التي تتكون منها الدولة (طرابلس، برقة، فزان) عضوًا في المجلس الرئاسي، بينما يتم انتخاب رئيس الوزراء من قبل أعضاء المنتدى البالغ عددهم 75 عضوًا، بنسبة 70٪ كحد أدنى من الأصوات.

وقد تمَّ تصميم هذا النظام بطريقة تضمن التوازن بين شرق وغرب ليبيا. فإذا انتقلت الرئاسة إلى برقة، يجب أن تذهب رئاسة الوزراء إلى طرابلس، والعكس صحيح.

وقالت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا “ستيفاني ويليامز”: “إن الحكومة الانتقالية ستكون فرعًا تنفيذيًا مؤقتًا يتألف من الوطنيين الليبيين الذين يريدون تقاسم مسؤولية إعادة بناء بلدهم بدلاً من تقاسم الكعكة”. وفي غضون ذلك، قام مجلس الأمن بتعيين الدبلوماسي السلوفاكي “يان كوبيس” مبعوثًا للأمم المتحدة إلى البلاد، وهو المنصب الذي كان شاغرًا منذ مارس الماضي عندما استقال غسان سلامة بسبب الإجهاد، وحل محله مؤقتًا نائبه “ويليامز”.

وبحسب الأمم المتحدة، يوجد حاليًا نحو 20 ألف جندي ومرتزقة أجنبي في ليبيا.

وبينما تنفي روسيا أي مسؤولية عن وجود قواتها، مددت أنقرة في ديسمبر الماضي الإذن بنشر قواتها في ليبيا لمدة 18 شهرًا، في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي نفس الوقت الذي قدَّم فيه سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة استئنافه، أعلن البيت الأبيض تعليق بيع إدارة “ترمب” لمقاتلة إف -35 الخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة. وهو ما يحمل دلائل على تغيير في مواقف الولايات المتحدة تجاه ملف ليبيا، وهو أمر قريب بشكل خاص من قلب إيطاليا.

إن ليبيا غير المستقرة، وهي فريسة للحرب القبلية المستمرة، وتخاطر بزعزعة استقرار الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ​​برمَّته، مما يؤجج تدفقات الهجرة غير النظامية والتهديدات الإرهابية المحتملة.

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، استغل الرعاة الخارجيون والجهات الفاعلة غير الحكومية غياب الولايات المتحدة لتحقيق مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية. لكن يمكن أن يكون التدخل الأميركي ضروريًا لإعادة التوازن في البلاد ومنع انهيارها.

وخلال الأيام القليلة الماضية، تمَّ إجراء مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الأميركي الجديد، “أنتوني بلينكن”، ووزير الخارجية الإيطالي، “لويجي دي مايو”، بمناسبة الرئاسة الإيطالية لمجموعة العشرين.

وقد كانت الرغبة التي عبر عنها الدبلوماسي الإيطالي لنظيره الأميركي خلال هذه المكالمة تتمثل في “إعادة بناء وتعزيز الشراكة الدائمة بين الولايات المتحدة وإيطاليا”.

وتأتي هذه المكالمة بعد أن عقد “بلينكن” أول مؤتمر صحفي له كوزير للخارجية في إدارة “بايدن” في 27 يناير. وفي تلك المناسبة، سلَّط كبير الدبلوماسيين الأميركيين الضوء على بعض أهم قضايا السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بما في ذلك تجميد بيع الأسلحة.

أمَّا الاتصال الرسمي الثاني بين إدارة “جو بايدن” والحكومة الإيطالية، فقد تمثل في المحادثة الهاتفية بين “لورينزو جويريني” و”لويد أوستن”، الرئيس الجديد للبنتاغون في 29 يناير.

أمَّا بالنسبة لليبيا، فإن إيطاليا تحاول استعادة دورها في البلاد من خلال سلسلة لقاءات شهدت مشاركة مبعوثين مع الجنرال حفتر، آخرها في 21 يناير.

إن الأمر متروك لروما والمجتمع الدولي لاغتنام هذه الفرصة في ضوء التصويت الحاسم في ديسمبر.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر