سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماريو إستيبان وميغيل أوتيرو-إغليسياس
أثار الإعلان عن اتفاقية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين التي تُعرف بـ”الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين”، أو (CIA) في 30 ديسمبر، جدلاً كبيرًا. فرغم أنه لا يزال من السابق لأوانه التوصل إلى تقييم قاطع، من بين أمور أخرى لأنه لم يتم نشر نص الاتفاقية بعدُ، فقد كان هناك انتقادات شديدة وحادة ضد دبلوماسية أوروبا لتوقيعها، حتى من داخل مؤسسات الاتحاد نفسها. ونظرًا لأن الاتفاقية لم يتم التصديق عليها بعدُ، يبدو من المهم المساهمة في نقاش أكثر جديةً، من خلال تسليط الضوء على بعض الإنجازات الواضحة من منظور مصالح الاتحاد الأوروبي وقيمه، ومن خلال توضيح بعض الحجج التي أثيرت مرارًا وتكرارًا بشأنها.
وبدءًا من الإنجازات، واستنادًا إلى الملاحظات التفسيرية الصادرة عن المفوضية الأوروبية، يمكن القول بشكل لا لبس فيه، أن هذا هو “الاتفاق الأكثر طموحًا الذي أبرمته الصين مع دولة ثالثة”، أو مجموعة من الدول. لذلك، فإن التقدم الذي تمَّ إحرازه من أجل المصالح الاقتصادية للاتحاد الأوروبي لا يُستهان به بأي حال من الأحوال. ووفقًا للمفوضية نفسها، فإن الاتفاقية تقدم:
وفي قطاع التصنيع، تذهب المفوضية إلى أبعد من ذلك لتقول إنه “من حيث مستوى الطموح، فإن التزامات الصين بشأن الوصول إلى الأسواق، من شأنه أن يتناسب مع انفتاح الاتحاد الأوروبي”، مما يجعلنا أقرب إلى المعاملة بالمثل التي نطلبها كثيرًا. علاوة على ذلك، ففي قطاع الخدمات، ستوفر الصين وصولاً أكبر إلى الأسواق، من بين أمور أخرى، في المجالات التالية: “التمويل، والصحة، والبحوث البيولوجية، والاتصالات والخدمات السحابية، وخدمات الكمبيوتر، والنقل البحري الدولي، والنقل الجوي، وخدمات الأعمال المختلفة (مثل العقارات، وبحوث السوق، والاستشارات والترجمة)، والخدمات البيئية، وخدمات البناء، وتوظيف مديرين ومتخصصين من الاتحاد الأوروبي”. وفي كل من هذه المجالات، يجب أن تنشأ فرص عمل جديدة للشركات الإسبانية.
وبالنظر الآن إلى الوثيقة الخاصة بهذه الاتفاقية، فإن التسرع في إبرامها الشهر الماضي، والدفع الألماني للقيام بذلك قد تمَّ التشكيك فيه، واعتباره دليلاً قاطعًا على أن الاتفاقية تتعارض مع المصالح والقيم الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي سيتم التضحية بها لأجندة اقتصادية ألمانية معينة.
صحيح أنه في بداية ديسمبر، بدا من المستحيل تحقيق الهدف المحدد خلال القمة الحادية والعشرين للاتحاد الأوروبي والصين في أبريل 2019 لإبرام اتفاقية استثمار في عام 2020، إذ اعتبرت المفوضية أن الالتزامات التي قدمتها الصين كانت واضحة، وغير كافية. وبالمثل، فعلى الرغم من أن التغيير السريع والمفاجئ في موقف السلطات الصينية هو الذي سهَّل التوصل لهذا الاتفاق، فبدون أي موعد نهائي صارم وبعد أكثر من سبع سنوات و35 جولة من المفاوضات، أعطت المفوضية الدول الأعضاء بالكاد 48 ساعة للتدقيق في الاتفاقية. وأكثر من ذلك، أن مصادر مباشرة مطلعة على الموضوع تشير إلى أن العوامل الرئيسية لشرح هذا الموعد النهائي القصير كانت اهتمام ألمانيا بالانتهاء من الاتفاقية قبل نهاية رئاستها للمجلس الأوروبي، واهتمام المفوضية بالتوقيع عليها. وقبل وصول الإدارة الأميركية الجديدة التي قد يؤخرها بشكل كبير. وقد أثار حضور الرئيس الفرنسي “ماكرون” الاجتماع السابق لتوقيع الاتفاق عدم ارتياح في العديد من العواصم الأوروبية. ومع ذلك، فإن الجدل بشأن هذا الأساس بأن هذه الاتفاقية يعدُّ خطأ استراتيجيًا تمَّ ارتكابه من قِبَل الاتحاد الأوروبي قصير النظر، الذي تأثر بالمصالح الاقتصادية الألمانية، والفرنسية أيضًا، مما سيجعل المزيد من التعاون عبر الأطلسي مستحيلاً بعد تنصيب “جو بايدن”. ذلك أن تجميل نظامٍ يرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يمثل قفزة مفاهيمية يصعب تبريرها.
وتعتبر الاتفاقية الأخيرة انعكاسًا لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، والتي تحدد بكين كشريك ومنافس وخصم، وليس كعدو. وكما هو مفصل في عمل تمَّ إعداده ونشره، العام الماضي، من قبل شبكة مراكز الفكر الأوروبية حول الصين، فإن الاتحاد الأوروبي وجميع دوله الأعضاء (ليس فقط ألمانيا وفرنسا) ينجذبون بشكل أساسي إلى حجم وديناميكية الاقتصاد الصيني وحيويته. وقد حدد هذا العمل وزنًا محددًا للعديد من القضايا العالمية الرئيسية مثل مكافحة تغير المناخ والانتشار النووي، مع التأكيد على أنهم على استعداد لزيادة علاقاتهم مع الصين، لكن ليس بأي ثمن. فالعلاقات الأعمق بين الاتحاد الأوروبي والصين مشروطة بإدماجها في إطار معياري يحمي القيم والمصالح الأوروبية. ولا تمثل اتفاقية الاستثمار هذه حلاً وسطًا في منتصف الطريق يلتزم بموجبه الاتحاد الأوروبي والصين بتعديلات تنظيمية مكافئة تقريبًا، فالصين هي التي يتعين عليها إجراء التغييرات.
علاوة على ذلك، فعلى الرغم من أنه يمكن تفسير هذه الاتفاقية على أنها انعكاس لطموح استراتيجي أوروبي متزايد للحكم الذاتي (من الأفضل أن يكون لديك اتفاق مشترك مع الصين بدلاً من 27 اتفاقية استثمار ثنائية لتجنب محاولة “فرق تسد”، حيث قرر الاتحاد الأوروبي عدم انتظار توقيع واشنطن عليه)، فإن هذا لا يعني ضربة لتعاون أكبر عبر الأطلسي. وسواء تمَّ التصديق على هذه الاتفاقية أم لا، فإن التنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن السياسات تجاه الصين، والتي لا ينبغي فهمها على أنها غاية في ذاتها، لكنها وسيلة للدفاع عن المصالح والقيم المشتركة بينهم، لذلك فإنها سوف تعتمد فقط على الرغبة في التعاون على جانبي الأطلسي، وليس على ما تفضله بكين. بجانب ذلك، فإن اتفاقية الاستثمار لا تتضمن عناصر ضارة بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة أو تمنع العديد من القضايا التي سيكون التنسيق بشأنها مفيدًا لواشنطن وبروكسل (تم تحديدها في ورقة حديثة أعدتها المفوضية بعنوان “أجندة جديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل التغيير العالمي”)، بل إنها تتضمن عناصر مشتركة في أجندة “بايدن” (حقوق الإنسان والاستدامة والمزيد من الشفافية من الصين).
وبالمثل، ليس هناك ما يشير إلى أنه بموجب هذه الاتفاقية يتخلى الاتحاد الأوروبي عن مواصلة تحسين حالة حقوق الإنسان في الصين، أو تطبيق تدابير دفاعية ضد الممارسات الاقتصادية الصينية التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي مُسيئة. وعلى العكس من ذلك، فقد تمَّ اتخاذ مبادرات في الأشهر الأخيرة تشير إلى موقف أكثر صرامة واستراتيجية، مثل اعتماد نظام عقوبات عالمي لحقوق الإنسان للتمكن من معاقبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ودخوله حيز التنفيذ في إطار عمل الاتحاد الأوروبي لفحص الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي قد تؤثر على الأمن الأوروبي والنظام العام، ونشر المبادئ التوجيهية لضمان أمن شبكات الجيل الخامس، وإعداد كتاب أبيض حول الإعانات الأجنبية.
وفي الختام، فعلى الرغم من أن الصين لم تلبِّ جميع المطالب الأوروبية، حيث لا تزال هناك فجوة معيارية كبيرة بين الطرفين (ستستمر بكين في امتلاك نظام سياسي استبدادي واحتضان رأسمالية الدولة)، يبدو أن اتفاقية الاستثمار الجديدة تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح من خلال تقديم إطار معياري يدافع بشكل أفضل عن مصالح الاتحاد الأوروبي وقيمه في علاقاته مع الصين. علاوة على ذلك، فإنها تعدُّ اتفاقية يحتمل أن يكون لها آثار إيجابية متعددة الأطراف، إذ إن تنفيذها يجب أن يجعل الصين أكثر انفتاحًا وأقل غموضًا، مع معايير بيئية وعمالية أعلى. صحيح أن هذا يعتمد على كيفية تنفيذ الاتفاقية بمجرد المصادقة عليها، إلا أن هذه المرة لن تكون الأولى التي تخيب فيها الصين آمالها فيما يتعلق بتنفيذ التزاماتها الدولية. ومن ثم، ينبغي أيضًا النظر إلى إدخال آليات إنفاذ معينة بشكل إيجابي، على سبيل المثال، في الأقسام الخاصة بالتنمية المستدامة، فضلاً عن حقيقة أن النطاق النهائي للاتفاقية يتحدد بمستوى التنفيذ من قبل الأطراف، وإن لم يقدم الاتحاد الأوروبي أي تنازلات جيوستراتيجية أو معيارية. وعلى العكس من ذلك، ورغم قيودها، فإن اتفاقية الاستثمار توضح مرة أخرى للعالم أن القوة المعيارية للاتحاد الأوروبي أكبر مما قد يفترضه الكثيرون.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد إلكانوا الملكي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر